مع دخول الانتخابات التي تعيشها الأردن مرحلة الترشح الرسمي فإن ذلك يعني بدء العد التنازلي لموعد الاستحقاق الوطني بإجراء الانتخابات في التاسع من الشهر المقبل، وفي خضم هذا الحراك السياسي التقت «الرياض» دولة الرئيس «فيصل بن عاكف الفايز» رئيس الوزراء الأسبق لتطرح على دولته العديد من المحاور الإقليمية والعربية والدولية. - دولة الرئيس كيف ترون توجه المملكة العربية السعودية للتسلح من الولاياتالمتحدةالأمريكية وعبر تلك الصفقة غير المسبوقة للمملكة ومنذ تأسيسها والتي بلغت 60 مليار دولار؟ * اختلف المشهد الإقليمي في السنوات الماضية، فالعقد الأخير كان حافلا بمجموعة من التحديات الجديدة، الخليج العربي شهد حربا كبرى أسفرت عن وجود اضطراب كبير في المنطقة حيث أخذ الوضع العراقي يرزح تحت مجموعة من العوامل المعقدة والصعبة، كما أن منطقة الخليج العربي بدأت تشهد نزوعا للتسلح النووي والإخلال بمعادلة الردع القائمة منذ أكثر من نصف قرن، المعادلة التي بقيت تتأرجح في أكثر من مفصل، اليوم تقف السعودية ومن ورائها العديد من الدول العربية التي يشكل أمن السعودية والخليج لديها موقفا مبدئيا وأولوية مطلقة في مواجهة هذا الوضع ، وشخصيا طالما قدرت النهج الانفتاحي المسؤول لخادم الحرمين الشريفين في مسألة أمن الخليج ومستقبله، والسعودية يجب أن تعمل بصورة مكثفة في المجال السياسي والاستراتيجي على السواء، وهو ما تترجمه الصفقة الأخيرة الأكبر في تاريخ المملكة، وإذا أضفنا لذلك مسؤولية السعودية الكبيرة والمؤثرة كقوة عربية يتطلع لها الشارع العربي على الدوام في العديد من الظروف التي تتطلب تدخل الدول القيادية على مستوى الأمة العربية. هذه رؤيتي فيما يتعلق بمسألة ضرورة تعزيز الطاقات العسكرية السعودية في هذه المرحلة، أما بالنسبة للتوجه إلى واشنطن في مسألة الحصول على الأسلحة فذلك لأسباب تقنية في المرتبة الأولى، بطبيعة الحال العوامل السياسية في صفقات كبرى لا يمكن أن تغيب أو أن تتوارى، ولكن التجربة التقنية علمت الدول العربية مدى إمكانية الاعتماد على الأسلحة الأمريكية خاصة بعد التجربة المريرة التي ترتبت على الاعتماد على مصادر أخرى للحصول على السلاح في السبعينيات والثمانينيات لبعض دول المنطقة، فليست المسألة هي مجرد الحصول على الأسلحة المتطورة، ولكن أيضا توفير القدرة على التعامل مع هذه الأسلحة في المدى الطويل، وهو ما يتوفر لدى الجيش السعودي والعديد من الجيوش العربية. الحالة اللبنانية بحاجة إلى تسوية مرضية للجميع تتم بأسلوب الدفعة الواحدة وليس بالتجزئة - دولة الرئيس كيف ترون التهديد الإيراني لدول المنطقة خاصة بعد أن تمكنت من مشروعها النووي؟ * الفكر السياسي الإيراني يخضع للعديد من التيارات المتباينة وهنا مكمن التهديد الحقيقي، الثوابت الإيرانية ليست مستقرة، وهو ما يجعل التعامل مع طهران صعبا وبحاجة إلى مراجعة دائمة، النظام السياسي الإيراني يحمل في داخله بذور تشتت القرار ويمكن أن تختلط الأوراق في أي لحظة نظرا لوجود العديد من القوى التي تتداخل في صناعة القرار الاستراتيجي والعسكري، فالمرجعية التي يمثلها الإمام علي خامنئي تحاول أن تحتفظ بمسافة مناسبة بين العديد من الجهات مثل مؤسسة الرئاسة ومجلس صيانة الدستور وقادة الجيش، وبالتالي الوضع يصبح مقلقا خاصة بعد الانتخابات الإيرانية الأخيرة التي عمقت هذه الوضعية، والبرنامج النووي الإيراني الذي أصبح في حكم المؤكد أنه تجاوز بمراحل الغايات السلمية يعقد المسألة، وبذلك تقف الجهود العربية لوضع إيران في موقعها الصحيح كدولة جوار أمام معضلة التعامل مع الإشارات الإيرانية المتضاربة أحيانا، فمن ناحية لا يمكن التخفيف أو التلطيف من أهمية أي إشارة إيرانية خاصة أن بعضها بدأ يلوح بنزعة توسعية في المنطقة، ومن ناحية أخرى فإن التشدد والمبالغة في الإمكانيات الإيرانية يربك الموقف العربي ككل، لنتفق أن التهديد قائم، إن لم يكن صريحا، فهو محتمل، ولكن ما الوضع في إيران من الداخل، يمكن أن نطلع على العديد من الدراسات الإستراتيجية التي قرأت في الأوراق الإيرانية وبينت صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بالسلب على الاستقرار الإيراني، ولكن إلى أين يمكن أن تمضي هذه الظروف بالمنطقة، لا أحد يمكنه أن يخمن ذلك أو يتوقعه. الأشقاء في المملكة العربية السعودية منحوا الإيرانيين أكثر من فرصة تاريخية لمراجعة رؤيتهم لمستقبل المنطقة، وما أراه أن القيادة الإيرانية تفوت الفرصة وراء الفرصة وتدفع الجميع لاختيارات صعبة، وأرى أن السياسة السعودية الناضجة والمسؤولة والمستقرة هي الصمام الحقيقي لأمن الخليج في ظل هذه التهديدات، وفي الأردن نتفق حول هذه القضية، ونثق في قدرة الرياض على إدارة التهديد الإيراني في الحدود التي يمكن اعتبارها طبيعية ومنطقية، ولكن لو تدهورت الأمور وأخذت الجهات المتطرفة سواء قوميا أو مذهبيا في إيران فرصتها في فرض رؤيتها فإن التحرك وراء السعودية ودول مجلس التعاون من قبل الدول القريبة من الخليج والمتشابكة معه اجتماعيا مثل الأردن واليمن بالمرتبة الأولى، والعمق المصري والمغاربي سيقف بكليته وراء الأشقاء ليس كخيار أو وجهة نظر، وإنما كمسألة مبدئية وقومية لا تقبل أنصاف الحلول، فالخطر الإيراني لو تحرك في ظل قيادة غير منضبطة سيمثل انتحارا حضاريا في المنطقة برمتها. - المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة إلى أين يمكن أن تصل، وهل تلك الدراما وكما يعتقد الكثير من المراقبين لن تقدم سوى مزيد من الاستيطان والتوسع على حساب أرضنا العربية؟ * الاستيطان ليس مشكلة بحد ذاته، مستوطنات غزة كما نذكر فككت في أيام قليلة، ولكن غياب القرار الإسرائيلي هو ما يعرقل مسيرة التقدم في السلام، لا أحد في إسرائيل يستطيع أن يكون شريكا في عملية سلام حقيقية، لا نتنياهو ولا غيره في هذه المرحلة يمكن أن يغامر بمستقبله السياسي في ظل بيئة مضطربة ومليئة بالصفقات كالتي تحكم إسرائيل حاليا، ليس أمامنا سوى مواصلة الضغط، يخطئ من يعتقد أن التوقف عن المضي في عملية السلام حاليا هو الحل الصحيح، ذلك سيعطي فرصة ذهبية للإسرائيليين للتملص من أي التزامات ويعطيهم مهلة كبيرة لممارسة هوايتهم في العودة إلى المربع