في السادس والعشرين من ديسمبر عام 2003 حدثت كارثة زلزال «بام» الإيرانية التي خلفت وراءها ثلاثين ألف قتيل ومئات الآلاف من المصابين والمشردين، وفي ذات اليوم من السنة التي تليها -سنة 2004 - تكررت الكارثة في الساحل الجنوبي لقارة آسيا، لكن بصورة أعنف وأشنع، إذ تضاعف عدد الضحايا ثلاث مرات ليتجاوز حاجز المائة ألف قتيل، فيما فاق عدد المتضررين الملايين ما بين مصاب ومشرد. كارثتان عنيفتان كهاتين حين تحدثان في ذات المنطقة وعلى صفائح أرضية متقاربة فإنهما تلهبان الخيال وتثيرانه ليخوض في أمور المستقبل مستشرفاً ومتنبئا بما قد يثمر عنه من مآس وكوارث وتغييرات مناخية كبرى. وما يزيد الخيال التهاباً حدوث هاتين الكارثتين في سنتين متتاليتين وفي نفس التوقيت من نفس اليوم، أضف إلى ذلك ما يحدث في دولتي عمان والإمارات هذه الأيام حين علت قمم الجبال طبقات سميكة من الثلوج في حدث هو الأول في تاريخ هاتين الدولتين، وكأنما الأمر بداية تحقيق نبوءة مُعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم -بوحي من الخالق عز وجل- حين قال (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا). إن كوارث كهذه حين تحدث بهذه الكيفية وبهذا التراتب والترابط العجيب تنبئ عن مستقبل مشؤوم للبشرية، مستقبل مجهول يمتلك حقيقة واحدة أنه مرعب، وكثافة الرعب فيه مستمدة من جهلنا بكمية الخراب والدمار المنتظر، وجهلنا كذلك بالكيفية التي ستحدث بها الكوارث المقبلة. و«جهلنا» هذا هو ما يرغمنا على الاستعانة بالخيال وإطلاق عنانه في محاولتنا استجلاء كنه الخطر القادم ومعرفة حقيقة مشاعرنا حال وقوعه، والأهم معرفة الكيفية التي سيتم بها. والسينمائيون البارعون -باعتمادهم على الرواية والقصة- كفونا مؤونة هذه المهمة، ذلك أنهم قدموا خلال السنين الماضية مجموعة كبيرة من الأفلام التي تسبح في هذا الفلك مستندة على الخيال وحده لمعرفة حقائق ذلك المستقبل الكارثي، وقد حملت هذه الأفلام مسمى «أفلام الكوارث». وفيها تم تصنيف الكوارث من حيث مصدرها ومنشئها إلى صنفين رئيسيين، الأول كوارث خارجية تأتي من الكون إما على شكل غرباء يغزون الأرض أو على شكل نيازك تسقط عليها. والنوع الثاني مصدره الأرض نفسها أو الطبيعة وهي تشتمل على كوارث الزلازل والبراكين والأعاصير أو حتى المخلوقات الضخمة التي تنشأ فجأة لتغزو المدن وتعيث فيها فساداً. وفي مقالنا هذا، ونظراً لمعايشتنا أحداث كارثة زلزال «تسونامي»، آثرنا أن نحصر أبرز أفلام الكوارث التي امتازت بضخامة الإنتاج وفخامته، والتي حرصنا أن تكون متوفرة في السوق السعودي، وذلك كي يتسنى للجميع مشاهدتها - إن لم يكونوا قد شاهدوها فعلاً- علّنا بذلك نعيش المأساة من الداخل، ونستشعر ذلك القادم المجهول الذي بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق. فيلم (يوم الاستقلال - Independence Day) من بطولة الأسمر ويل سميث، والممثل بيل بولمان بدور رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. يعتبر الفيلم من أضخم أفلام الكوارث وأشهرها، وفيه تقوم المخلوقات الفضائية بغزو الأرض بمركباتها الهائلة التي تغطي سماء المدن وتطلق نيرانا حارقة تلتهم الأخضر واليابس وتُحيل المدن إلى دمار تام. واللافت في هذا الفيلم احتواؤه على صور تُشابه في شكلها صور الدمار الذي خلفته هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فحين تأخذ صور الفيلم وتضعها إلى جانب صور تلك الهجمات تكاد ترى تطابقاً تاماً في كيفية انهيار المباني وفي طريقة هروب الناس من حولها. الفيلم حاز أوسكار أفضل مؤثرات بصرية عام 1997. فيلم (Deep Impact) إنتاج سنة 1998، وهو من بطولة النجم مورغان فريمان، وروبرت دوفال، والممثل