كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إذا استغلق عليه أمر يقول «قضية ولا أبا حسن لها» أي أنه لا يستطيع الفصل فيها غير علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) المعروف بحكمته البالغة، وعلمه الواسع، ورأيه السديد، وفقهه للأمور، وأنا استعيرها من عمر، فأقول: (قضية ولا أبا فهد لها) مستميحاً أميرنا المحبوب (أبا فهد) سلمان بن عبدالعزيز العذر في إسقاطها عليه بعد أن طالت معاناتنا من صلاح النفيسي وقضيتنا معه في (شركة تمور وعقارات المملكة) التي أضحت تضاهي مشكلة الشرق الأوسط، هذه القضية التي ظلت سنين طويلة تراوح مكانها، وأكثر من سبعة آلاف مساهم يصطلون بنارها، ويحسبون الأيام شهوراً والشهور سنوناً، وكلما طلع يوم جديد تجددت آمالهم معه في حل قضيتهم، ولكن سرعان ما تتبخر تلك الآمال، وتتوالى الأيام، ويتوالى معها تلاشي أحلامهم، ومع هذا يظلون يحاولون إبعاد اليأس عن التسلل إلى نفوسهم مرددين مع الشاعر المتفائل: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ومن العجب أن هذه القضية تتولى نظرها المحكمة العامة بالرياض ممثلة في ثلاثة من قضاتها يجتمعون، ويدرسون، ويقررون، ثم يرسلون إلى محكمة التمييز، فتدرس ثم ترد، فيعاودون الدراسة والتقرير، ويرسلون إلى التمييز مرة أخرى، فتدرس ثم ترد، وهكذا تعيش تلك القضية سجالاً بين المحكمتين، ويضيع الوقت بين أخذ ورد، والمساهم المسكين ينتظر على أحر من الجمر ومن غير جدوى، وصاحب القضية قابع في سجنه، وكأنه لا يريد أن تحل تلك القضية مما يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب، لماذا مضت كل هذه السنوات دون أن تحل القضية؟! لماذا يسوغ للنفيسي البقاء في السجن؟! لماذا لا أحد يسمع صوت المساهمين؟! لماذا لا يقوم المسؤولون بالبحث عن الأسباب الحقيقية وراء تأخر هذه القضية؟! أين رئيس المجلس الأعلى للقضاء؟! أين وزير العدل؟! أين رئيس المحكمة العامة بالرياض؟! لماذا لا يتحركون وينهون هذه القضية؟! أسئلة كثيرة تجرها وراءها هذه القضية المثيرة للجدل، وإجاباتها يملكها هؤلاء المسؤولون، فلو تحركوا وألزموا النفيسي بالاستجابة لما يطلب منه، وألزموا حارسه القضائي الذي لا ندري ما وضعه بإنهاء الأمر، وطلبوا من القضاة ناظري القضية العمل بهمة لإنهائها لانتهت كما انتهى غيرها من القضايا المماثلة التي لا تقل تعقيداً عنها، وإذا كان التأخر يعود - كما نسمع - إلى أن بعض الأموال لم يتم تحصيلها بعد، وأن النفيسي غير متجاوب مع ما يطلب منه فالأمر محلول، إذ يمكن أن يباع ما حصل بالطريقة التي تراها المحكمة، ويلزم النفيسي بقبول الأمر الواقع، ويؤجل ما لم يتم تحصيله إلى وقت الحصول عليه، مع العلم بأن أصولاً ثابتاً وجيدة موجودة، وقابلة للبيع الآني، كمزارع النخيل في القصيم، ومصانع التمور في الرياضوالقصيم، وأرض مكة الكبيرة، وغير ذلك مما يعرفه المسؤولون عن القضية. وإذا كانت القضية لن تحل إلا بتدخل من ولاة الأمر - حفظهم الله - لم ولن يقصروا إذ هم دائماً مع صاحب الحق، فخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وسمو أمير منطقة الرياض حريصون على إعطاء كل ذي حق حقه، ويوصون المسؤولين دائماً بعدم التكاسل والتقاعس في قضايا المواطنين، والعمل على إنهائها في أسرع وقت، ولا سيما أن أكثر هؤلاء ساهموا بكل ما لديهم حتى بأثمان بيوتهم التي باعوها من أجل البحث عن لقمة عيش حلال، ومن اليتامى والأرامل الذين مستهم الحاجة، وأضر بهم ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، فصاروا في حالة لا يحسدون عليها، علماً بأنهم بالإضافة إلى ذلك كله قد تضرروا اقتصادياً فمبالغهم التي كانت في ذلك الوقت ذات قيمة عالية أصبحت في هذا الوقت ضعيفة القيمة، وخسروا الكثير، ولكن حصولهم على حقوقهم يجعلهم يدركون جزءاً مما كانوا يحلمون به، فيخفف شيئاً من معاناتهم، ولن يتحقق إنجاز هذه القضية، وإخراجها من الحلقة المفرغة التي تدور فيها إلا بتوجيه منك يا (أبا فهد) بحكمتك، وحزمك، وقوتك المعهودة في الحق، وإلا بهمتكم أنتم يا سماحة رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويا معالي وزير العدل، ويا فضيلة رئيس المحكمة العامة بالرياض، حين تمارسون مسؤولياتكم في إنصاف هؤلاء المساهمين المغلوبين على أمرهم، وأنتم يا أصحاب الفضيلة ناظري القضية حين تعطونها جل اهتمامكم، ووقتكم، وثاقب رأيكم. إنني أرجو أن تشعروا جميعكم بشعور كل مساهم بأن (السيل بلغ الزبى)، «وأن الحزام جاوز الطيبين» فتولوها ما تستحقه من اهتمام، وتعملون على إنهائها، وتجعلون الأكف التي ترفع كل ليلة دعاء على غير المبالين بحقوق المستحقين ترفع دعاء للساعين في تفريج كربات المكروبين، وقضاء حاجات المحتاجين. وقديماً قال الشاعر العربي: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها وقال الشاعر الشعبي: ضايق وضاقت بي فجوج الخلا الخالي والنار ما تحرق إلا رجل واطيها فهل بعد كل هذا من آذان مصغية، وقلوب رحيمة، تنجز هذه القضية، فتنهي معاناة المحتاجين، وتدخل السرور إلى نفوس المساهمين الذين أضناهم طول الانتظار، وأمضهم هم الخسارة؟ ولعل من الفأل المبارك، ومن الطالع الحسن أن أكتب عن هذه القضية غبّ استبشارنا بنجاح عملية مليكنا الغالي، وعودة أميرينا الجليلين سلطان وسلمان إلى أرض الوطن سالمين معافين، فالسعد في مقدمهما، والخير أرد لهما، والآمال منعقدة عليهما بعد الله في انفراج سريع لقضيتنا، وحسبي ما كتبت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.