الأول، وإعفائهم فوق ذلك من تبعات كثيرة، وعليه فإن واجبنا كدول عربية هو تقديم الدعم للقرار الفلسطيني وتعزيز الجهود التي تبذل لرأب الصدع بين مختلف القوى الفلسطينية، ومواصلة الضغط ولكن بمنهجية مغايرة، ويجب أن نعي لأهمية الأشهر المقبلة، فالرئيس باراك أوباما يدخل في النصف الثاني من فترته الرئاسية، وبالتالي ستأخذ مواقفه شيئا فشيئا لتصب في الكفة الإسرائيلية لاعتبارات انتخابية، وهو ما يعول عليه الإسرائيليون في المماطلة ووضع عصا الاستيطان في دواليب التفاوض، الآن هي لعبة سياسية بامتياز، وليس الانصياع للضغوطات الإعلامية التي تجلد ظهر المفاوض الفلسطيني هو الموقف المناسب على الإطلاق، ولكن ما أتطلع له كسياسي أن تجمع الأوراق العربية في سلة واحدة، وأن توضع في يد واحدة، بذلك يمكن استثمار هذه الفرصة، وإلا علينا أن ننتظر لمرحلة ما بعد 2012، والمشكلة أن نواجه إدارة جديدة وندخل في حسابات أخرى. فيصل بن عاكف الفايز إلى أين يمكن أن تصل المفاوضات هو سؤال يمكن أن تجيبه القيادة الفلسطينية، ما الذي يريدونه حاليا، وهل هم مستعدون أصلا لأخذه والتعامل معه، وما الذي يمكن أن يؤجل وأن يترك لتفاعلات السياسة والتاريخ والديموغرافيا، يمكن أن نطرح وجهات نظر متعددة، ولكن على أساس الحفاظ على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم العربي ككل، في الأردن، ومن متابعتي للسياسة السعودية، أجزم أننا لا نتعامل مع القضية الفلسطينية على أساس حسابات الأرباح والخسائر، وإنما يحكم القرار السياسي لدينا مجموعة من الاعتبارات الوطنية والأخلاقية والمسؤوليات التاريخية الكبرى التي لا مناص من تقديمها على غيرها، إنها ليست دراما كما ذكرتم، إنها تراجيديا مكتملة أمام أي قيادة مسؤولة أمام شعبها وتاريخها وضميرها، لا ننسى في الأردن والسعودية معا العمق الديني والعاطفي لكل من القيادتين في عمان والرياض، وهو اعتبار آخر يزيد من حساسية أي تحرك أو مبادرة، القدس بالنسبة للسعوديين والأردنيين هو موضوع أساسي ومحوري، بينما يمكن أن ينظر لها في إطار رؤى أخرى كجزء من صفقة كبيرة، ولذلك فإن التعامل مع خيارات الصراع القائم هي مسألة ليست منتهية أو محدودة. لا أحد في إسرائيل يستطيع أن يكون شريكاً في عملية سلام وليس أمامنا سوى مواصلة الضغوط - بعد الانسحاب الأمريكي من العراق كيف تبدو الصورة من وجهة نظركم خاصة بعد أن تم تقسيم العراق لشمال ووسط وجنوب وتسليم الراية لإيران؟ * العراق لم يقسم ولن يستسلم المجتمع العربي لفكرة تقسيم العراق، فالعراق بلد عربي كبير وعزيز، صحيح أن الكثير من القوى تسعى لذلك، ويمكن أن تكون هناك مناطق نفوذ على أرض العراق، ولكن ذلك كله مؤقت، هي ثقة قائمة على التاريخ وقراءته المتأنية، العراق لم ينقسم على ذاته في أحلك الظروف التاريخية، لا في عصور الفتنة ولا بعد الاجتياح المغولي، من يعتقدون بأن العراق يمكن أن يستسلم طويلا لفكرة تحوله لمجرد حديقة خلفية لطموحات دول الجوار التوسعية، لا يفقهون شيئا في التاريخ أو تحركهم أضغاث أحلامهم المشبوهة، ولا يعرفون الشعب العراقي، نحن نعرفه