نجوى بركات صحفية وكاتبة عملت في العديد من الصحف العربية، وأعدّت وقدّمت برامج ثقافية أنتجتها إذاعة فرنسا الدولية RFI وهيئة الإذاعة البريطانية BBC. كتبت نجوى بركات خمس روايات بالعربية صدر معظمها عن دار الآداب في بيروت وهي المُحَوِّل / حياة وآلام حمد ابن سيلانة / باص الأوادِم / يا سلام / لغة السر. وقد حاز معظمها على جوائز وترجم إلى لغات أجنبية وكذلك رواية واحدة باللغة الفرنسية - La locataire du Pot de fer- ستصدر قريبا ترجمتها بالعربية ؛ كما ترجمت مفكرة كامو في ثلاثة أجزاء تصدر قريبا عن دار الآداب. بدأت مشروع "محترف" وهو عبارة عن ورش عمل للكتابة للنهوض بمستوى الكتاب في العالم العربي، وقد أثبت المشروع مصداقيته بعدد من الروايات التي أنتجت لثلاثة شبان وهي باكورة إنتاجهم الروائي. ومن مقر إقامتها في لبنان أكدت نجوى لصحيفة "الرياض" بأن " المحترف هو مشروع كان بمثابة الحلم لها وأن تحقيقه يرتقي بمستوى الكتابة العربية وإخراجها من دائرة الوحي والإلهام". * ما هي التقنيات المستخدمة في "محترف" كيف تكتب رواية؟ - أودّ بداية أن أشير إلى أن التقنية المستخدمة في محترفاتي ليست منهجاً تعليمياً من النوع المعتمد في الجامعات مثلا. فلنتذكّر أني روائية وكاتبة، وأني استقبل وأتعامل مع كتّاب ما زالوا في أوّل مشوارهم وفي بداية تشكّلهم الإبداعيّ. لنقل إنّ الأمر يتعلّق بتبادل خبرات، وهذا ما يتطلّب مقاربةً علمية، موهبةً تربوية وقدرةً على ضغط حجم "الأنا" لصالح من تعملين معه وعليه. بتعبير آخر، أنا أعمل في ورش محترفي على التخلّص من كل ما من شأنه أن يكبّل المخيلة لدى المشاركين، أي الجمل النمطيّة، والحشو الكلاميّ، والصور التعبيريّة المستهلكة، والغنائية المسهبة، والخيارات السهلة، من دون نسيان الأدلجة والرقابة الذاتية التي قد تكون أحياناً أشدّ إيذاءً من أية رقابة أخرى. إن هدف المحترف هو مساعدة الكتّاب المبتدئين في حقول الأدب والمسرح والسينما على إيجاد أصواتهم وعلى التعبير عن شاغلهم الإبداعيّ بأدوات وظيفتها إظهار تمايزهم بحيث تكون لكتاباتهم بصمتها الفريدة لاحقا. وبما أن هذا لا يتمّ إلا من خلال اكتساب حرفية ما، أي عبر التعرّف على بعض أصول السرد على اختلافها من خلال الجملة في الرواية، الحوار في المسرحية، والصورة في السيناريو فإني أعمل مباشرة على المشروع الخاص بكل مشارك بغية مرافقته من الدرجة الصفر وحتى اكتمال نصّه كلياً وجهوزيته للنشر. بمعنى آخر، أنا أؤدي دور المحفّز والمحاور الذي يحذّر ويشجّع، يناقش وينتقد ويصحّح، يقترح ويعبّد الخيارات السردية الفضلى من خلال شرح بعض تقنيات العمل وأساليبه واقتراح حلول لعوائق تواجه العملية الإبداعية، كل ذلك من أجل تمكين الكاتب المبتدئ أو الشاب من بلوغ هدفه بأفضل الطرق. * ما هي التغيرات في مشروع "محترف" كيف تكتب رواية في دورته الثانية ؟ -لقد نجح المحترف بشكل فاق كل التوقعات في دورته الأولى التي أقيمت ما بين ربيع 2009 وربيع 2010، في إطار بيروت عاصمة عالمية للكتاب، حيث كانت وزارة الثقافة اللبنانية هي المموّل ودار الساقي هي المنظّم. فهو قد أنتج ثلاث روايات تسابقت على نيل "جائزة المحترف" التي حظيت بها رشا الأطرش عن روايتها "صابون" (دار الساقي). إلا أن مستوى الأعمال الثلاثة المتسابقة كان جيدا بحيث أن داراً معروفة ومهمّة كدار الآداب تبنّت الروايتين الأخريين وهي ستصدرهما تباعا قبل نهاية العام، بالشراكة مع "محترف كيف تكتب رواية"، ألا وهما: "نابوليتانا" لهلال شومان و"المخيّم" لرنا نجار. هكذا تقرّر توسيع نشاط المحترف ليطاول إلى جانب الرواية، حقلين إضافيين هما المسرحية والسيناريو السينمائي، فبات اسمه "محترف كيف تكتب رواية- للأدب والمسرح والسينما"، انطلاقا من القاسم المشترك ما بين الحقول الثلاثة، ألا وهي الرواية بمعنى القصة. هكذا تمّ الإعلان عن بدء الدورة الثانية في الخريف المقبل واشتمالها على ثلاث ورش: ورشة لكتابة الرواية، ورشة لكتابة المسرحية، وورشة لكتابة السيناريو السينمائيّ، على أن يصار