«إذا كان نزار قباني شاعر المرأة فإن لميعة عمارة هي شاعرة الرجل تتسم بالصراحة في علاقتها بالرجل..» بهذه السطور القليلة قدّم الشاعر شوقي بغدادي (لميعة عمارة) في حفل شاعر لها أقيم في سوريا عام 2002.. وإذا كانت الكلمات مقتضبة فقد صاغت العنوان وعبرت بالجملة وسنحاول أن نؤيد ذلك ببعض الشواهد من شعرها الجميل.. فرغم أن لميعة عباس عمارة قوية الشخصية والشكيمة كما ورد في سيرتها وتصرفاتها، إلا أنها ضعيفة جداً أمام من تحب.. إلى حد التذلل الذي عابه بعض النقاد عليها هي وعاتكة الخزرجية - كلاهما عراقيتان.. والأخيرة - هي وسعاد الصباح - أشد ذوباناً في الحبيب، يشهد بهذا الكثير من أشعارهما، ولا نوافق النقاد على أن ذلك مأخذ على المرأة.. هم يعتبرون تذلل الرجل العاشق طبيعياً بل وجميلاً فلماذا - إذن - التمييز؟ خاصة أن المرأة أقوى عاطفة وأصدق في الحب.. تمتاز لميعة بأنها سبرت غور الرجل، وعرفت نفسيته وسلوكه، وتجلى ذلك في كثير من شعرها، لهذا يصح أن تسمى شاعرة الرجل.. تقول: «بالعدل تحكم يا لعدلك في الرعية بالسويِّة.. تختال نظرتك الكريمة في الحسان وحصتي مثل البقية.. فديتها من نظرة.. كرصاصة القنص الغبية» بل تجهر - في شعر آخر - أنها تحب رجلاً متزوجاً وتعرف أنها ستظل على الهامش رغم زعمه أنه يحبها: «نحن امرأتان تحبانك.. لا شك إليَّ بساطتها وسذاجتها.. وبأنك صرت وما صارت.. أنت اخترت وما اختارت.. وأدركت بعد فوات الوقت جهالتها هي من - لا سمح الله - ستلقي الخطبة في حفل التأبين ببساطتها وسذاجتها وبأخطاء قراءتها وستبدو أبلغ من كل دواويني وأنا في آخر الصف في القاعة لا ألقى أحداً فيك يعزيني..» وتجتمع متناقضات المرأة في شاعرة كلميعة عمارة، فهي خاضعة كل الخضوع لمن تحب بحق، شامخة كل الشموخ أمام من يحاول اصطيادها وإفسادها، تقول - في مقطع صغير يصور لقاءها مع رجل يحاول إغراءها - على شكل حوار بينها وبينه: «تُدخنين؟.. لا.. أتشربين؟.. لا.. أترقصين؟!.. لا.. ما أنتِ؟!.. جمع لا!..» يبدو الرجل في حفلة على الطراز الحديث والخبيث ولعلها دعيت ولم تدر ماذا يدور، لهذا كان سؤاله الذي صاغته (ما أنتِ؟!) وما للاستفهام عن غير العاقل، وتجيب ساخرة شامخة: «يا سيدي الخبير بالنسوان.. إن عطاء اليوم شيء ثان.. فما الذي يشد رجليك إلى مكاني.. حلِّق!.. فلو طأطأت لن تراني..» هذا جوابها عن اسئلته السخيفة واستفهامه المستهتر عن (ماهيتها)! وقد أهدت هذه الأبيات للشاعر عمر أبوريشة المشهور بكبريائه (النسر الجريح) قصيدته الشامخة، كأنما تجاريه في الكبرياء.. * والأبيات السابقة يستحق ذلك الرجل السخيف أن تسحقه فيها أكثر.. كما أن وجوده غير مؤثر (هذا إن كان موجوداً، أظن الأبيات رمزاً لرفض السلوك على الطريقة الغربية).. * ولكن المؤلم حين يتأجج الصراع داخل لميعة بين الحب والهجر والكبرياء: «ما أرخص دمعي غيرك.. ما ذلل قلبي المغرور.. أبعدتك.. أبعدتُ حياتي فيك فقأت بعيني النور.. وبكيت.. قتلت وأبكي الحب المهدور» * وتقول: «لو أنبأني العرَّاف أني سألاقيك بهذا التيه لم أبك لشيء في الدنيا وجمعتُ دموعي.. كل الدمع ليوم قد تهجرني فيه..»