مامورو هوسودا، اسم حديث نوعاً ما بالنسبة لجمهور الأنمي، لكنه لفت الأنظار إليه بقوة، عندما قدم فيلمه التقدمي المثير للدهشة "الفتاة التي عبرت الزمن" في عام 2006م، والذي حظي الجمهور السعودي بفرصة مشاهدته في فعاليات أيام اليابان الثقافية التي رعاها أدبي الرياض بالتنسيق مع سفارة اليابان في منتصف شهر يناير من عام 2010م، بحضور واسع يؤكد تعطش الجمهور لأعمال الأنمي الحقيقية التي تعكس روح الصناعة الجادة متمثلاً في تيار كبار المخرجين أمثال مايزاكي الأب ورفيقه تاكاهاتا والراحل ساتوشي كون الذي فُجع عالم الأنمي وجمهوره العارم، بخبر رحيله في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي. فوراً مع إعلان استديو مادهاوس في معرض طوكيو الدولي للأنمي عام 2008م، بأن هوسودا يشرع في تطوير عمله الرسومي القادم الذي سينتجه الاستديو، احتبست أنفاس جمهوره، وشرعت المنتديات والتجمعات الإليكترونية المهتمة بالحديث عن مشروعه القادم، وما يمكن أن يقدمه هوسودا فيه، إلى أن تم الإعلان عن الاسم الذي سيحمله الفيلم في مجلة نيوتيب عدد ديسمبر من نفس العام. حملت المجلة مع اسم الفيلم (حروب الصيف-Summer wars) تصريحات هوسودا التي توضح نظرته لأعماله وجمهوره المستهدف، حيث أوضح بأنه يرغب بصنع فيلم يعتمد قصة ذات قبول واسع من جمهور لا يستهدف فيه العمر أو الجندر، شيء يمكن مشاهدته كترفيه للعائلة كلها، شيء مناسب تماماً لصالات السينما في موسم الصيف. وعلى الرغم من التصريحات التي قد تبدو لوهلة وكأنها توحي بمباشرة أو وضوح عمل هوسودا القادم، ذي التجربة العميقة في فيلمه السابق، لكن هذا لم يخدع جمهوره الذي كان ينتظر فيلماً سيقدم مستويات متعددة في تفسير القصة التي سيقدمها هوسودا، تجربة يعرفونها جيداً مع فيلمه السابق "الفتاة التي عبرت الزمن" عام 2006م، وهو ما كان صحيحاً عندما اندفعوا جماعات شتى لحضور عرضه في دور السينما اليابانية السبع والعشرين التي عرضت الفيلم في الأول من أغسطس عام 2009م، محققة أرباحاً بلغت مليوناً وثلاثمائة وأربعين ألف دولار أمريكي في أسبوع الافتتاح فقط، والمركز السابع في قائمة العشر الأوائل السينمائية مباشرة. سبق الفيلم أعمال مانجا مقتبسة عنه، وهو أمر حديث في صناعة الأنمي والمانجا، لكنه أصبح طريقة لترويج أعمال يتوقع لها النجاح، وهو ما ناسب فيلم "حروب الصيف" بسبب النجاح الضخم والجماهيرية الكبيرة التي حازها فيلم هوسودا السابق، الذي أنتجه استديو كادوكاوا بيكتشرز، إيقيورا سيوقيموتو هو المانجكا الذي قدم المانجا على عددين في مجلة يونغ إيس، التي تملكها كادوكاوا للنشر. تدور أحداث الفيلم حول طالب ثانوية "كنجي كويسو"، عبقري بشكل يبدو خارقاً في الرياضيات، وعبقري كذلك في سوء تواصله الاجتماعي، حيث يقضي معظم وقته وسيطاً في "أوز"، عالم محاكاة افتراضي هائل مصمم حاسوبيا كعالم واقعي. في بداية إجازة الصيف تطلب منه "ناتسوكي" إحدى فتيات فصله، وأكثر طالبات المدرسة شعبية، أن يساعدها في الإعداد لاحتفال عيد ميلاد جدتها التسعين، في محافظة يودا بمقاطعة ناقانو. "كنجي" المتردي اجتماعياً يضطر للموافقة دون أي معرفة بالتفاصيل، ليفاجأ عند وصولهم لمنزل الجدة، حيث تقدمه ناتسوكي لأقاربها عائلة "شينوهارا" كخطيبها. وفي حمأة محاولته الاندماج في دوره المزعوم، محاطاً بأفراد العائلة المتعددين والمختلفين في صفاتهم وبشكل يكاد يكون متناقضاً، تصله رسالة إليكترونية من مصدر مجهول تحمل شفرات رقمية، يقوم بحلها معيداً إرسالها إلى المصدر المجهول، ليصبح في بواكير اليوم التالي المشتبه به الرئيسي في قضية اختراق غير شرعية لعالم "أوز". الهاكر الحقيقي الذي