تختلف وجهات نظر الاقتصاديين بشأن الصناعات الصغيرة من حين لآخر ولكن جميع وجهات النظر تلك تتفق على تعريف واحد لتلك الصناعات بأنها الصناعات الأصغر من حيث عدد العاملين المشتغلين بها مع صغر قيم الرساميل اللازمة لتدويرها إضافة إلى كثرة وحداتها مع محدودية الطاقة الإنتاجية لكل وحده. إن المتابع للشأن الصناعي يجد أن هذه الصناعات الصغيرة البسيطة في الدول الفقيرة تلبي احتياجاتها الاقتصادية بحكم علاقاتها مع الطبقات الفقيرة ولدورها الكبير في معالجة البطالة ولاعتمادها على المواد الخام المحلية وقد حققت ما نسبته 40% من احتياجات السكان من السلع والخدمات بتلك الدول بينما يجد الخبراء الاقتصاديون بأن الشركات الكبرى سواء المحلية أو الأجنبية منها ليس لها المقدرة على إيجاد فرص عمل إلا بنسب لا تتعدى 3% وهنا يبرز دور الصناعات الصغيرة خاصة وأن جميع الدراسات الاقتصادية الحديثة أكدت على أهمية دور تلك الصناعات الصغيرة في تنشيط الحراك الاقتصادي عند كثير من الدول التي وظفت الظروف المناسبة والبيئة الحاضنة لنجاح أعداد كبيرة من الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيها مثل الصين واليابان وايطاليا وتايوان وهونكونك وغيرها. حيث حققت الشركات الصغيرة بتلك الدول معدلات نمو اقتصادية مرتفعة نسبياً ساهمت من خلال معدلات النمو تلك في بناء كيانات اقتصادية عملاقة لدولها.. ولا أدل على ذلك من أن سر معجزة الاقتصاد الياباني تكمن في نتاج الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسط لا بفعل نتاج الشركات العملاقة تلك الشركات الصغيرة التي احتضنتها الحكومة اليابانية في بدايات نهوضها الصناعي أوائل ستينيات القرن الماضي بأن قدمت لها الدعم والتمويل وضمنت لها صادراتها ولا زالت. وكما أن دور مثل تلك الصناعات يظهر في تقوية وترسيخ الاقتصاديات الوطنية لكل بلد من خلال منظور التنافسية واستمرارها بين تلك الشركات الصغيرة وهذا يؤدي بدوره إلى إتقان المنتج وتحسين نوعيته مع تطوير سبل الإنتاج يضاف لذلك قدرة هذه الصناعات الصغيرة على التجديد والتطور كونها في الغالب تعود لأفراد حيث يُجمع الخبراء الاقتصاديون على إن المشروعات الصغيرة التي يديرها أصحابها تتعرض للتجديد والتحديث أكثر من المؤسسات الكبيرة إذ يجد الإفراد في ذلك حوافز تدفعهم مباشرة لتطوير العمل والتجديد فيه، وعليه فإن المشروعات الصغيرة تعتبر هي المصدر الرئيس للأفكار الجديدة والاختراعات الابداعيه، ومن اجل ذلك أقامت الحكومة الأمريكية هيئة حكومية باسم إدارة المشروعات الصغيرة وكما تم تأليف لجنة البيت الأبيض للمشروعات الصغيرة ولجنتين دائمتين في الكونغرس تهتمان بالصناعات الصغيرة، وفي السنوات الأخيرة شهد العالم صعود المنشآت الصناعية الصغيرة على سلم الصناعة العالمي بينما كان الوضع في النصف الأول من القرن العشرين مغايراً تماما حيث نجد أن الربط واضح بين مستويات الإنتاج الصناعي وبين الحجم الكبير للشركات لكون أن السياسات الاقتصادية العالمية قد عملت وقتها على تشجيع الشركات الكبرى على زيادة إنتاجها الصناعي مما جعل الولاياتالمتحدة وألمانيا أكبر قوتين صناعيتين في العالم. ومع التغيرات الاقتصادية التي ظهرت في بداية سبعينات القرن الماضي وما صاحبها من نظريات اقتصادية جديدة تؤكد أن أي توسع في الاقتصاد لأي دوله لابد من أن يزيد من قوة المؤسسات الصغيرة فيها ويدعمها ويمكنها بالتالي من لعب الدور الفاعل