تعتبر التوجهات من أهم الركائز التي يعتمد عليها التأثير في تعزيز مستوى القناعة حيال هذا الشأن أو ذاك وبالتالي فإن المحصلة تكمن في تطويع الرؤية والتوجيه في ضوء المعطيات التي تفرض حضورها لاسيما اذا وافقت المعتقد وتطابقت مع المبدأ كسلوك سوي يتناغم مع الأبعاد الايجابية لدور القيم في تأسيس الصيغة المثالية للتعاطي والتفاعل بدرجة اطمئنان تترجم الرضا وتجنب النفس تقاطعات تسهم في إرهاق الضمير ، غير ان التأثير لا يمكن السيطرة على إفرازاته مالم يواجه بتأثير يضاهي مستواه ويتفوق عليه ، في حين ان الاعتبارات المنطقية ستسند الرؤية الصائبة والسلوك الإيجابي ، بموجب الالتزام بالمبدأ كخيار قوي يمكن الاستناد على مفعوله في اطار سلامة التمرير وبأدوات تسهم في استمالة كل أمر جميل يدعو الى الخير وينادي به ، وكل إنسان يؤثر ويتأثر وهذه طبيعة الخليقة منذ خلق الله آدم عليه السلام فتتشكل الطباع والرؤى والأفكار في ضوء الأثر الذي يترك البصمات ليترجمها السلوك من خلال الأقوال والأفعال ، فالتأثير وسيلة من وسائل التعليم ، فكيف سيتعلم الطفل ما يضره وما ينفعه إذا لم يخضع لهذا العنصر ، وهكذا يكون النظر لهذا المحور كوسيلة فاعلة في ترسيخ التوجيه وصياغة الأفكار والاستفادة في حال كان التأثير إيجاباً بمعنى أن الهدف من التأثير هو المعيار لتحديد المضمون . وما إذا كان يدعو إلى الخير والعمل به أو إلى الشر وتركه ، من هنا تأخذ المسألة بعداً أشمل كونها ستخترق السياق الفكري والأخلاقي للبنية التي تؤُسس في ضوء المعطيات الدافعة للاهتمام بهذا المنتج أو إهماله ، وفي واقع الأمر فإن السيطرة على ماهية التأسيس لم تعد متاحة بحال من الأحوال في وقتنا الحاضر ، حيث التقارب بين ثقافات الشعوب المختلفة بات سهلاً من خلال الطفرة التقنية لوسائل الاتصال المختلفة ، أي أن الكرة لم تعد في ملعب التربويين بقدر ما اتسع الملعب ليحتضن المشارب المختلفة ولاعبين جدداً ، فالرهان حالياً على مدى حرفية الأدوات المستخدمة في بلوغ الأهداف النبيلة ، لأن الأدوات المقابلة ستستغل! القدرة في التوغل ومحاكاة الأحاسيس لاستمالة الرغبة وبالتالي تطويع قدرة التأثير في الانحراف عن المسالك السوية ، وأسوق مثالاً بسيطاً لما سبق ذكره وهي المسلسلات والأفلام التي يقذف بها الفضاء بين فترة وأخرى ، وبطبيعة الحال فإن هذه المسلسلات تنقل الثقافات المختلفة لصيغة البيئة التي تخرج منها ، وبالتالي فإن ما يرد من خلالها لا يعبر بحال من الأحوال عن همومنا وإن كان بعضها بشكل أو بآخر يشير إلى مكامن الضعف – إن جاز التعبير – عن أمور مسكوت عنها أو لم يتم التنبه لها ، ولامسها هذا المسلسل ليستوعب الفراغ ، بصيغة تملأ هذا الجزء الفارغ ليكون التقبل لهذا النمط هو السائد في ظل عدم تغطية هذا الجزء المهمل او الاقتراب منه . دعوني أقترب أكثر وآمل أن أكون واقعياً في تحليلي بمعزل عن نبرة القدح والذم التي لا تجدي . اذ تجد بعض المسلسلات والأفلام ضالتها بالعزف على أوتار الفراغ العاطفي الذي يفتقر إليه المجتمع الشرقي ، فكانت ألحانها أقرب إلى الإطراب ، خصوصاً في ضخ الكم الهائل من الرومانسية المغرقة في التعامل السلس بين الجنسين متكئة على تهذيب السلوك في هذا الجانب ، أو بالأصح الدلال المفقود ، وقطعاً يظل عنصر المبالغة بهذا الصدد محوراً رئيسياً في القدرة على التمرير والتأثير ، هذا شأن كل منتج إعلامي طموحه الهدف المادي بالدرجة الأولى ، ضارباً بالقيم عرض الحائط . وهنا تكون ذات المتلقي منقسمة مما يشكل انفصاماً في تقييم التأثير ذاته بين الرفض والقبول ففي الوقت الذي يقبل فيه المتلقي طبيعة العلاقة بين الطرفين وفق ضخ المزيد من جرعات الدلع أو التدليع ، فإنه في ذات الوقت يرفض التجاوزات الأخلاقية تلقائياً لأنها تتقاطع مع قيمه ومبادئه ، أي أن المسالة تمر عبر فلترة فيتمنى أن يشاهد الجزء الجميل . وهو الذي يشبع رغباته بهذا الخصوص ، ويتحرج ويستهجن مشاهدة الجزء السيئ إلا أنها مرتبطة ببعضها البعض ، وهذا أخطر ما في الأمر ، أي أنه سيأخذ البضاعة كاملة بصلاحها وفسادها أو يرفضها ، هنا يكمن الاختبار القاسي لمدى الالتزام والحرص على المحافظة ، في إطار الشد والجذب بين الاستمتاع والاستهجان وكلا الأمرين يقبع في أفئدة االمشاهد ، إن تنمية تحصين الذات تتم من خلال هذه الاختبارات التي تفرض علينا بين الحين والآخر ، ومحور النجاح يتمثل في تعزيز الاستهجان المنبثق من واقع الرؤية المتزنة للخطأ والصواب ، والتفريق بين الغث والسمين حتى في المسلسل الواحد أو في أي منتج إعلامي يقذف به الفضاء، أنت من يحاسب نفسك ، وهذا المحك فنجاح الإرادة بقوة العزم على البقاء قوياً واجتياز الاختبار بنجاح يكمن في مدى خشيتك من خالقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة . خلاصة الحديث أن هذا الحراك الحضاري بوتيرته المتسارعة وبأساليبه المتنوعة ، لم يكن سيئاً بالمجمل ولا حسناً كذلك والعبرة في استخلاص النتائج وتحصين الداخل ، وأعني بذلك زرع الثقة بمفهوم الصح والخطأ ولماذا كان الصح صحاً وإلى ماذا يؤدي ، والخطأ خطأ وإلى أين يؤدي ،ولاريب ان الشركات المنتجة سواء كانت موادَّ اعلامية أو أجهزة مختلفة يقع على عاتقها مسؤولية الالتزام بالمعايير الأخلاقية بل ان الحكومات مطالبة بالتشديد على تطبيق هذا الالتزام ،لا زالت ولله الحمد الحواجز الإيجابية تصد كل ما هو شاذ وترفضه وتؤدي دورها بهذا الصدد ، في حين أن تعزيز هذا الدور يكمن في ارتفاع مستوى المعرفة ، والإحاطة بالسلب والإيجاب من منطلق قناعة المؤمن الواثق بربه وحيائه من معصيته.