يقف خلف عملية الاختراق، هو برنامج متقدم من نظام ذي ذكاء اصطناعي يطلق عليه "آلة الحب"، يستخدم حساب كنجي والأفاتار الخاص به، زارعاً الدمار في عالم أوز الافتراضي، الأمر الذي كان له تبعات على الواقع المرتبط بالنظام الافتراضي، وهو ما بدأ على شكل اضطرابات في نظام الملاحة الأرضي للسيارات، وأنظمة المرور وبلاغات الشرطة والإسعاف وفرق الإطفاء. السيدة ساكاإي جيونيتشي جدة "ناتسوكي" وكبيرة آل شينوهارا، تستخدم نفوذها في البلدة والعلاقات التي كونتها بحكم مكانة أسرتها عبر سنين عمرها الطويلة، وأقارب أسرتها الذين يحتلون مناصب مختلفة في قوات الإنقاذ اليابانية المختلفة، تحاول المساعدة في تنظيم الاضطرابات التي بدأت تظهر، وفي المقابل يقوم "كنجي" وعبر وسيط آخر في عالم أوز من عائلة شينوهارا المراهق "كازيوما إيكيزاوا" ذي الأربعة عشر ربيعاً، والذي يمتلك مقاتل "أوز" الأبرز كينج كازما، الذي يخسر معركته القتالية مع آلة الحب التي تتلبس في تلك اللحظات، هيئة أحد المقاتلين البوذيين المشاهير في كتب السوترا العتيقة. ينتقل الفيلم إلى مستوى أعلى عندما تفجع الأسرة بخبر وفاة الجدة في نومها، بسبب تردي الرعاية الصحية التي تتلقاها بسبب اضطرابات السير التي سببتها حالة اختراق عالم "أوز"، وهنا يتعاضد الكل في النيل من "آلة الحب"، الذي أصبح خطراً يهدد اليابان كلها بسبب نفاذه إلى أنظمة تحكم منصة صواريخ ذات رؤوس نووية، وتكون التسوية الأخيرة منافسة في لعبة الورق اليابانية الشهيرة كوي-كوي من أوراق لعبة هانافيودا (كروت الزهور). سبق وأن أخرج هوسودا أفلاماً قبل هذين العملين، لكنها كانت أعمالاً تنتمي لعوالمها الخاصة، مثل فيلمي "ديجيمون" أو "ون بيس"، لكنه في أفلامه المستقلة فكرياً، يبدو واضحاً أن هوسودا ينوي تكوين مدرسته الخاصة على غرار الرواد في الصناعة، وهو يقترب في ذلك كثيراً من مسار الراحل ساتوشي كون، والشاب ماكوتو شينكاي، ذوي التوجه الواقعي في تصميم الشخصيات، وخلق عوالم فانتازية دون فقد خيط التواصل مع العالم الواقعي. وهذا ما جعله يكرر تعاونه مع طاقمه السابق، الكاتب ساتوكو أوكيودورا، مصمم الشخصيات يوشيوكي ساداموتو، مع تحوير في المهام لكل من هيرويوكي أوياما وتاتسوزو نيشيدا الذي تولى مهام إدارة التحريك. قد يكون الأمر الأكثر إثارة في "حروب الصيف"، هو قدرة هوسودا على صنع طيف عاطفي غامض، لا يمكن استبصاره بسهولة في خضم الأحداث التي تمتلئ بها قصته، مع شخصيات ذات حضور سريع ولكن طاغ، في إثراء الإطار العام للصورة التي ينغلق عليها السرد العميق والمتسارع للأحداث، التي تجري في مناخ ياباني حاضر الهوية، عبر الرموز الملقاة بكل طواعية واتساق هنا وهناك. بعد مشروع دام ثلاث سنوات يبرز هوسودا اليوم كأحد المخرجين الرواد في اليابان، عبر فيلمين فقط، متجاوزاً مساحة التأثير اليابانية إلى ما وراء البحار، حيث دخل فيلم "حروب الصيف" مهرجان لوكارنو السويسري كأول فيلم ياباني رسومي، حيث رشح لجائزة الفهد الذهبي، وعلى الرغم من أنه لم يفز بالجائزة إلا أن بعض الصحف السويسرية اعتبرته الأحق بالجائزة، بيد أن الفيلم فاز بالفعل بجائزة جيرتي لأفضل فيلم رسومي في مهرجان سيتقيس الإسباني، وعرض في مهرجان برلين السينمائي في دورته الستين، كما أنه حاز جائزة قسم الأنمي من مهرجان الفن الإعلامي باليابان الثالث عشر، وحاز على جائزة من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، لكن أبرز جوائزه كانت جائزة الأكاديمية اليابانية في دورتها الثالثة والثلاثين، لفيلم الأنمي لهذا العام، ليؤكد للجمهور وللمهتمين بالأنمي بأنه يمكن تحقيق أعمال يجتمع عليها رأي النقاد والجمهور.