أكثر، تحدرنا وأشقاؤنا في شتى أنحاء العراق من بطون قبائل عربية عريقة وقفت منذ فجر الإسلام تدافع عن كينونة هذه الأمة وبقائها، العراق مثل الأمة العربية، يمكن أن يمرض طويلا وأن يغيب كثيرا، ولكنه لا يموت، أتذكر مع العراق الصحابي الجليل البراء بن مالك -رضي الله عنه- الذي بانت عظام يديه وهو يعالج سلاسل الفرس ولكنه ضمد جراحه والتحق من جديد بصفوف مقاتلي الفتح الإسلامي، لا يمكن لجميع مراكز البحث أن تستوعب ذلك. - كيف ترون العلاقات السعودية - الأردنية؟ * العلاقة بين السعودية والأردن وصلت في السنوات الأخيرة إلى أفضل حالاتها، نحن لا نتحدث عن السعودية والأردن عادة، وكذلك الجميع تقريبا في المنطقة أو المتابعين في أي مكان، إلا في صورة الالتزام بمنهج واحد قائم على رؤى وطنية وقومية ثابتة ومشتركة وضمن علاقة تلازم أخوية تعبر عن حالة قريبة من المثالية فيما يجب أن تكون عليه العلاقات البينية العربية، وهي الطبيعة الحقيقية في العلاقات بين الأردن والسعودية تاريخيا التي توجها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وشقيقه الملك عبدالله الثاني بلغة مشتركة قائمة على العديد من الأسس المهمة، وهي الحرص والمسؤولية تجاه العمل العربي المشترك والمصالح العربية الكبرى، الرؤية الإصلاحية والرغبة في تحديث المجتمع العربي وتمكينه من أدوات العصر، الوعي بخريطة التحالفات الإقليمية والعالمية وضرورة وجود نواة قوية لتكوين جبهة عربية واحدة، لا أحب الحديث بلغة المحاور، ولكن وإن سلمنا جدلا بهذا المصطلح السياسي الحديث فإنني أعتقد أن المحور السعودي الأردني هو الأكثر ثباتاً واستقراراً، وهو الذي يمكن التعويل عليه في كثير من القضايا التي تعني الأمة العربية ككل. ولعلني أتذكر في تجربة بالغة الأثر لدي مدى عمق الروابط التي تجمع بين البلدين الشقيقين تلك الزيارة الكريمة التي توجه فيها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان وقتها وليا للعهد لشقيقه الراحل الكبير الحسين في الولاياتالمتحدة أثناء فترة العلاج، هذه الزيارة التي أتت في لحظة تاريخية صعبة بقيت منطبعة بكل تفاصيلها في ذاكرتي، حيث وجدنا من الملك عبد الله موقفا اخوياً كبيرا وعميقا في بعده الإنساني والقومي مليئاً بالمشاعر الأخوية وهو يؤكد على دعم الأشقاء السعوديين المطلق للأردن في هذه اللحظات العصيبة ووضعه للعديد من الإمكانيات المادية لدعم وإسناد الأردن، وحثه لشقيقه الحسين ألا يتردد في الاعتماد على أشقائه في السعودية من منطلق علاقة الأخوة الوطيدة التي تربط القيادتين والشعبين، هذا الموقف العظيم كان له دور بالغ الأهمية في رفع معنويات جلالة الحسين ومعنويات جميع مرافقيه، ولعلنا في الأردن وبعد رحيل الحسين بقينا نعتبر هذا الموقف بمثابة الرصيد السياسي والقومي من أحد الرجال الاستثنائيين في المشهد العربي ككل، وهذه المواقف النبيلة تواصلت وتوالت بعد أن تولى جلالة الملك عبد الله الثاني مهامه الدستورية ليكمل ما بدأه الحسين الباني، وكان للأشقاء في السعودية وعلى رأسهم الملك الراحل فهد بن عبد العزيز وولي عهده