ضمن فعاليات اليوم الثالث لملتقى خير أمة الثالث التقى الشيخ سلمان العودة للعام الثالث مع رواد المعرض في محاضرة ولقاء مفتوح استمر قربة الساعتين كان موضوعه (الأمن قيمة الحياة). في البداية أوضح الشيخ الدكتور سلمان العودة بأن الأمن حاجة فطرية في الإنسان تتعلق بحاجاته الإنسانية والاجتماعية والصحية ونقيض الأمن الخوف على النفس والعرض والولد، ولذا تكلم العلماء عن الضرورات الخمس في الشريعة، وأضاف العودة أن نقيض الأمن هو الخوف الذي قد يكون من السلطان أو من الناس والخوف من الناس أشد خطراً، ولذلك فإن المجتمعات التي فقدت الانضباط الأمني فيما بينها كما يحدث في الصومال والعراق وباكستان مثلاً يشيع الخوف فيها أكثر مما يشيع من صول السلطان. دعا إلى محاربة العنصرية والقبائلية والمناطقية لتهديدها الأمن الاجتماعي وأضاف العودة خلال استضافته ضمن فعاليات ملتقى خير أمة الثالث الذي ينظمه فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض في محاضرة بعنوان (الأمن - قيمة الحياة) أن الأمن والأمانة توأمان كلاهما مشتق من المادة نفسها. وتناول العودة خلال المحاضرة جوانب متعددة من أشكال الأمن، وقال إن الحياة هبة من الله ولكن كم من الناس من يحسن استقبال هذه الهبة، فهناك ارتفاع في معدلات الانتحار والعجيب أن يحدث ذلك في مجتمعات تزيد فيها الرفاهية، ورغم ذلك يضيق الناس بالحياة ويتمنون الموت رغم وجود من هم أكثر يأسا منهم ويتمنون الخلاص من الحياة لكن يمنعهم الخوف من الله، وأرجع العودة ذلك إلى أن من ينتحرون ليس لديهم هدف واضح للحياة لا هدف يشمل مجتمعهم وأمتهم ولا هدف يشمل أسرهم ومشاريعهم الخاصة. وقال العودة إن الحياة تكمن في المجهود الذي نبذله فيها وهي تفقد قيمتها عند كثير ممن يملكون كل شيئ بلا جهد، والقاعدة أنه كلما بذلنا جهداً في الحصول على الأشياء زادة قيمتها، وقيمة الحياة في الجهد الذي نبذله وفي، وقيمة الحياة للمؤمن في ركعتين في الخلوة خلالهما يشعر بأمانة بالله ولذا ذكر الله الأمن حتى في الاخرة. وحول العلاقة بين الأمن والإيمان قال العودة ان الأمن مطلب حياة كما هو مطلب إيمان لأن الإيمان جزء من الأمن قال تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) وتحية المسلمين اليومية هي السلام، كما قال صلى الله عليه وسلم ولكن للأسف فإن أكثر بقاع الأرض اشتعالاً في الحروب والدمار بلدان مسلمة ليس فقط يعتدى عليها من الآخرين بل يتقاتل ابناؤها فيما بينهم وكأنهم (يخربون بيوتهم بأيديهم). وحول أهمية الأمن في الحياة قال العودة: لفت نظري دعاء إبراهيم عليه السلام في القرآن (رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) وكنت أتساءل: هل يعني ذلك أن الأمن يسبق الإيمان والتوحيد؟ الإجابة بالتأكيد لا. إذا لماذا قدم إبراهيم الأمن على التوحيد؟ فعل ذلك لأن الأمن هو الأساس وبدونه لن يكون هناك دعوة ولا توحيد ولا عبادة قال تعالى (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فهذه منة من الله على قريش التي كانت تضع في الكعبة 360 صنما، ورغم ذلك امتن الله عليهم بالأمن لأن الأمن مطلب للناس جميعاً. وعندما دعا إبراهيم ربه (رب اجعل هذا بلدا آمنا، وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) جاء الرد الإلهي: "ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير" مما يؤكد أن الأمن مطلب للبشر مسلمهم وكافرهم وهو مطلب أشد لزوما للمسلمين إذ لا تنتشر دعوة المسلمين في أجواء الحروب والقتال. وعندما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية أسلم في سنة واحدة أضعاف من اسلموا في بعثته لأن الإنسان إذا امن هدأت نفسه واستعد قلبه، لكنه إذا خاف طاش عقله ووضع يده على الزناد. والإنسان فاقد الأمن فاقد العقل، سمعت أن احد قادة المليشيا في الصومال أرسل رسالة تهديد للرئيس الأمريكي اوباما يقول فيها: أسلم تسلم وإلا غزوناك في بلدك، يفعل هذا وأيديه ربما تقطر من دماء المسلمين. وأكد العودة أن الأمن ليس عدوانا على الأرواح البريئة ولا خنقاً لأنفاس الآخرين ولا تخويفاً ولا رفعاً لمستويات الخوف فبعض النظم للأسف تكتسب شرعيتها من زرع الخوف بإشعار الناس أنها تحميهم كما حدث في الحديث عن الطرود المفخخة والجمرة الخبيثة التي بالغ الإعلام في أثرها لتمرير سياسات أو لتخويف الناس من الإسلام والمسلمين. خلال زيارته لجناح الهيئة كما أكد العودة على أهمية السلطان في حماية الأمن وقال: كنت أتأمل قول عثمان بن عفان رضي الله عنه (إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن) وكنت أتساءل: هل يعني هذا أن اثر السلطان اكبر من اثر القرآن؟ والإجابة: كلا، وإنما القصد أن من الناس من لا يردعهم إيمانهم ولا وعظهم ولا تخويفهم من الله بل يردعهم الخوف من العقاب، ولذلك فإن معالجة الأمن مسألة تربوية ثم أمنية فمن لم يرتدع بالوعظ يرتدع بالعقاب. والسلطان ليس هو الحاكم فقط بل هو كل صاحب سلطة أبا كان أم مديراً. وتناول العودة بعد ذلك أنواع الأمن وقال ان الأمن أصبح مفهوما شاملا: فهناك امن نفسي واجتماعي ووظيفي، وهناك امن عالمي وأمن اقتصادي وأمن صحي وامن غذائي، وأشار إلى دور الاعمال الخيرية في تحقيق الأمن الاقتصادي وضرورة توفير الخدمات لتحقيق هذا النوع من الأمن. كما أن توفير فرص العمل يحقق الأمن الاقتصادي. أما الأمن الصحي فقد تضمنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ما انتشرت الفاحشة في قوم إلا ابتلاهم الله بأمراض لم تكن فيمن سبقهم). أما الأمن الغذائي فيحققه الحديث النبوي (إذا قامت الساعة وفي يد احدهم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)، وأشار العودة إلى تعدد أجهزة الأمن في ظل تعدد أنواع الأمن، وتساءل هل يعد جهاز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر جهازا امنياً أي مهمته ملاحقة الجرائم ومنعها أم هو أوسع من ذلك يقوم بأدوار تربوية وإعلامية وحمائية وأمنية؟ لا شك أن دور الهيئة يقع في مربع الصنف الثاني. وأبدى العودة أسفه على العلاقة بين الناس وبين الأجهزة الأمنية في معظم بلدان المسلمين. فالناس يتوجسون منها بعكس الحال في البدان الغربية، وقال العودة إن الأجهزة الأمنية وجدت لخدمة الناس وهي تحتاج للتواصل معهم لتذيب الجليد بين الطرفين. وحول الأمن الاجتماعي قال العودة انه يعني العلاقات النبيلة بين الناس كما ورد في الحديث (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد..)، ودعا العودة إلى محاربة العنصرية والقبائلية والمناطقية لأنها تهدد الأمن الاجتماعي، وقال إن الإحسان إلى الآخرين جزء من هذا الأمن، والمجتمع المتضامن مجتمع آمن، ووصف سورة الحجرات بأنها سورة الأمن الاجتماعي من أولها إلى آخرها، وأشار إلى قول المواردي: "إن صلاح الدين يقوم على أركان هي: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وخصب دائم". وأشار العودة إلى أهمية الوعي بالأمن ذلك ان الأمن عندما يكون معقودا بين الناس قد يصبح غير محسوس ولا يدركون أهميتة وقد يتساهلون فيه، والوعي الأمني أن ندرك أن الأمن قيمة ونعمة يجب أن نحافظ عليها وأنها يمكن أن تزول وتصعب إعادتها. وحول الأمن السياسي قال العودة إنه يقوم على السمع والطاعة بالمعروف كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن دون هذا المعنى لن يكون للمجتمعات وجود، صحيح أن كثيرا من مجتمعات المسلمين تعاني من الفصام بين السلطة والناس ولكن الخطر هو أن تنفلت الأمور تماماً. ومن سنة الله أن هذا المبدأ يسير في اتجاهين بين الحاكم والمحكوم؛ ففي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم..). وفي ختام المحاضرة استمع العودة الى اسئلة الحضور، فرداً على سؤالهم حول دور الصحافة في إقرار الأمن أو تكديره قال العودة: الإعلام مهم جداً فهو يدعم الأمن أو نقيضه ولا مفر من الانضباط الإعلامي، ولا يجب أن يكون الإعلام لتصفية الحساب مع فرد أو جهة بل لمصلحة العامة وسكينة وأمن المجتمع وهذا لا يتعارض مع حرية التعبير فلا احد يعترض على نقد شخص أو جهاز إذا كان النقد صحيحا واللغة راقية، لكن أن يجري مهاجمة إنسان أو مؤسسة في أمر لم يتأكد بعد. أو يتم تناول مسائل منظورة أمام القضاء فهذا ما لا يخدم امن المجتمع. ورداً على سؤال حول بعض الأعمال الإرهابية التي تقع في أوروبا ويتبناها مسلمون تحت لافتة الجهاد، قال العودة: هذا عبث باسم الجهاد، وتخويف للناس من الإسلام وجريمة، وهذه الأعمال تشجع الصهاينة والصليبين ضد المسلمين، ويجدون فيها ضالتهم وتسكت المدافعين عن الإسلام وتصد عن سبيل الدعوة لهذا الدين. وهؤلاء لا يسيئون إلى أنفسهم فقط بل إلى الإسلام والمسلمين، ودعا العودة أن يجتمع علماء المسلمين على كلمة سواء إزاء الأعمال التي تقتل الأبرياء باسم الإسلام.