بموضوعية شديدة وبعيداً عن العاطفة الشخصية، أستطيع القول بان المملكة والمنطقة خسرت علما من أعلام السياسة والفكر والأدب والشعر. غازي القصيبي كانت حقيقة، شخصية فريدة وهو يجمع كل هذه المواهب والاهتمامات. وحينما ينبري المؤرخ لكتابة تاريخ المملكة، إنه سوف يفرد لغازي القصيبي صفحات واسعة؛ سواء كان ذلك على صعيد التنمية الوطنية فهو من مؤسسيها سواء كان ذلك من أفكاره وتنظيراته أو من خلال الأعمال التي تبناها. بعد إدارته في سكة الحديد، تولى وزارة الصناعة والكهرباء، مؤسسا لهذا المستوى من الأداء الكهربائي المتميز الذي نعيشه اليوم، وكان ذلك متزامنا مع انطلاق المملكة على الصناعة الوطنية، من خلال شركة سابك التي كان غازي فخورا بأن تكون واحدة من انجازاته. أما في وزارة الصحة فكان لعواطف غازي ووطنيته وإنسانيته الأثر الكبير في محاولة نقل هذا القطاع المترهل إلى ما كان ينبغي أن يكون عليه. وأتذكر ذات يوم وأنا أزوره في مكتبه وهو غارق في العديد من الإشكالات والمعالجات، توقف ليقول لي: فقط امنحوني خمس سنوات وسوف تشهدون مستوى طبيا راقيا ينعم فيه المواطن بالخدمة المستحقة له. وحينما جاء إلى وزارة المياه حاول بكل ما يستطيع أن يعطي هذا القطاع اهتمامه بالمحافظة على الثروة المائية. وفي وزارة العمل حاول بمرارة أن يقضي على ظاهرة البطالة ومحاربة تجار الفيز. في الأدب يعد غازي شاعرا مجددا ليس على صعيد المملكة، وإنما على صعيد الخليج والوطن العربي برمته. ديوانه (معركة بلا راية) كان أول صرخة شعرية جاءت بعد النكسة لتحلل برؤية شعرية متمكنة ما أسباب الهزيمة. وكان لتخصص غازي في العلاقات الدولية الأثر في تشكيل أو إعطاء بعد جديد على الثقافة السعودية، ولذلك عرف غازي كمعلق سياسي في التلفزيون السعودي. وأتذكر انه يعلق على الأحداث في القناة الأولى منتصف السبعينيات أيضا في جريدة الجزيرة التي خصها بصفحة أسبوعية عنونها باسم الحقيبة الدبلوماسية. شعريا الحديث عن غازي يطول وكتابه سيرة شعرية يعبر عن صميم هذه التجربة التي جمعت ما بين الأصالة التعبيرية والانفتاح على المدارس الشعرية في العالم والإعلام العربي. روائيا لو لم يتقدم غازي القصيبي بروايته (شقة الحرية) لتعثر طريق الإبداع الروائي في المملكة العربية السعودية. أنا أزعم أن شقة الحرية هي التي أعطت الضوء الأخضر لبعض المواهب السعودية للإعلان عن مواهبهم. أما في الأدب السياسي، يكون غازي قد ختم حياته بكتابه المبدع والفريد في بابه وهو كتاب (الوزير المرافق) وهو عبارة عن تسجيل لمرافقته عددا من أبرز زعماء العالم والتقائه بهم أثناء الزيارات الملكية. أما عن علاقتي به، فلحسن حظي أن تربطني به علاقة، منذ أن كنت طالبا في الجامعة وهو أستاذ في كلية التجارة. ومنذ أول لقاء إلى آخر لقاء ليس لي، إلا أن أنبهر بإنسانية هذا الرجل الكبير وبحبه للناس وللأصدقاء وللوطن الذي أفنى الدكتور غازي حياته في خدمة هذا الوطن.