حين نستعرض ما يحدث بدبي من أزمة عقارية من حيث قيمة البيع والتأجير فإن أسعار اليوم تقول أن هناك انخفاضا يقارب 60%، وكنت برحلة العودة من دبي قبل أشهر قليلة، وصادف وجود رجل أعمال سعودي « كبير» ودار النقاش عن العقار بدبي، يقول هذا الرجل أنه فقد حتى الآن ما يقارب 60% من قيمة العقارات التي يملكها وأن كارثة حقيقة أن استمرت والمؤشرات تقول أنها مستمرة ولم تصل لذروتها، وطبعا الأسباب أصبحت معروفة من الجميع من أزمة مالية وتقليص العاملين في دبي واستحقاقات متتالية ومشاريع تنتهي متتابعة بدون قوة شراء موازية وقروض سابقة كانت القاصمة لدبي، ولست هنا بصدد استعراض مشاكل دبي العقارية أو المالية أو الوظيفية أو غيرها، ولكن هناك تقارير تقول إن توقعات استمرار انخفاض العقار بدبي ما زال مرشحا للاستمرار رغم أنه يلامس الآن 60% وشهدت بنفسي ذلك في دبي وأكده الكثير، التوقعات تقول إن الانخفاض مرشح أن يرتفع إلى 11% خلال المرحلة القادمة والسبب إنتهاء كثير من المشاريع التي كانت أقرت من سنوات سابقة وهناك اضطرار لإنهاء هذه المشاريع واستمرت ووفرت عروضا سكنية وتجارية كبيرة، وهذا ما زاد من قوة العرض في السوق، وهذا ما قضى على أي أمل في التعافي لعقارات دبي، وهي في الأساس تعتبر مرتفعة جدا ولا تقارن بأي دولة خليجية ولا يوجد مبرر لذلك، إلا أنها مضاربات وتمويل مصارف أجج قوة الشراء بهدف البيع بأرباح والأساس أنه لا يوجد طلب يوازي العرض وكانت الأزمة المالية ما قضت على كل أمل. الآن، المملكة لا تعاني من هذه الأزمة العقارية، بل الأسعار ترتفع لدينا، ويكرر كثير من المسؤولين أنها تعبر عن قوة الاقتصاد السعودي وأنه لم يتعرض لأزمة كما حدث في الدول الأخرى، وهذا صحيح، لكن رب ضارة نافعة، فالتماسك السعري والارتفاع المستمر لدينا، لا يبرره إلا شح المعروض سواء من الأراضي أو الوحدات السكنية، شح الأراضي بسبب قوة الملاك العقاريين الذين هم من يمسك بهذه الأراضي وهم غير ممولين من البنوك، وهذا يعني أن الأرض ليس لها تكلفة إلا الهواء والشمس وهذه تكلفة تساوي صفرا، وأيضا قوة الملاك الذي يملكون أراضي بالكيلوات تحتاج وقتا لكي تقطع مسافة أراضيهم ومنذ سنوات، وهذا قلص المعروض رغم وفرة الأراضي، أيضا البلديات لم توجد البديل وأن وجد فهذا يعني أن تكون خارج المدن، وهذا مكلف، حيث تحتاج توفير الخدمات كاملة، وهذا سيحتاج اعتمادات مالية كبرى، إذا المواطن محصور ولا سبيل له بين تاجر محتكر الأراضي ويبيع بأسعار مرتفعة جدا، وبلديات لا توفر الأراضي إلا خارج المدن، فأين يذهب المواطن مع هذا الشح من المعروض؟ أعتقد دور الدولة هنا مهم، أولها توفير الأراضي خاصة في المدن الصغيرة والمتوسطة ورفع القرض إلى 500 ألف مع توفير فرص عمل فلا يكفي أرض وقرض بدون فرص عمل وتعليم وطب، أيضا فرض رسوم على الأراضي، تقليص مساحات الأراضي للمخططات بأن تبدأ من 200 متر وليس 400 أو 500 متر، أن تقوم معاشات التقاعد والتأمينات وصندوق الاستثمارات العامة بإنشاء أحياء بل مدن جديدة للمواطنين وفق تمويل طويل الأجل، الحلول كثيرة، أولها توفير المعروض للقضاء على محتكري الأراضي وأسعار العقارات التي عانقت عنان السماء لإثراء فئة محدودة على حساب الأكثرية.