في نهاية الورش التي تدوم نحو عام، إلى منح "جائزة المحترف" لأفضل ثلاثة أعمال منجزة في الورش الثلاث، وهي نشر النصوص الفائزة في دار نشر عربية مهمة بالشراكة مع المحترف، ما سيجعلها محطّ اهتمام القرّاء ووسائل الإعلام على السواء. أما آلية الاشتراك فلم تزل هي نفسها، إذ يتمّ اختيار المشاركين على أساس جودة وتميّز ما يتقدّمون به من مشروع (من صفحة إلى خمس صفحات)، من دون أي شرط على مستوى الفئة العمرية، أو امتلاك الخبرة أو النشر سابقا. * حدثينا عن إمكانية نقل مهارات الكتابة إلى آخرين وتعليم الكتابة خصوصا أن الإبداع لدينا مقصور على الوحي والإلهام بعيدا عن التجريب والتثقيف. - لقد كنتُ أوّل من أشار إلى قصر العملية الإبداعية في الذهنية العربية على الوحي والإلهام. كأني بي كنت أريد الدفاع عمّن يهاجم فكرة التعلّم والتثقيف والاجتهاد، لصالح الموهبة الصرفة الناجزة. يجب أن نكون متواضعين وأن نعترف بأننا شعوب لا تقرأ، أننا بتنا نحيا خارج الزمن، وأننا لا نساهم في صنع الحداثة ولا في إنتاجها. وهذا ما يجعلنا ربما، في جانب إيجابي ضئيل، متعطّشين كالتربة اليابسة إلى المعرفة والثقافة والفنون، قادرين على امتصاصها واستيعابها، وصولا إلى إنتاجها. نحن كثيرو الموهبة، إلا أنها موهبة فجّة وخام، تحتاج صقلاً واشتغالاً ودعكاً لكي تدبّ فيها الحياة. دونما تطوير وتهذيب وتثقيف، لا تساوي الموهبة شيئاً، بمعنى أنها تبقى نطفة لا تتحوّل بيضة، أو بيضة لا تعطي مولودا. تحتاج الموهبة إلى ما يجعلها ابنة عصرها لكي تحاكي وتضاهي ما يُنتج في العالم من آداب وفنون. يكفي على سبيل المثال أن نشير في هذا المجال إلى فترات النهضة التي عرفها العالم العربي، وأن نتذكّر علاقتها بازدهار حركة الترجمة فيها، لإدراك أهمية ما نحن بشأن الحديث عنه. * ألا تخشين من إشكالية تشابه النسخ في الأعمال المنجزة ؟ - تكفي قراءة الروايات الثلاث التي أنتجها المحترف وذكرتها أعلاه، لاكتشاف استحالة التأثير على كاتب مبتدئ أو شاب. هذا بحدّ نفسه منافٍ لطبيعة الكتابة. ثم أن لا أحد يعلّم طريقته في الكتابة. فالكتابة هي أولا عملية معقّدة يستعصي تفكيكها وتحليلها، وهي ثانياً شبيهة بالمدّ والجزر أو بصراع بين ما يقرّره الكاتب وما تفرضه عليه الكتابة، وهي ثالثا عملية تجري على تخوم الوعي واللاوعي، أي أنها مزيج غامض التركيبة، متعدّد المستويات، مدروس وارتجالي في آن. فكيف تريدين لي أن "أعلّم" طريقتي في الكتابة ؟ على صعيد آخر، أنا لا أعطي محاضرات ولا ألقي دروساً جامعية في إطار ورش الكتابة الإبداعية، بل أعمل مع المشاركين على مادة حيّة هي مشروعهم الكتابيّ النابع من ثقافتهم وحساسيتهم وتجاربهم هم. * (محترف الكتابة ) تجربة شهدتها دول غربية، فما مدى الاستفادة من هذه الورش مستقبلاً وتفعيل دورها؟ -لا أخفيك بأنني أحلم بتأسيس فضاء يمكنّني من استقبال كتّاب شباب من مختلف البلدان العربية، والعمل معهم ضمن الورشة الواحدة. أنا أحلم بتأسيس "دارة المحترف"، مصنع إبداعي يحرّك مياه ثقافتنا الراكدة، ويعيد الثقة والأمل إلى كتّابنا. نحن نحتاج إلى خلق حركة ما تضع مبدعي الغد على تواصل فيما بينهم. ينبغي لنا أن نخلقه هذا الفضاء، وأن نخلقها نخبنا. لا يجوز أن نتراجع ثقافياً على هذه الشاكلة. بتنا وكأننا قد وقعنا من على سطح الكوكب إلى هاوية لا تني تزداد عمقا وظلمة. اليوم، التبادل الثقافي وهو عماد كل تطوّر وتقدّم محصور ضمن مناسبات قليلة من نوع المؤتمرات الأدبية والثقافية، أضيفي إلى ذلك انعدام الصلة بين الكتّاب أنفسهم وغياب الحوار بين جيل مبدع وآخر. لا ينبغي أن نروّج لثقافة "الاستعراض"، تلك التي تبرق وتلمع وترعد، في حين أنها لا تنتج إلا الخواء. أنا أحلم بمصنع إبداعيّ وأعرف أن حلماً كهذا لا يتحقّق بمجهود فرد وحده، إذ يقتضي دعماً وتمويلاً يضمنان استمرارية المحترف وتحويله فضاء دائماً ومشرّعاً أمام أحلام الشباب. ثمة أحلام تتحقق فتزداد سعةً وألقاً ، وأملي أن يكون "محترف كيف تكتب رواية – للأب والمسرح والسينما" من بينها.