الملك عبد الله الذي اضطلع بالعديد من المسؤوليات الجسيمة في تلك الفترة دور كبير في تقديم الدعم للأردن والدخول في مرحلة متقدمة من العلاقات بين البلدين في ضوء مستجدات عالمية وإقليمية عديدة، أتت لتعزز القاعدة الأساسية الحاكمة للعلاقات بين البلدين التي تقوم على وعي وتقدير أردني للدور الذي تقوم به السعودية كشقيقة كبرى عملت دائما على الوقوف بجانب الأردن في ظروف صعبة عديدة، لطبيعة موقع الأردن في دول المواجهة ثم الطوق العربي والتحديات التي ترتبت على ذلك، وأيضا لطبيعة العلاقات المشتركة المتميزة التي لا يمكن توصيفها وإنما التعايش معها في المشاعر التي تربطنا مع الأشقاء في السعودية، وأعتقد أن السعوديين يشعرون تجاه الأردنيين بأنهم شريك حقيقي يمكن أن يرفد المملكة برأسماله البشري في عملية التنمية التي ترعاها قيادتهم السياسية، وأننا في الأردن نشكل عمقا استراتيجيا للسعودية كالذي تشكله السعودية بالنسبة لنا على الدوام. - هناك من يطرح وبشدة اسم دولتكم لتولي رئاسة الحكومة القادمة لا سيما أن دولتكم يبقى مهندس العلاقات الأردنية العربية من جهة ومن جهة تبقى دولتكم الأكثر قربا وتفاعلا مع القضية الفلسطينية؟ * على إيماني بأهمية العلاقات العربية للأردن وأولويتها الدائمة، وبقدر ما أعتز بالتزامي الدائم بالقضية الفلسطينية، إلا أن اعتباري كمهندس للعلاقات الأردنية العربية أو شخصية مقربة ومتفاعلة مع القضية الفلسطينية أكثر من غيري يحمل بعضا من المبالغة، فالحقيقة أنني كنت أحاول الالتزام دائما برؤى جلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه وتوجهاته، وطالما عملت على ترجمتها من خلال أي موقع سياسي أو تنفيذي كلفت به في مسيرتي، ولا أخفيكم سرا أنني حصلت على فرصة متميزة وفارقة في حياتي لقربي من الملك عبد الله الثاني وقبله المغفور له بإذن الله الملك الحسين، وتعلمت كثيرا من هذه المدرسة الكبيرة والثرية، فتمثلت مبادئها في جميع قراراتي وجعلتها بوصلة لأدائي في أي موقع، سواء أثناء عملي الدبلوماسي أو في الديوان الملكي رئيسا للتشريفات ووزيرا للبلاط ورئيسا للديوان، وكذلك رئاستي للحكومة، أجتهد قدر استطاعتي ولكن ثقتي دائما في الخطوط العريضة التي أسسها الحسين وأكدها عبد الله الثاني، أما مسألة أن أعود رئيسا للحكومة فهي لا تشغلني لأنني أعتبر أن أي موقع أشغله هو فرصة لي لأؤدي رسالتي تجاه وطني وأمتي ومليكي، خاصة أنني ترشحت مؤخرا لعضوية مجلس النواب وأرى أن ذلك يتيح لي فرصة أكبر للاقتراب من العمل في إطار رؤية جلالته حفظه الله لمرحلة جديدة من تاريخ الأردن ومسيرة الإصلاح فيه، وإن حدث ورشحت لأي منصب من قبل جلالة الملك فإنني أعتبر ذلك واجبا، هذه ثقافتي فليس لي أن أعتبر أداء الواجب مسألة قرار شخصي، وإنما تكليف علي أن أتقبله وأن أتفانى في أدائي لأنجزه على الوجه الأكمل، ولكنني أرى أن أي طرح في هذه المرحلة بخصوص رئاسة الحكومة ليس سوى تكهنات سياسية طالما ربأت بنفسي عنها، فهذا حق دستوري لجلالة الملك في النهاية وإن حدث ورأى الملك أن يحملني في هذه المسؤولية فإن ذلك سيتم بصورة مباشرة وبمنتهى الشفافية وضمن آلية واضحة. - التوتر والتصعيد المستمر في لبنان خاصة في المرحلة الأخيرة والتي أنتجت تقاربا لبنانيا سوريا وفي الوقت ذاته شهد المشهد السياسي اللبناني تصعيدا مع حزب الله والذي ربما يتم جره هذه المرة للمحكمة الدولية؟ * الحالة اللبنانية بحاجة إلى تسوية مرضية للجميع تتم بأسلوب الدفعة الواحدة وليس بالتجزئة لأن تعقيدات الداخل اللبناني من الكثرة والتنوع التي تجعل العمل السياسي على الوصول إلى حل جذري ودائم من خلال تحركات متعددة الجولات مجرد دوران في حلقة مفرغة، وأعتقد أن السعوديين والسوريين وهي الدول العربية الأكثر اقترابا مما يحدث في لبنان لديها الاستعداد حاليا لأن تمضي في رعاية تسوية طويلة المدى كالتي حدثت في الطائف وأنهت سنوات طويلة من الاقتتال الأهلي في لبنان، والسعودية تحديدا تمتلك الخبرة والمصداقية اللازمة للتعامل مع هذه القضية، وعلى الجميع أن يتعاون لإنجاز ذلك، أما بالنسبة لقضية حزب الله فهي مسألة أخرى، فليست تتعلق فقط بالوضع اللبناني ، وإنما تحمل امتدادات إقليمية زادت أهميتها بعد حرب تموز 2006، إيران من جهة وإسرائيل في جهة أخرى، ولكل حساباته التي تلقي بظلالها على الداخل اللبناني، وذلك يتطلب من الأشقاء في السعودية وسوريا المزيد من العمل لسحب الوضع اللبناني لبر الأمان وبث الاستقرار بعد سنوات من التوتر تلت الجريمة الغامضة لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. - اتهمت قطر جهة أردنية رسمية في التشويش على نقل الجزيرة للمباريات العالمية التي جرى احتكارها من قبلها وان التشويش بين انه جاء من منطقة السلط الأردنية كيف يعلق دولتكم على ذلك؟ - حقيقة ومن خلال متابعتي الشخصية لم الاحظ ان دولة قطر اتهمت الأردن، حتى الصحافة القطرية لم تتدخل في القضية بصورة تعقد مسألة هي في النهاية فنية بالدرجة الأولى، والصحافة الأردنية عالجت الاتهامات الآتية من قناة الجزيرة بكثير من الموضوعية والتوازن، وكذلك أتى الموقف الحكومي الأردني، وصراحة طالما تضايقت شخصيا من محاولة اختزال دولة عربية شقيقة مثل قطر في مجرد قناة فضائية، وعتبت في أكثر من مناسبة على ذلك الخلط العفوي أو المتعمد من قبل البعض بين الحكومة القطرية وإدارة الجزيرة، قطر دولة ضاربة في التاريخ وقناة الجزيرة مجرد منبر إعلامي يرتبط ببضع سنوات وعلى كل تأثيره يبقى مجرد أداة، أرى أن الوضع الذي بدأ متوترا مع تصعيد الجزيرة أخذ يهدأ مع معالجة متأنية في الدوحة وعمان فضلت أن تضع الأمور في حجمها الحقيقي كمسألة فنية سيتم التحقيق فيها من خلال أطراف محايدة، ويمكن أن يتم تحديد المسؤوليات بكل دقة وتحديد الجهات التي تقف فعلا وراء ذلك التشويش والتي بالتأكيد ليس من ضمنها الأردن، لا على مستوى أي جهة رسمية أو شعبية، خاصة أننا في الاردن نقف وراء دولة قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى على أرض عربية في 2022، وبالتالي فالأردن الذي أعلن موقفه الرسمي في دعم الملف القطري لن يتوانى في بذل الجهود اللازمة لكفالة الكشف عن المتسببين في مسألة التشويش. - العلاقات القطرية - الأردنية تمر دائما بين مد وجزر ما سبب ذلك من وجهة نظر دولتكم؟ * العلاقات الأردنية - القطرية بالفعل مرت بكثير من المد والجزر ولكن ذلك لم يصل إلى اتخاذ مواقف حادة وخاصة على المستوى الرسمي، يمكن أن بعضا من العتب نقل لأكثر من مرة من طرفنا في الأردن، وتلقينا أحيانا عتبا مقابلا، ولكن كل ذلك لم يخرج عن الحدود الصحية، على الأقل يبقى ذلك أفضل من التغطية والمواربة، علاقتنا تاريخية مع قطر وليست مجالا للمزايدات، ولكن قطر شهدت العديد من التطورات المحورية والمؤثرة في السنوات الأخيرة، وبطبيعة الحال عملت على بناء تجربة نوعية في المنطقة وكان من ضمنها التسارع في التحديث الاقتصادي والتركيز على التنمية وفي الوقت نفسه العمل على تأسيس دور قطري في القضايا العربية والإقليمية يحمل بصمته الخاصة، في الأردن في المقابل كانت لدينا وجهات نظر ناضجة في العديد من المسائل التي أثارت التباين مع الدوحة، وبالتالي فإن التوثب القطري مع الخبرة الأردنية، وكلاهما في إطار النوايا الحسنة أديا إلى حالة المد والجزر، وأرى أن قطر كنموذج هي قصة النجاح العربية في الألفية الثالثة، وأن مرحلة جني الثمار القطرية على جميع المستويات بدأت بالفعل، وهو ما أعطى أريحية كبيرة في العلاقة المشتركة، خاصة بعد الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين، وأن السياسة القطرية حاليا تمر بحالة استقرار استطاعت أن تلعب دورا حاسما في العديد من القضايا العربية في الفترة الأخيرة، وفي العديد من الملفات وقفنا مع قطر وقدمنا ما بوسعنا من دعم، وفي بعض الملفات اختلفنا حول أولويات وتفاصيل معينة، ولكن ذلك في سبيله لأن ينتج مرحلة جديدة من العلاقات المتميزة بين البلدين. - مبادرة السلام التي أطلقها الملك عبد الله والتي تحولت لمشروع عربي كيف ترى السبيل لإحيائها وتفعيلها كما ينبغي؟ * مبدئيا مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله هي أهم الأدبيات التي قدمت عربيا في مسيرة السلام التي دخلت العقد الرابع حاليا، وأكثرها موضوعية وفعالية، والمبادرة ما زالت باقية وتتبناها معظم الدول العربية، فنحن لا نتحدث عن إحيائها، وإنما عن تفعيلها، ولعلني وضحت سابقا أن الوقت الراهن يجب أن يشهد حالة من الإجماع على الأوراق العربية وأهمها على الإطلاق المبادرة العربية (السعودية)، فهي الأكثر قدرة على بناء سلام تاريخي عادل وشامل في المنطقة، ويذكر الجميع حجم الحرج والضغط الذي مثلته هذه المبادرة في القمة العربية ببيروت 2002 على الجانب الإسرائيلي الذي لم يكن مستعدا لتقبل فكرة مبادرة بهذا الحجم ولأكن صريحا والجرأة، ويبدو أن إسرائيل غير مستعدة للآن للتعامل بشجاعة مقابلة مع هذه المبادرة، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي تبعت حرب تموز 2006 ، وأرى أن المبادرة ما زالت ورقة ضغط قوية ومقبولة عربيا وعالميا أيضا وخاصة في الدول المهتمة بتحقيق السلام في المنطقة، كالمجموعة الأوروبية، ويجب أن تستعيد زخمها، وهذه مسؤولية الإعلام العربي من جهة، والدبلوماسية العربية من جهة أخرى.