دعا القاضي الدكتور عيسى الغيث إلى انتهاج الرد العكسي على قضية استهداف الإعلاميين بالاغتيالات والتفجيرات ضمن مخططات الإرهابيين في الخلايا التي تم القبض عليها مؤخراً، وذلك بوضع برامج إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة وعبر الإنترنت ورسائل الجوال والبريد الإلكتروني لمواجهة الفكر الضال بالحجة والبرهان وتفكيك بنائهم الفكري وبشكل دائم وممنهج . مؤكداً أن هذا الاستهداف إنما هو دليل على إدراك الإرهابيين لأهمية الدورالذي يلعبه الإعلاميون في المعركة ضد الإرهاب، والذي لا يقل أهمية عن دور الأمنيين، معتبراً أن حملات التعبئة التي سعت إلى تشويه سمعة الإعلاميين شاركت في تهيئة الأجواء لاستهدافهم، بهدف إخافة الكاتب ليسكت وإخافة الصحفي ليجبن . يهدفون إخافة الكاتب ليسكت والصحفي ليجبن.. والإعلاميون يقومون بواجبات شرعية في الاحتساب والنصيحة ويرى د. الغيث أن الإعلاميين اليوم يقومون بواجبات شرعية في الاحتساب والنصيحة ومكافحة الفساد، وهذه هي الحسبة الحقيقية، وليست تلك الغوغائيات والمشاغبات الميدانية والقضائية التي خرجت على أصول التشريع وأوامر الإمام . وأوضح أن الإرهابيين في البداية شرعوا في التفجير من باب إنكار المنكر بزعمهم وبدافع التغيير باليد وكل ذلك جاء بمبرر التكفير المبيح لتلك الأعمال، وحينما وقف ضدهم رجال الأمن بالمرصاد انتقلوا في مرحلتهم الثانية إلى الانتقام ممن يكافحهم بدلاً من مرحلتهم الأولى التي يزعمون أنهم يستهدفونها لله، ثم حينما دخل في المعركة ضد الإرهاب رجال الإعلام جعلوهم ضمن المستهدفين، وذلك لتحقيق هدفين أعلاهما تحقيق التفجيرات لمرافق الإعلام والاغتيالات لرجاله وحينما لا يتحقق هذا الهدف فلديهم هدف أدنى يتحقق ولو بدون عمليات ميدانية حين يهاب الإعلاميون لكونهم مستهدفون. وفي نفس الوقت دعا د. الغيث إلى محاسبة أنفسنا، فإذا لم نصارح أنفسنا وبلا مجاملات فلن تنته هذه الموجة الإرهابية بسهولة، ومن هذا المنطلق يحلل د. الغيث استهداف الإعلاميين وسببه، فحينما يكون هذا التحليل عبر بحوث علمية ودراسات ميدانية فبكل تأكيد سنجد أن قوة الإعلام المكافح للإرهاب هو السلاح القوي ضد تطرفهم العسكري المبني على التطرف الفكري، وحتى العمليات الأمنية الاستباقية تعظم نجاحاتها وتفت في عضد الإرهابيين حينما يتم تناولها إعلامياً بهذا الشكل الممنهج، لذا نجد الإرهابيين ينشطون في الإعلام الإلكتروني لمعرفتهم بأهميته وخطورته. الإعلام المكافح للإرهاب سلاح قوي ضد تطرفهم العسكري والفكري ويذكر د. الغيث عدة أسباب أخرى تدفع الإرهابيين لاستهداف الإعلاميين وذلك بالنظر لكل إرهابي وكيف نما في فكره هذا الهدف، ولماذا خططت قياداتهم لهذا الاستهداف، وسنجد أن من أهم الأسباب وجود الأرضية الفكرية في بعض المجتمع والتي هيئت لهذا الاستهداف، فمثلاً نجد أن هناك علماء ومفكرين ومثقفين وقفوا ضد الإرهاب ولكنهم لم