من المعلوم أن مظاهر التخلف الإداري في الدول النامية عديدة من أهمها: التمسك بحرفية القانون أو النظام، والإهمال واللامبالاة من قبل الموظفين، واتباع النمطية في الأنظمة وأساليب العمل، وغياب عامل التنسيق، وعدم المرونة، والمحاباة والمحسوبية، وضعف الخُلق الإداري، والمركزية الشديدة، والتي تبدو بصورة واضحة في مركزية صناعة القرارات، وإضفاء طابع من السرية الشديدة على الأعمال الإدارية، وهذا يؤدي إلى كثير من المشكلات، كانعزال الجهاز الإداري للمؤسسات الحكومية وفقدان الثقة، بسبب الغموض وعدم الوضوح. ولذلك تُعد الشفافية الإدارية من المفاهيم الإدارية الحديثة التي تتناول في جانب من جوانبها البعد الأخلاقي للإدارة، كما تُعد أيضاً مطلباً أساسياً للإدارة الناجحة كونها تُسهم في تنمية المنظمات الإدارية، وتقودها إلى مواجهة التغيرات العالمية المتسارعة . وقد برزت الشفافية الإدارية كظاهرة إدارية من خلال المشكلات الإدارية التي تُعاني منها أغلب الدول النامية، كالتعقيدات الإدارية والإفراط في الرقابة وعدم وضوح التعليمات وغياب المساءلة والنزاهة وغياب النهج الديمقراطي وانتشار الفساد على أشكاله المتعددة، كذلك انتشار مظاهر عدم الثقة والتمكين، وعدم تفعيل الإدارة التشاركية أو ما يُطلق عليه إدارياً انعدام الشفافية، ونظراً للمغالاة في استخدام الأنماط التقليدية والتي تعكس في المؤسسات الحكومية ملامح التسلط والتنفيذ بالقوة وبشكل فوقي؛ مما يؤدي إلى ظهور وانتشار ظواهر غير مرغوبة مثل عدم الوضوح والغموض في أدوار الموظفين وعدم المشاركة في صنع القرارات وعدم التفويض الفعّال وتقليص الصلاحيات والحجب والتعتيم على المعلومات والعمليات المختلفة داخل المؤسسات الحكومية، ومن هنا ظهر مفهوم الشفافية الإدارية الذي يشير إلى تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة . كما أن الشفافية تنطوي على حرية تدفق المعلومات، وأن الأنظمة ذات الشفافية تمتلك إجراءات واضحة لكيفية صنع القرار، مثلما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة في كل الاتجاهات، حيث قد يكون في تطبيق الممارسات الإدارية الدالة على الشفافية حلاً للمشكلات التي تواجه المؤسسات التي تقوم على المبادئ التقليدية، لأن المؤسسات على اختلاف حجمها ونوعية الخدمة التي تقدمها، تعمل على تحديث إدارتها للحاق بركب التطور من خلال السعي نحو تطبيق المفاهيم الإدارية الحديثة كالشفافية، فنوعية القرار والمخاطر والتكاليف المترتبة عليه مرتبطة بطبيعة المعلومات التي يتم تزويدها لصناع القرار ووقت تزويدها ودرجة مصداقيتها، ولذلك يجب الحرص على نوعية وطبيعة المعلومات المعطاة أو المأخوذة؛ إذ يترتب على ذلك الكثير من الأخطاء. ويذكر بعض علماء الإدارة بأن مفهوم الشفافية قد لقب( بمبدأ شروق الشمس)، وتتضمن الشفافية تبسيط الإجراءات والقضاء على الروتين، ونشر المعلومات والإفصاح عنها، وسهولة الوصول إليها بحيث تكون متاحة للجميع، وتوفير مناخ صحي تسوده الثقة، فالشفافية منهاج عمل دائم وحياة مستمرة لإدارة الأحداث اليومية، والشفافية كمبدأ إداري في المؤسسات تقوم على بعض الممارسات المتشعبة التي تصب في مجالات عدة كمجال الأنظمة والقوانين وصناعة القرارات والمعلومات وآليات العمل والاتصال الإداري والمساءلة وتقويم الأداء. ويؤكد تقرير الأممالمتحدة الإنمائي (2007) وجود بعض الممارسات الإدارية السائدة في الدول النامية والتي تحتوي على بعض العيوب، وتتمثل فيما يلي: التشريعات والتعليمات البالية