أكد الدكتور عبدالعزيز الحميدي الباحث في تأصيل مفهوم الجهاد أن القضايا التي تتعلق بمصير الأمة ومصير المجتمعات -مثل الجهاد- لا يستقل فرد أو مجموعة أفراد بالقطع فيها ولا بالحكم فيها لما يترتب عليها من أمور عظيمة مثل الحرب أو القتال ولمثل هذه القضايا الكبرى وضع الإمام ونص على طاعته. وقال إن مسالة الخروج للجهاد لا يقع بمجرد الفتوى بصورتها الحالية لكل الناس, ومن يخرج سينقض بيعة إمامه ويخرج مهاجرا له مراغما له مغاضبا له عاصيا له وربما يفوت في هذا حتى إذن الوالدين وهو شرط من شروط الجهاد، مضيفا "بل أعجب من ذلك ما يسمى بالهجرة مثلا الآن يدعى مثلا الشباب من قبل تنظيمات معينة إلا أن يهجروا بلادهم بلاد الحرمين باسم الهجرة مع أنها دار إسلام إلى قيام الساعة". واضاف أن الجماعات تنحرف وتسلط سيوف المسلمين بعضهم على بعض ويحصد بعضهم بعضا ويحملون ذلك على اسم جهاد ثم يوضح كيف أن القضية في بدايتها ربما لها هدف شرعي ظاهره الجهاد ونصرة قضايا المسلمين ثم تتمحور القضية مع الوقت ومع فساد المقاصد حول أشخاص وأفراد من زعماء تنظيمات معينة يوالون عليهم ويعادون عليهم ويحصل الفساد العظيم. وقال "لا شك أن القضايا التي تتعلق بمصير الأمة ومصير المجتمعات والقضايا الكبرى لا يستقل كل فرد أو مجموعة أفراد بالقطع فيها ولا بالحكم فيها، خصوصاً على ما يترتب عليه أمور عظيمة وكبيرة من وجود الحرب أو القتال ولمثل هذا وأمثاله من القضايا الكبرى وُضع الإمام، وقد قال تعالى: "ألم ترَ إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا.." ووجه الدلالة من هذه الآية العظيمة، أن النبي موجود وهو هنا يمثل المرشد إلى الحق الموحى إليه الدال عليه، فلم يكن له في ذلك الوقت أي أيام بني إسرائيل أمور الولاية الكبرى وهو نبي ليس مجرد عالم ولا حتى مجتهد فضلاً عن أفراد لهم من العلم إلا قليل، ومع ذلك لا يملك أن يقودهم ويقوم بهم في هذا الأمر العظيم، فقالوا ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، جملة "نقاتل في سبيل الله" هي جملة فعلية، لكنها في موضع نصب على المفعولية مفعول لأجله، أي ابعث لنا ملكاً لأجل أن نقاتل في سبيل الله، ثم لما قال لهم هل عسيتم أن كتب عليكم ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألاّ نقاتل وقد أخرجنا، فوقع عليهم ظلم حتى، فلا الظلم الذي وقع عليهم بإخراجهم من ديارهم برر إعلانهم القتال على خصومهم دون وجود ملك جامع لهم، ولا وجود النبي وهو وجود الحجة الشرعية برر ذلك حتى يُبعث الملك، ولذلك قال المفسرون كان قوام بني إسرائيل بالملوك المتنفذين المجتمعة لهم الكلمة وبالأنبياء الموجهين للملوك والرعية إلى ما فيه الصواب، وبدون هذين العنصرين تفسد الأمة، فالملوك والأمراء مع العلماء في هذه الأمة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما مات نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، إذا كان العلماء يقومون مقام الأنبياء في البلاغ عن الله فلا حتى العلماء مع ما يملكون من مصدر الشريعة يملكون إعلان الحرب وعقد الراية حتى يكون هناك الإمام الجامع والملك المتنفذ. ابتداع الجماعات وتعدد الرايات وتحويل الأمة الواحدة إلى أمم من عمل الخوارج واضاف أن إعلان حرب يترتب عليه مفاسد عظيمة، ربما يترتب عليه صولة الكفار على هؤلاء المسلمين وإزهاق نفوس كثيرة وإبطال أمور عظيمة وربما استئصال شأفتهم وغير ذلك من الأمور، ثم من الأمر المعمول به في وقائع الناس أنه إذا لم يكن هناك إمام جامع معقود له السمع والطاعة، فإن كل واحد سوف