ودّعتنا الشاعرة والروائية أندرية شديد، هي التي ولدت عام 1920 في مصر من أبويين لبنانيين، كانت تنتمي إلى تلك البُقعة من الشرق وإلى العالم أجمع في الوقت نفسه، لأنّها كانت تؤمن بأنّ هويّة الكاتب أبعد من الحدود الضيّقة لهذا البلد أو ذاك التي تحميها الجيوش والسياسات والمصالح. ولا نفاجأ بأن يكون نتاجها الأدبي، شعراً ونثراً، يشبهها، هذا النتاج الوفير والمتنوّع مسكون بنزعة إنسانية خالصة ميّزت هذه المرأة طوال أكثر من نصف قرن، وجعلت اسمها في كلّ مكان مرادفاً للتسامح والحبّ والجمال، وهذا ما يطالعنا بشكل واضح في دواوينها ورواياتها، من "الرماد المعتَّق" إلى "نصوص للأرض الحبيبة". صحيح أنها جاءت إلى باريس وهي في السادسة والعشرين من العمر، لكنها ظلّت تحلم بالأمكنة التي تشرق منها الشمس، وكانت تلك الأمكنة حاضرة في شعرها وقصصها القصيرة ورواياتها ونصوصها المسرحية، خصوصاً في كتابيها "اليوم السادس"، و"الآخر"، اللذين تحوّلا إلى فيلمين سينمائيين. التقيتها للمرة الأولى في "معهد العالم العربي"، فحدثتني عن لبنان وأطلعتني على ما كتبته حول الحرب الأهلية (أفردت لها كتاباً بعنوان "البيت الذي بلا جذور") وكانت جمرتها لا تزال مشتعلة، حدثتني عن أخطار النظام الطائفي وضرورة تغييره. وأشارت إلى مسؤولية اللبنانيين أولاً والعالم أجمع، في حماية هذا البلد المتعدّد كمختبر للثقافة وكنموذج حيّ لقدرة البشر على التعايش. توالت لقاءاتنا في مكان يدعى "ليزيتان دوكورو"، الواقع في قلب الطبيعة بين مدينة فرساي وباريس، حيث كنا نتأمل في جمال الأشياء بعيداً عن الرعب الذي يحدّق بالبشر وأحوالهم. مرّات قليلة التقيتُ أندريه شديد، لكنني دائماً ما كنتُ أقرأها، وفي كلّ مرّة كنتُ أشعر بندرة شخصيتها وثراء حضورها هي التي كرّست حياتها للإبداع وراهنت عليه بصفته جسراً يجمع بين البشر مهما اختلفت جنسياتهم ودياناتهم وثقافاتهم. كأنّ الإبداع، بالنسبة إليها، هو الهوية الحقيقية والعميقة للإنسان، وهو الردّ الأمثل على الحروب والعنف المتأتيان من الظلم واللاعدالة والاستبداد. تمضي أندريه شديد وتبقى ألحانها في قلوبنا، ووهجها لا يبارح مكانه، وهو متواصل في تلك الكنوز من الكتب التي تركتها كوديعة بين أيدينا.