والقديمة، وتدني مستوى التخطيط الاستراتيجي وعدم التميز والفاعلية في استخدام المصادر العامة، وضعف أداء الرقابة، ونقص السيطرة المالية الفاعلة، والغموض في الإجراءات، وعدم وجود مقاييس مهنية واضحة لتقييم الأداء، والمشاركة القليلة في المعلومات والقرارات، وأضاف التقرير إلى أن الشفافية والمساءلة هما أمران حاسمان في تحقيق التطور والاستفادة من العولمة، وقد اكتسبت الشفافية كمصطلح عالمي في مجال الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الفساد في الأجهزة الحكومية أهمية كبيرة وشهرة واسعة؛ نظراً لنجاح التجارب في بعض الدول التي كانت تعاني من الفساد في أجهزتها الحكومية كنتيجة لتطبيق الشفافية في الممارسات الحكومية كالتجربة الكويتية والبحرينية والأردنية. إن توفر الشفافية الإدارية من أهم متطلبات مكافحة الفساد الإداري، وهو أحدث الاستراتيجيات الهامة التي تتبعها الدول لمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة، فزيادة مستوى الشفافية في العمليات الإدارية يعني وضوح إجراءات العمل والابتعاد عن الروتين . ويبين ذلك أن الفساد الإداري قد أصبح ظاهرة وأداة هدم للقيم الأخلاقية وللنسيج الاجتماعي لكثير من المجتمعات، ومعيقاً رئيساً للتنمية ومزعزعاً لثقة الشعوب في أداء مؤسساتها الحكومية وفي مشاريعها الإصلاحية، فعزمت كثير من الدول ومنها السعودية على التصدي لهذه الظاهرة للحد من خطورتها، لذلك عملت على ترسيخ مبدأ الشفافية الإدارية في جميع القوانين والأنظمة والإجراءات وتعزيزها في مؤسساتها ووزاراتها المختلفة على اعتبار أن غياب الشفافية يؤدي إلى الفساد. ولما للشفافية الإدارية من دورٍ هام في نجاح مؤسسات الدولة بشكل عام والمؤسسات الخدمية بشكل خاص، وان مثل هذه الممارسات الإدارية قد تبدو غير واضحة في المؤسسات الحكومية، ولما تعانيه هذه المؤسسات من مشكلات إدارية وهيكلية متنوعة ، لذا أصبح التعامل مع الشفافية الإدارية من الأمور التي تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات حكومة المملكة العربية السعودية، وخاصة في ضوء المتغيرات العالمية المتسارعة في مجال مكافحة الفساد الإداري، وما يترتب عليها من انعكاسات على أداء الوزارات السعودية، ونظراً لأن القطاعات السعودية كغيرها من المؤسسات التنظيمية التي تُعاني من بعض التعقيدات الإدارية وعدم وضوح التعليمات وغياب الشفافية؛ مما يؤدي إلى انتشار ظواهر سلبية في أدوار العاملين بها، والتي تعاني من بعض التعقيدات الإدارية ، وعدم تفعيل المساءلة، وتغيب المشاركة الديمقراطية، وعدم وجود الثقة والتمكين، وعدم امتلاك قنوات اتصال فعّالة، ومحدودية الانفتاح في الإفصاح عن المعلومات على المستوى الداخلي للموظفين، والمستوى الخارجي للمراجعين والمستفيدين كمنهج مؤسسي. والجميع يعلم بأنه في الأول من شهر صفر من العام الهجري 1428 أقرَّ مجلس الوزراء حيثيات وبنود الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي كانت ترجمة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، في إطار برنامجه الإصلاحي والتطويري الشامل. ولقد جاءت أهداف هذه الإستراتيجية لتعكس رغبة الدولة في إضفاء عنصر الشمولية في الطرح والمعالجة، من خلال التأكيد على الآتي: 1. حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره. 2. تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد، بالقيم الدينية، والأخلاقية، والتربوية. 