في التنمية المستدامة بتلك الدولة وكما تدعو هذه النظرية إلى أهمية إعطاء الشركات والمؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة الدور الفاعل في تنمية اقتصاديات دولها، وفي تسعينيات القرن الماضي ظهرت عدة كتب لكتّاب ومنظرون اقتصاديون مثل "الفريد هايدي توفلر" "جورج غيلدر " آل غور" جميعهم تنبؤوا بزوال شركات كبرى مثل IBM التي كانت تستحوذ على 80% من صناعة الكومبيوتر تقريباً ولقد تم ذلك فعلاً على يد شركة صغيرة تدعى SUN Micn systems كما أن هؤلاء المنظرون الاقتصاديون يؤكدون أن المؤسسات الصغيرة وليست الكبرى سيكون لها اليد الطولى في الاقتصاد العالمي مستقبلاً. من خلال ما تم استعراضه يتضح للجميع بروز وتنامي الاهتمام العالمي بالدور الذي يمكن أن تقوم به الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسط في إقامة صناعات صغيرة وأهمية ذلك الدور في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة لكثير من دول العالم حتى أصبح الأمر علامة فارقة تميز القطاع الصناعي العالمي القائم الآن، إن واقع الصناعة العالمية حالياً وما شهده من تغييرات ارتبطت كثيرا مع المستجدات والمتغيرات الدولية التي ظهرت في السنوات الأخيرة وهذا يتطلب منا جميعاً فهم تلك المتغيرات والاستجابة لها بالابتعاد عن الأساليب البيروقراطية الجامدة في إدارة صناعاتنا الوطنية ومتابعة التغيرات الاقتصادية العالمية بكل دقة لتحقيق التجانس التام بينها وبين ما نتخذه من سياسات اقتصادية. وفي ظل الوفرة المالية والميزانية القوية بالمملكة عندنا فإن الأمر يتطلب معه النهوض بهذا القطاع الصناعي المدار بواسطة الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وذلك من خلال إنشاء هيئة وطنية عُليا تشرف على إعداد ووضع الخطط المناسبة للنهوض بهذا القطاع وتوفر له الآليات الداعمة لنجاحه وكما تعترف لهذا القطاع بأهمية دور إنتاجه الصناعي في دعم الاقتصاد الوطني مع أهمية دوره في القضاء على البطالة لدينا ومن مسؤوليات تلك الهيئة، أيضاً تذليل العقبات التي فد تعترض سبيل تلك الشركات الصناعية الصغيرة فضلا عن مراجعة وتطوير كافة الأنظمة الصناعية السابقة والمعمول بها حالياً مع ضرورة أن تقوم هذه الهيئة بحماية صغار الصناعيين من سياسات الإغراق الخارجية ومن سطوة الشركات الصناعية الكبرى المحلية، وتأكيد عدم تكرار ما حدث من تدهور في أحد القطاعات الصناعية قبل عدة أعوام عندما قامت شركة محلية احتكارية كبرى برفع أسعار منتجاتها بالسوق المحلي وبمعدلات عالية وبوتيرة متسارعة وذلك على الصناعيين بأحد قطاعات الصناعة المحلية عندنا فأوقعتهم تلك الشركة بخسائر جسيمة من دون أدنى اعتبار لهم على الرغم من أنها تأخذ أسعار لقيمها الصناعي من الحكومة بأسعار تفضيلية متدنية جداً. وكما أن على هذه الهيئة أن تعمل على تشجيع الاستثمار بتلك الشركات والمؤسسات الوطنية الصغيرة والمتوسطة مع ضرورة تسهيل عمليات إقراضها مع تأكيد أهمية إنشاء بنك لضمان صادرات الصناعة السعودية تؤسسه الهيئة المشار لها بالتعاون بينها وبين كافة البنوك المحلية والجهات الحكومية وشبه الحكومية ذات العلاقة حالياً بدعم الصادرات الوطنية وبمشاركة القطاع الخاص أيضاً، ولا يخفى على أحد أن الصناعة الوطنية عندنا باتت ذات جودة عالية فرضت احترامها وقبول وجودها في مختلف الأسواق الخارجية ومعها أصبحت كميات صادراتنا الصناعية تلك تزداد عاما بعد عام.