ربما ازدحم الفضاء بسيل الأفكار والطروحات، وتتابع موج الدعوات الفكرية والسياسية والقيميّة مما أدى لاجتزاء الحقيقة أحياناً وغيابها أخرى وتشويه بعض المعاني أحايين كثيرة . وهنا تبرز الحاجة للكتابة عن جوهر بعض الأحاديث التي يتجاوز فيها أقوام العدوان على جسد المجتمع وكيانه الإداري إلى روح البلاد وجوهرها وأسّ قيامها. إن بعض الأحاديث تخرج أحيانا من كوّة الاستحياء والتوجس وبعضها ينشر ويذاع بشكل يتناول الثابت وليس المتغير ، ذلك يؤكد أن ثمّة حاجة للتنبيه على أهم الأصول والقواعد التي قامت عليها بلادنا المملكة العربية السعودية وبها مكمن القوة و الثبات والاستمرار، مع العز وضمان تجاوز كل خطر محتمل بإذن الله تعالى. حقيقة الأمر يا سادة أن هذا الكيان الراسخ المملكة العربية السعودية لم ينشأ صدفةً أو يوجد بدعم خارجي أو حلف دولي وإنما قام على الأسس التي جعلها الله بذرة التمكين والسيادة، والتي سُقيت بدماء الرجال الأوفياء الذين نبتوا من قلب هذه الجزيرة بطيبها ونقائها ووضوحها وشظفها وركبوا كل صعب وبذلوا كل نفيس إلى أن وصلت هذه البلاد لمكانتها بعد النشأة الطيبة والحلف المحفوظ برعاية الله إبّان قيام الدولة عندما رفع إماما الدعوة محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله شعار إعادة الأمة لنقاء التوحيد، وصفاء الحنيفية، وتجديد الدين وأعليا راية الحق والقوة – والدعوة والإصلاح – والعدل وحفظ الحقوق ، ثم كان ولا يزال ولاة الأمر وعامة الناس وخاصتهم يراعون سر القوة في الدولة وأنه في بقائها على أساس المعتقد والشريعة التي جمعت الناس وألّفتهم حولها وجعلتهم يقدمون حمايتها ونصرتها على أنفسهم وأبنائهم ، وصارت البلاد مضرب المثل في الوحدة والخير ، فنزل عليها فضل الله ومعونته ، وحفظها الله من كل مكيدة مرّت وأزمة أطّلت. هذه البلاد قامت على الإصلاح في باب العقيدة فأعاد ولاة أمرها الناس إلى ما كان عليه أصل دعوة الرسل وخاتمهم صلى الله عليه وسلم، وقامت على الإصلاح في باب السياسة والإصلاح في الاجتماع والتعليم والاقتصاد وغير ذلك .. ولقد كان البدء بالدعوة السلفية الصادقة التي طابقت مكوناتها نصوص الشريعة تماماً وقدمت النص الشرعي في كل حال بمنهج أقرب لما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من منهج هذه البلاد ولقد تتابع الإصلاح فيها على أيدي ولاة الأمر جميعاً دون تفريق بينهم وكان التميّز في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يعاضده سمو ولي العهد وسمو النائب الثاني .. إن الأمم اليوم والدول أضحت تبحث عن جذور عقائدية أو فكرية تنطلق منها وتتقوى بها، وغدا البحث عن المحتوى الفكري للمشروعات الحضارية مرتكزاً أساساً لتعزيز قيمته واستمداد قوته ، ونحن نملك المعين الصافي والمنطلق الأقوى الذي أثبت نجاحه عبر قرون متطاولة كأساس لقوة الدول التي قامت به ونافحت عنه وهو العودة لأصول الإسلام وفق منهج السلف صافياً عزيزاً. ومن الخطر القفز على الأسس واللعب بالثوابت وطعن البعض بلادنا مستهدفاً جذر وجودها الإسلامي وجوهر روحها ، وقد يعلم البعض ويجهل آخرون أنهم يعرضون مصدر قوتنا وثباتنا للكوارث ويزرعون في الأرض أشواك الفرقة والاضطراب ويحرضون طوائف الضلال. وقد لايدري البسطاء أن اللمز الذي يُسمع ويُقرأ بين آونة وأخرى متضمناً عبارات: الوهابية أو وصاية الدين - وحكم الكهنوت – وغيرها كلها مصطلحات تستهدف تشويه المحتوى العقدي والفكري لنظام هذه البلاد وزعزعته في قلوب الناس حتى ينفذ المستهدفون لأغراضهم الساعية لتقويض المجتمع من خلال النيل من رمز التأسيس وجوهر البقاء وإلا فما الوهابية التي يشوهونها إلا سنة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بشمولها ونقائها ورحمتها وكتب علماء هذا المنهج بدءاً بالإمام المجدد محفوظة وشاهدة وتتفق مع أصول الإسلام وفروعه عقيدةً ومنهج حياة. وحقيقة الخصومة هي في مناهضة الإسلام وليس ما دونه من المسميات . وربما لن يكون آخر أسلحة الهجمة على بلادنا استهداف منهج السلف وتشويه الصفحات المضيئة من تاريخنا العابق بالتضحيات والبذل . أو لمز رموز الأمة من ولاة الأمر وكبار العلماء الذين هم محل الثقة ومرجع الناس في الأزمات ، ويُرى من البعض تنقصهم ومحاولة تشويه صورتهم بلسان العدو أحياناً وأخرى بصفة الناصحين. تلك معاني تستدعي التنبه والتزام المنهج الشرعي في القيام بحق ولاة الأمور والعلماء والدفاع عن بلادنا وأركان قيامها وأسسها بعلم وبصيرة من الجميع علماء وكتاب ومثقفين وساسة كما تفعل الأمم بمرتكزاتها ونبذ الغلو والتفريط والإيمان بأن هذه الدولة محفوظة بحفظ الله ما دامت على هذا الحق الذي قامت عليه (ولينصرن الله من ينصره..) ذلك ما دعاني للكتابة في هذا الشأن مع أنه ينبغي ألا نتبرم من المدافعة بين الحق والباطل فهو أمرٌ أراده لله قدراً (( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض ..)) ودمتم موفقين.