يكونوا مستهدفين بشكل واضح وإن كانوا ضمن الخيارات، لكن الإعلاميين استهدفوا بشكل صريح، وهذا يعود لكثرة تسميم سمعتهم داخلياً من بعض الأشخاص وتشويه حقيقتهم والطعن في إيمانهم، فتجد من يسميهم جنود الشيطان ويصفهم بالمنافقين والتجييش ضد أصحاب الفضائيات وكتاب الصحف وعموم الإعلاميين، فهناك فئة لا تمل من تشويه سمعة الإعلام والإعلاميين وأنهم منافقون وتغريبيون وعملاء وهكذا في أوصاف دائمة ومتسلسلة لا تنتهي، مما جعل الشباب المتحمس المهيج والمجيش يكون لقمة سائغة في يد الإرهاب الداخلي والخارجي، ولذا فكل جريمة لا تأتي فجأة وإنما لها نواة بني عليها تراكمات فكرية نظرية ثم تحولت إلى ميدانية تطبيقية. وكمثال على هذا الأمر يذكر د. الغيث – من تجربة شخصية أنه حينما دافع عن الإعلاميين في بعض البرامج التي شارك فيها سواء مرئية أو مقروءة وجد بعض الناس يهاجمه لقاء مدحه ودفاعه عنهم، وحينما تأمل سبب هذه الأفكار وجدها نتيجة تعبئة فكرية مكثفة عبر الكثير من المتحدثين والكتبة حتى بدا للسامع لهم أن هؤلاء الإعلاميين ما هم إلا أعداء ومنافقون كما هو التعبير الدارج لديهم، وحينما تأمل دافع هذه الحملة وجدها بسبب أن بعض الإعلاميين والكتبة لا يوافقون هؤلاء المحرضين في آرائهم، ومعنى هذا أن من ليس معهم في آرائهم فهو منافق وعدو للإسلام والمسلمين، ولنأخذ مثلاً فتاوى التكفير وبيانات التضليل التي امتلأت بها مواقع الإنترنت وهي صادرة من الداخل فرادى وجماعات، وعليه فمن الطبيعي أن يخرج لنا نتيجة تلك التعبئة الفكرية شباب يسعون لاغتيال من أطلق عليهم "جنود الشيطان ومنافقون وتغريبيون وعملاء". وهذا هو الثالوث - حسب قوله - حيث يبدأ بالتنظير ثم التكفير ثم التفجير سواء بعملية اغتيال أو بعملية انتحارية، وما جريمة محاولة اغتيال الأمير المجاهد المرابط محمد بن نايف إلا دليل على هذا، ونحن حينما نصارح بهذا الكلام فيقول المريبون بأنه استعداء وكاد المريب أن يقول خذوني. والواقع أننا نكافح مخرجات خطوط الإنتاج الفكري بإحباط عملياته وتوقيف كوادره البشرية وموارده المالية ولكن يبقى المصنع الذي ينتج لنا التنظيرات، في حين أن صاحب المعمل الفكري المتطرف قابع في بيته وبين زوجاته وأولاده، ومثلهم ((كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين))، ولذا فمهما قلمنا من أظافرهم وخلعنا من أنيابهم فلا تزال القلوب التنظيرية تضخ الدماء لتنمية المزيد من الأنياب والمخالب. ويذكر د. الغيث في العام الماضي حينما قامت تلك الحملة الهوجاء ضد كاوست وبعدها بأيام خرج الربيش كمتحدث عن القاعدة يهدد بتفجير الجامعة لأنه وجد الأرضية الخصبة حيث جاء وكأنه المخلص، مما جعلنا نرصد الكثير من الترحيبات لهذا التهديد، وفرق بين حق حرية التعبير عن الرأي تجاه أي أمر ومدى حقها من باطلها وبين إعلانه وتهييج الناس نحوه وتجييش المريدين ضده مع أنه لن يحقق الهدف، وهكذا الكثير من الأمثلة يرغي ويزبد هؤلاء وتنتهي المرحلة ولم يتغير شيء، بل خسروا أنفسهم، واستفزوا غيرهم، وحرضوا السفهاء بلا مبرر ولا فائدة، بل بنتائج سيئة نعيش اليوم في أتونها. كما أن هذا الواقع – بنظر د. الغيث - يعني بأن هناك مشكلة في جهة الإرشاد الفكري للشباب، فطرف يهيج، وطرف يسكت، وندر من يرشد بحكمة، ولذلك خرجنا بهذه النتائج. مضيفاً "حسبي أنني حينما أقول هذا الكلام فلدي خبرة متراكمة تزيد عن ربع قرن، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نسكت عن بيان الحقيقة مهما كلفنا الثمن، لذا يجب أن نجفف المنابع الحقيقية ونستأصل الأرضيات الخصبة لئلا تستزرع المزيد من الكوادر الإرهابية، ويكفي أن التنظير بالفتوى والرأي المكتوب والمنطوق هو الذي يجلب الموارد المالية والكوادر البشرية، ولا تجد أي ريال دفع أو شاب جند إلا بتأصيل فكري منحرف وراءه، رجال ضالون مضللون، وأصبحت الغربة لمن يتشجعون ويقولون الحقيقة لأنهم اختاروا سلامة المنهج لا منهج السلامة، ولذا وجدنا علماءنا الحكماء في مقدمة المكافحين لهذا الفكر المتطرف، وعلى رأسهم اليوم سماحة شيخنا الوالد عبدالعزيز آل الشيخ المفتي العام والذي رأيناه في مكة أثناء الحج يقول عن الإعلاميين بأنهم إخوتنا وأبناؤنا ولم يقل بأنهم جنود الشيطان أو منافقين، ولذا وجدنا التجاوب الإيجابي من قبل إخوتنا الإعلاميين تجاه كلام سماحته وكذلك كلام الكثير من أعضاء هيئة كبار العلماء كفضيلة الشيخ عبدالله بن منيع وغيره من مشايخنا الأجلاء" . وأثنى د. الغيث على الواجبات الشرعية التي يقوم بها الاعلاميون اليوم والتي تمثل الحسبة الحقيقية، المناقضة لتلك المشاغبات الميدانية والقضائية التي خرجت على أصول التشريع وأوامر الإمام وحرضت الناس على الأنظمة ومنها على سبيل المثال يذكر ما يكرره الكثير من هؤلاء بالمطالبة بأن تكون محاكمة الإعلاميين لدى المحاكم وليست لدى اللجنة المختصة في وزارة الثقافة والإعلام، وكأن الإعلاميين أعداء لا إخوة في الدين والوطن، مع أن اللجنة هي مرحلة أولى وبعدها تنتقل القضية إلى القضاء الإداري لدى ديوان المظالم، ومع أن هذا الأمر مؤصل شرعياً وقانونياً إلا أن له أيضاً نظائر واقعية فهيئة الأمر بالمعروف مثلاً لا تحيل كل وقوعاتها إلى القضاء ومع ذلك لم يشكك فيها، وكذلك الكثير من التظلمات تمر على لجان وجهات تفرزها وتسعى في الصلح لها وتقرر ما تراه تجاهها ومرجع الجميع القضاء الشرعي. ويختم د. الغيث مؤكداً أن تلك التعبئة ضد الإعلاميين في تشويه سمعتهم من جهة والسعي في الترهيب بمحاكمتهم من جهة شارك في تهيئة الأجواء لمن يسعى في استهدافهم، فهؤلاء الذين يزايدون على دين البلاد والعباد ويشككون في إيمان غيرهم وكأنهم يوزعون صكوك الجنة والنار فهم الذين يفرخون لنا الإرهاب وهم الذين يصنعون لنا نواة التطرف القولي والفعلي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.