3. توجيه المواطن والمقيم نحو التَّحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية. 4. توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها. 5. الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي، والعربي، والدولي، في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد. 6. تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع. وكان من أبرز آليات هذه الإستراتيجية إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، أُطلق عليها اسم: (الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد) ولكن هذه المبادرة المهمة بحاجة إلى مبادرات أخرى من قبل الحكومة، كتأسيس جمعية نفع عام تحت اسم ( الجمعية السعودية للشفافية) على غرار البحرين والكويت وقطر وبعض الدول الأخرى وارتباطها بالمنظمة الدولية للشفافية في برلين وذلك في ضوء تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2009م والذي وضع السعودية في المرتبة (80) من بين (180) دولة من حيث انعدام الشفافية في معظم الإجراءات والقرارات الحكومية كما بين التقرير تفوق قطر والإمارات والبحرين والكويت والأردن على السعودية في الترتيب العام، وكذلك تماشياً مع التوجه الحكومي في المملكة العربية السعودية نحو الإصلاح الإداري والمتمثل بالمشروع الإصلاحي الكبير لخادم الحرمين الشريفين وذلك من خلال تحقيق مبدأ الإدارة العامة الجديد ، وقد تزامن هذا التوجه مع الاهتمام الشعبي المتزايد بالمخالفات الإدارية لموظفي القطاع الحكومي بوجه عام وشعور المواطنين بوجود قصور في الخدمات المقدمة إليهم.. على أن تسعى هذه الجمعية إلى نشر القيم والمبادئ الداعمة للشفافية والمناهضة للفساد والتأكيد على حرمة المال العام وحمايته كواجب على كل مواطن والسعي إلى تفعيل كافة الأنظمة واللوائح والقرارات التنظيمية الداعمة لتلك القيم في كافة القطاعات الحكومية والأهلية، والكشف عن مظاهر ومواطن الفساد في المجتمع وتسليط الضوء عليها والبحث في أسباب واقتراح سبل مواجهتها والتصدي لها، وتحديد مواطن القصور في الأنظمة واللوائح والإجراءات المتعلقة بالشفافية والنزاهة وتعارض المصالح وسوء استغلال السلطة والنفوذ للمنفعة الشخصية واقتراح تطويرها، والعمل على تطبيق معايير إفصاح شديدة الوضوح ليشعر الجميع بالمسئولية تجاه حماية المصلحة العامة، وتقوية العلاقات والروابط مع منظمة الشفافية الدولية، ومع الهيئات والمنظمات والمراكز الدولية ذات العلاقة بأهداف وبرامج الجمعية. وعليه فإن الهدف من إنشاء هذه الجمعية هو تحقيق الأغراض التالية : 1-المساهمة في تحسين صورة المملكة محلياً ودولياً في مجال الإصلاح ومناهضة الفساد من خلال العمل على إبراز المظهر الحضاري والصورة المشرقة للوطن . 2-نشر القيم الفاضلة في المجتمع والتي تدعو إلى الإصلاح وتناهض الفساد في جميع المجالات . 3-تنمية ثقافة المجتمع في مجال الإصلاح ، ونشر المبادئ والقيم الداعية إلى إيجاد مجتمع خال من جميع أشكال الفساد وسوء استعمال السلطة . 4-العمل على تعزيز مبدأ الشفافية والسعي إلى تفعيل كافة القوانين والقرارات الداعمة لها لدى كافة القطاعات الحكومية والأهلية . 5-اقتراح معالجة نواحي القصور التشريعي واللائحي في مجال الإصلاح ومناهضة الفساد واستغلال السلطة للمنفعة الشخصية . 6-البحث في أسباب الفساد واقتراح وسائل علاجها وتلافيها وإيصالها إلى الجهات المختصة . 7-تقوية العلاقات والروابط الاجتماعية بين أعضاء الجمعية ، من خلال إقامة الأنشطة الاجتماعية للأعضاء. * متخصص في الإدارة وباحث في الشفافية الإدارية