مما قد لا يكون حاضراً في ذهن الكثير من الناس هو أن صناعة البناء تستخدم ما يربو على نسبة 40% من الموارد في العالم، كما أن النفايات وانبعاث الغازات الكربونية الصادرة من الأبنية تشكل نسبة تتراوح ما بين 30 – 60% من إجمالي التلوث البيئي، لذلك ونتيجة لتزايد أثر الأبنية على البيئة نشأ منهج علمي جديد أطلق عليه اسم (العمارة الخضراء) التي تمثل طريقة في البناء تعنى بجوانب الحياة البيئية كافة مع إعطاء أهمية لكيفية التقليل من استخدام الطاقة والمياه والموارد الأخرى وحماية صحة المستخدمين للمباني، والتقليل من النفايات، والملوثات، وما تؤدي إليه من تدهور بيئي. والعمارة الخضراء هذه منها ما يعتمد على المواد الأولية في البناء، ويحرص على استخدام ما هو في محيط بيئة المكان، ومنها ما يعتمد على تقنيات حديثة للحفاظ على الطاقة وتوليدها، وإعادة تدويرها باستخدام حلول متقدمة تعتمد على الطاقة الشمسية والمياه المعالجة ومصادر الطاقة المتجددة. لقد نتج عن الزخم الذي اكتسبه هذا الاتجاه الجديد نحو العمارة الخضراء إلى نشوء مجالس وطنية غير حكومية للأبنية الخضراء، لا تهدف إلى الربح، وإنما للاهتمام بهذا المجال محلياً والانضمام لشبكة المجالس الوطنية الأخرى حول العالم التي يبلغ عددها في الوقت الحاضر نحو أربعة وعشرين مجلساً، تتبادل أوجه المعرفة والخبرة فيما بينها، ووضع المعايير الدولية في هذا المجال من خلال المجلس العالمي للأبنية الخضراء الذي يعقد ملتقيات علمية للأعضاء المنتسبين لهذا المجلس من حين لآخر في مختلف دول العالم. وفي المملكة التي تحتل المرتبة العشرين من بين الدول ذات التحدي الأعلى بيئياً، تم تأسيس المجلس السعودي للمباني الخضراء الذي ينظم خلال هذا الأسبوع منتدى الأبنية الخضراء السعودية الأول، وهو الملتقى الذي سيوجه المشاركون فيه الضوء على فرص الاستثمار والعمل في السوق الواعدة لصناعة الأبنية الخضراء، والتي تعنى بالاستفادة من خصائص الموقع العام للأبنية في الإضاءة والتهوية واستقطاب الطاقة المستجدة، وتكرير المياه وترشيدها، واستخدام المواد الصديقة للبيئة في إنشاء أو تجهيز المنشآت لصالح صحة وأمن وسلامة الإنسان والبيئة، فالخبراء يؤكدون أن هناك جدوى للاستثمار في الأبنية الخضراء على المدى الطويل، والعمارة الخضراء تمثل أحد الحلول البيئية للحد من انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون مما ينعكس إيجاباً على مسار التنمية الاقتصادية بوجه عام، لذلك تعتبر العمارة الخضراء أحد أهم الحلول الجديدة للحفاظ على البيئة، حيث يقول المختصون في هذا المجال إن المباني الخضراء توفر نحو 30% من الطاقة، وما بين 35 – 50% من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون ومن استخدامات المياه، وما يقارب 90% من النفايات. إن مواد البناء الصديقة للبيئة متوفرة في الأسواق، وهي ليست جديدة، إلا أن أسعارها مرتفعة قليلاً مقارنة بأسعار مواد البناء العادية، لذا تزيد تكلفة المباني الخضراء بنحو 2% عن تكلفة المباني العادية، إلا أن تلك التكلفة تستعاد بعشرة أضعاف تلك الزيادة على المدى الطويل لعمر المنشأة، كما يؤخذ أيضاً على المباني الخضراء إعطاء الجانب الوظيفي والكفاءة البيئية للمنشأة الأولوية على حساب العناصر الجمالية للمبنى ذاته. ما نتوخاه من هذا المنتدى في هذه الدورة والدورات التي ستليها في انعقاده بإذنه تعالى هو أن يمتد اهتمامه ليشمل الإعمار الأخضر، وألا يقتصر على العمارة الخضراء فقط إن صح التعبير فالكفاءة البيئية ينبغي ألا تتوقف حدودها عند الأبنية وما بداخلها، وإنما تتعداها إلى المحيط العمراني الذي يحوي تلك الأبنية ويربط فيما بينها، ولأسوق مثالاً حياً على ذلك من فعاليات المنتدى في دورته الحالية أشير إلى ما هو مدون في برنامج المنتدى من طرح نموذج متقدم للمباني الخضراء في المملكة هو مبنى السوق المالية بمركز الملك عبدالله المالي، الذي صممته إحدى أكبر الشركات اليابانية في مجال التصاميم الهندسية والمعمارية المستدامة في العالم، بتكلفة تنفيذ تبلغ نحو مليار ريال، فهذا النموذج المتقدم المشهود بكفاءته البيئية من خلال عرضه حالة دراسية متميزة في هذا المنتدى، لا يجب أن يكتفى بفعاليته والتوقف عندها دون توسيع دائرة النظر إليه في إطار البيئة الأشمل مع بقية المباني الأخرى في منظومة المركز المالي وتقييم مدى الكفاءة البيئية التي ينطوى عليها تخطيط وتصميم هذا المركز بكافة عناصره ومنشآته، والذي يمثل مبنى السوق المالية أحد مكونات تلك الكفاءة لا التعبير الشامل عنها.