يترأس وستصبح الأمة الواحدة أمما، وهذا ما أحدثه في الإسلام ما يسمى بالخوارج "طائفة الخوارج" كان هناك إمام للمسلمين جامع علي بن أبي طالب وكان الخوارج من ضمن جيشه فاجتهدوا برأيهم فانعزلوا هذا هو أول الخطأ، انعزلوا عن مجتمع المسلمين وإمامهم ثم رأسّوا في أحداثهم وجهالهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حدثاء الأسنان ثم أعلنوا حربا هنا وهناك ليس حتى على الكفار فوقع منهم شر عظيم، كما قال -عليه الصلاة والسلام- يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان والخطأ كل الخطأ أن تركوا الأمر الجامع والإمام المتمكن الذي بيده وإليه مرجع مثل هذه الأمور الكبار التي فيها تحقيق مصالح الأمة بإعلان للحرب أو عدمه أو إعلان المسالمة أو عدمها، إعلان الحرب على هذه الجهة، أو على تلك الجهة مرجعها إلى الإمام، والإمام بطبيعة الحال -كما هو تحدثنا في أمور حلقات سابقة- لا يستقل بنفسه كفرد وإنما لديه من يستشيرهم، من يستشيرهم وينتصح بهم، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستشير أصحابه في أمر القتال والحرب والمعسكر أين يعسكرون، وفي أمر الأسرى كل أسباب الجهاد ودوافعه ومفرزاته ونتائجه يستشير فيه أصحابه، وهو الذي جمع كلا المنصبين، منصب النبوة ومنصب الإمامة والقيادة. واوضح الحميدي أن الفتوى الشرعية لا تكفي ومَن كان له إمام جامع ومتمكن ومعقود له البيعة قد تكون عنده معاهدات مع هذه الدول, وقال انه خرج رجل من اليمن إلى مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-, فلما وصل هذا الرجل الذي جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال جئت، وتركت الأهل والمال لأبايعك وأصحبك وأكون معك، فقال عليه الصلاة والسلام له أتركت باليمن والديك؟ قال نعم قال هل أذنا لك؟ قال لا، قال ارجع إليهما فألزمهما وأحسن صحبتهما. واكد الحميدي أن البيعة لا يجوز خلعها تحت اسم الجهاد أو الهجرة وينطبق على من فعل ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام- مَن خلع السلطان أو قال مَن فارق السلطان، وفي رواية مَن فارق جماعته قيد شبر فمات ميتة جاهلية، وفي حديث عبدالله بن عمر بن العاص في صحيح مسلم يقول كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فمنا من نزل واديا يسترخون فيه ومنا من يصلح خباءه ومنا من ينتظل ومنا من هو في جشره -يعني في رعي الدواب- إذ نادى منادي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الصلاة جامعة، ومن المعلوم عند الفقهاء أن كلمة الصلاة جامعة لا يدعى فيها إلاّ في الأحداث الكبار والعظيمة عندما يقع كسوف، عندما يقع خسوف الأمور العظيمة، الصلاة جامعة، وهم في سفر قوم شعث غُبر جاءوا يردعون، فاجتمعوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقام فيهم خطيباً، فقال عليه الصلاة والسلام "من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل, فقتلته جاهلية", وعندما سُئل الإمام أحمد قال هو الأمر المبهم الذي لا يتبين ما وراءه. جانب من برنامج «همومنا» وقال الحميدي إن الانعزال عن صف المسلمين وخلع بيعة من يحكم فيهم وتجمع الأفراد هنا وهناك مجهولين أو مشبوهين أو مختفين, ولا يعلم أحد عنهم شيئاً ويقول إن هذه بيعة, هذه ليست بيعة هذا من جنس الخوارج لبعضهم يخرج قوم حدثاء سفهاء الأحلام جمعوا بين صغر السن والطيش والرعونة والجهل فرأسّوا أحداثهم فوقعت الكوارث بسببهم منهم وبهم، فلابد من التمكن الإمام الجامع المتمكن الذي بيده المكنة وبيده عندما يعلن الحرب يعلنها وهو يرى