الشاب أليجا وود -بطل ثلاثية ملك الخواتم-. في هذا الفيلم هناك نيزك ضخم قادم نحو الأرض ويهدد بدمار عظيم، البشر يحاولون استباق النيزك والقضاء عليه في الفضاء، لكن الأمور دائماً تسير إلى الكارثة الحتمية ! الجميل في الفيلم أنه لم ينشغل بالمؤثرات عن الجوانب الأخرى، فهو رغم ضخامته الإنتاجية كان ذا نزعة إنسانية واضحة، برزت من خلال تأمله في علاقات البشر ونفسياتهم أثناء ترقبهم المؤلم للحظة النهاية التي باتت وشيكة. وقد يبدو الفيلم الأقرب للكارثة التي نعيشها هذه الأيام، وذلك من ناحية اشتماله على طوفان مائي هائل ينشأ في المحيط ويدهم المدن الساحلية ليغرقها ويبعث فيها الدمار والخراب. ومن أجمل مشاهد الفيلم ذلك المشهد الذي تقف فيه بطلة الفيلم بهدوء وسكينة إلى جانب والدها على الشاطئ وأمام الطوفان الهائل القادم في استسلام ورضوخ تام لقدر الله. فيلم (اليوم الذي يلي الغد - The Day After Tomorrow) إنتاج السنة الماضية 2004، من بطولة الممثل دينيس كويد، ومن إخراج رولاند إيميريخ -مخرج فيلم يوم الاستقلال-. في هذا الفيلم يعاين المخرج إيميريخ خطراً جديداً لكن من نوع آخر، خطر قد تقودنا إليه ظاهرة الاحتباس الحراري التي يضعها الفيلم كسبب سيؤدي إلى عودة العصر الجليدي من جديد، وتحول الكرة الأرضية إلى كتلة جليدية، ندخل نحن البشر بسببها مرحلة الفناء والانقراض شبيهة بتلك التي تعرضت لها الديناصورات وبقية الكائنات المنقرضة التي عايشت العصر الجليدي الأول. وبالإضافة إلى أجواء الفيلم الباردة التي تلونت بالأزرق الشاحب، هناك لمحة إنسانية غاية في التأثير تتمثل في كلمة رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي ظهر على التلفاز ليخاطب شعبه والأوروبيين والبيض عموماً قائلاً: (اهربوا واتجهوا جنوباً نحو المكسيك.. ونحو بقية دول الجنوب التي تعاونت معنا وقدمت دعمها دون شروط.. وهي بذلك تعلمنا درساً في الإنسانية، نحن الذين كنا ننعتها ازدراءً بدول العالم الثالث المتخلف.. إنها اليوم توفر لنا فرصة النجاة والحياة). وحديث كهذا قد يبدو صادماً للذهنية الأمريكية التي تربت على البطولة وتقديس الذات، وعلى تجاهل الآخر إن لم يكن الخشية منه وتصنيفه دائماً وأبداً في خانة «الوحش البدائي» الذي لا يمكن أن يكون «إنساناً». هذه الأفلام الثلاثة هي الأبرز والأفضل، وإلى جانبها يقف كم آخر من الأفلام قريب في مستواه منها، ومن تلك نذكر فيلم (الإعصار - Twister) أبرز أفلام النجمة الأوسكارية هيلين هنت، وفيه تؤدي دور دكتورة متخصصة في الأعاصير تقرر هي وزملاؤها ملاحقة الأعاصير ومعرفة كيف وأين تنشأ ؟ ومن خلال هذه الرحلة نعيش نحن كمشاهدين أجواء مبهرة ومرعبة في نفس الآن. ومن بين الأمثلة يبرز فيلم Armageddon للنجم بروس ويليس وفيه نشهد كذلك خطر النيازك التي ستقع على الأرض. وهناك أيضاً فيلم (البركان - Volcano) للممثل تومي لي جونز، وَفيلم Danteصs Peak لنجم سلسلة «جيمس بوند» بيرس بروسنان، وفي هذين الفيلمين نغرق في تيارات اللابا والحمم البركانية التي تدهم المدن الأمريكية. أما أخطار الديناصورات والمخلوقات الضخمة فنعيشها مع فيلم «غودزيلا» الذي أخرجه المتخصص في أفلام الكوارث رولاند إيميريخ وفيه يصنع ذات الأجواء المبهرة وذات الدمار الهائل الذي ظهر في أفلامه السابقة. في النهاية.. ومن خلال مشاهدة هذه الأفلام نستطيع نوعاً ما «التكهن» بما سيحدث لاحقاً من كوارث، ومعرفة مشاعر الهلع والرعب التي ستسيطر علينا حينها.. إلا أننا - ورغم هذه المعرفة- لا نملك أبداً ما نستطيع من خلاله تبين «نوع» الخطر القادم الذي ربما صادف وقوعه يوم السادس والعشرين من ديسمبر هذا العام ,2005. ولمعرفة ذلك ما علينا سوى.. أن ننتظر!