تزامَن إقرار الخطة التاسعة مع صدور بيانات عن عدد السكان الوطنيين والمقيمين، وحين تتجه هذه الخطة لتطوير الموارد البشرية، فإن تزايد أعداد السكان بنمو اعتبر الأول في العالم، يعني أننا أمام فرص لتنظيم التعليم والتدريب ليذهب الخريجون إلى سوق العمل، ولعل الإنفاق الحكومي الذي تجاوز التريليون ريال في أكبر خطة في تاريخ المملكة، يجعلنا أمام التزامات عديدة. فالدوائر الحكومية، والقطاع الخاص عاجزان عن أداء دورهما في التنمية، الأولى بسبب نظمها وقراراتها العتيقة، والآخر بسبب ضآلة مستواه وتجربته، وفي كل الأحوال، لابد أن ترافق هذه الخطة ليس فقط فرض قرارات ملزمة لمكافحة البطالة بين المواطنين، وإنما إجراء تغييرات جوهرية في بنية الإدارة الحكومية التي لاتزال تعتمد فكراً غير خلاق أو متطور، وكذلك تعديل مسار القطاع الخاص الذي أصبح بدلاً من أن يكون أداة تطور ، ومساهماً مباشراً في التنمية الواسعة، نجده يتحرك داخل محور الربح السريع، والاستثمار في قطاعات غير استراتيجية، إلى جانب المساعدة في تفشي البطالة بدعاوى إحلال الأجنبي العامل مكان المواطن الخامل، وهي معادلة ثبت بطلانها، مع أنه هو القطاع الذي حظي بامتيازات القروض الحكومية، ورفع الجمارك، والامتيازات الكثيرة التي جعلته أكثر دلالاً من أي قطاع في دول أخرى! فإذا كانت الدولة تنظر إلى الإنفاق لدواعي رفع مستوى المعيشة، والتنمية المستدامة بحيث لا يحصران بمنطقة أو جهة، وزيادة نصيب المواطن من الناتج المحلي ووصوله إلى 53.2 ألف ريال، إلى جانب العديد من محفزات التنمية، فإن القضاء على البطالة بشقيْها النسائي والرجالي يجب أن لا يخضع للدعوات وانتظار الحسنات من القطاع الخاص، بل لابد من تخفيض نسب الاستقدام ورفع الرواتب، وعدم السماح بالحصول على تأشيرات، إلا لمن يساهم في التنمية، ولا يكون عالة عليها وخاصة العمالة الأمية والهامشية.. فالقضية أن دور الدولة أمام هذا الحجم من الإنفاق يأتي في الدرجة الأولى للتنمية البشرية، فإنه من غير المنطقي أن يصل حجم العمالة المستوردة إلى ما يقرب من تسعة ملايين، بينما تقابله بطالة عشرة في المائة من المواطنين، ومن هنا فإن إيجاد فرص العمل من خلال مشاريع الدولة التي تعد المموّل الرسمي، يضعها أمام حقيقة أن القطاع الخاص يظل طفيلياً وإلا فانظروا فقط للشركات التي أُلزمت بمشاريع تتعدى مئات البلايين، كم درّبت، وكم وظفت، وما تأثيرها على الاستعانة بالمنتج الوطني من السلع المختلفة؟! وطالما هذه الشركات خارج المراقبة والمساءلة، فإن تبني سياسة عدم الإضرار بالمقاول يجب أن يتساوى بعدم الإضرار بالمواطن.. نحن في مواجهة مرحلة هائلة في تاريخنا، ولعل هذه الخطة وحدها، لو نفذت بمستوى تطلعات الملك عبدالله وحكومته، فإن أمامنا مستقبلاً كبيراً، ولكن، وكما نكرر دائماً، بأنه ما لم يرافقها تعديلات شاملة لنظم الدولة وتشريعات للقطاع الخاص، والاعتماد على القوة البشرية الوطنية، فإننا سنواجه ما يعاكس هذا الأمل والذي ندعو الله أن لا يحدث..