أن المصلحة راجحة متحققة في ذلك, ونكاية العدو ويمنع ذلك بحفظ بيضة المسلمين وهي الوسيلة المتاحة بهذا الأمر وإلاّ تقع مفاسد عظيمة. واضاف: كان معاوية بن أبي سفيان من أعظم ملوك الإسلام، لما استقر له الأمر بعد عصر الخلافة الراشدة وكانت كتائبه وجيوشهم تغزو في الأرض كلها، وكان يحدد باعتبار ما له من الولاية مَن يغزى من الأقوام ومَن لا يغزى، ومن يصالح ومن لا يصالح، ومَن يبدأ بحرب ومَن لا يبدأ بحرب، ومَن يكف عنه ومَن لا يكف عنه، بحسب ما يراه باعتباره هو الإمام للجامع واليه على إقليم خراسان بُعث له كتاب والقصة يرويها معاوية بن حيدة السُلمي يقول كنت عند معاوية بالخضراء بالشام دار المملكة الخلافة فجاءه كتاب عامله عن خراسان يبشره إنه أوقع بالترك المقصود بالترك موقعة عظيم, قال فظننت أن معاوية سيقف استبشاراً بهذا فغضب وكتب لعامله إني لم آمرك بهذا فلا تحدثن أمراً حتى يأتيك أمري، إني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول اتركوا الترك ما تركوكم يعني الشعوب التي إذا استثيرت أثارت على المسلمين بلاء عظيما من المصلحة تركهم في حالهم وعدم استثارتهم لا بحرب ولو أوقعت بهم مقتلة أو حرباً، غداً سيثارون ويقاتلون المسلمين هذا اللي حصل لما توسع المسلمون في قتال الترك بعد ذلك وقع منهم كالمغول وغيرهم من أخذ الثأر وحرب المسلمين مفاسد عظيمة إذ لو تركوا في حالهم لربما أمن المسلمون شرهم ويمكن إيصال الحق والخير لهم بطرق كثيرة من دعوة وبيان، فهنا تكمن أهمية وجود الإمام الجامع المتمكن الذي انعقدت له الراية والبيعة في هذه المصالح الكبار، أما لو تركت لمن آنس من نفسه شيئاً أو آنس من نفسه رشداً أو آنس من نفسه شجاعة وجمع من حوله أغرار من هنا وهناك وانحازوا عن متجمعات المسلمين وجماعتهم، ثم أعلنوا حربا على دول عاتية عظيمة لاستشاروا المسلمين في البلدان التي هم فيها حتى يعلنوا حربا على تلك الدولة أو غيرها، فماذا الذي يحصل؟ تُدمر بلدان المسلمين الواحد تلو الآخر، كما يحصل في أفغانستان أو كما يحصل في غيرها والنتيجة ما هي النتيجة مجرد ربما يعني شهرة معينة للزعيم الفلاني أو كذا ويدفع الثمن قوم بؤساء فقراء. ومضى قائلا: حفظ بيضة المسلمين ولو كانوا قليلين مقصود شرعي حتى بالكف لما النبي -صلى الله عليه وسلم- توجه إلى الحديبية يريد مكة ومنعه المشركون وأمره الله أن يرجع ويعقد الصلح أنزل الله آية في سورة الفتح يخبر الله -جل وعلا- لماذا منع النبي وأصحابه من دخول مكة بالقوة أي ومراغمة مع أنهم متمكنون كانوا منتصرين ومتمكنين وأعدادهم وفيرة وألف وأربعمائة رجل ومستعدون لكل "يعني حرب"، قال الله تعالى "وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" أي في بدر وغيرها من المشاهد ثم قال "ولولا -هذا السبب المانع- رجال مؤمنون -قد يكونوا خمسة أو عشرة وأقل أو أكثر -ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء" ثم قال لو تزينوا أي لو تميز المسلمون هؤلاء القلة البسيطة الي داخل الكفار الذين هم مستضعفون عن هؤلاء الكفار لعذبنا، تكلم الله عن نفسه لعذبنا الكافرين عذابا أليما فانظر كيف أن الله علام الغيوب الذي له القدرة التامة يمنع من نفسه من إيقاع عذاب يستأصل هؤلاء المشركين بمجرد وجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات بينهم، انظر ماذا يقع بسبب مثلاً بعض العمليات غير المحسوبة على بعض بلدان المسلمين أو كثير منها من طحن وقتل وتسلط الكفار عليهم لأن الكفار بشكل واقع يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم.