من يشاهد حرص وحذر سائقي المركبات هذه الأيام في المناطق التي يغطيها مشروع ساهر لضبط المخالفات وإدارة الحركة المرورية يعلم أن هناك تغييرا بدأ يتشكل وسينمو بشكل تدريجي ومنظم في كل مايتعلق بالسلوكيات المرورية وثقافة احترام النظام والحرص على سلامة الناس والمركبات، ومن مظاهر هذا التغيير أو التطور نحو الأفضل أن المشروع أصبح حديث الناس في المجالس وخاصة مجالس الشباب بخلاف البرامج التقليدية المستهلكة في أسابيع المرور على الرغم مما يصرف فيها من وقت وجهد. النظام لا يستثني أحدا ولا يعرف زيدا أو عبيدا من الناس، وهو ما أكده العقيد عبدالرحمن المقبل مدير إدارة المرور في الرياض الذي أقسم بالله في حديثه للحياة بأن هذا النظام لا يستثني أحدا مهما كان هناك أمران بارزان في هذا المشروع يشكلان قيمة مضافة إلى المشروع الأساسي الذي يهدف إلى ضبط المخالفات وإدارة الحركة المرورية بكل مايتضمنه من تقنيات عالية وقدرات بشرية ذات كفاءة وتدريب، الأمر الأول: هو أن النظام لا يستثني أحدا ولا يعرف زيدا أو عبيدا من الناس، وهو ما أكده العقيد عبدالرحمن المقبل مدير إدارة المرور في الرياض الذي أقسم بالله في حديثه للحياة بأن هذا النظام لا يستثني أحدا مهما كان، وجميع الناس سواسية ولا يوجد فرق بين كبير أو صغير فيما يخص تطبيق النظام، وأن كل ما يقال حول هذا الموضوع غير صحيح إطلاقا، وأن لديهم في مرور الرياض ما يثبت تحرير مخالفات ضد من لا يتوقع البعض أن يشملهم النظام، كما أن كل شخص يخالف النظام هو تحت طائلة القانون وليس هناك أحد فوقه، وهذا قسم عظيم كما نعلم، ولعل قسم العقيد الذي لا أشك أبدا في صدقه وجديته لايغطي فقط مرور الرياض وإنما نتعشم أن يغطي جميع مناطق المملكة، كما أن قسم العقيد يردّ بطريق غير مباشر على صورة تعميم انتشر في رسائل ومواقع الانترنت لم يتم التأكيد على صحته أو زيفه منسوب للقوات الخاصة لأمن الطرق إدارة شؤون الدوريات يتضمن سبعة ضوابط لسلامة الإجراء في حالة تحرير المخالفات المرورية أو تسجيلها في الحاسب الآلي ينص البند الأخير منها على ملاحظة عدم تسجيل أي مخالفة على الشخصيات المعتبرة نظاما ورسميا بن فيها الدبلوماسيون والقضاة، فجاء قسم العقيد ليقطع الشك باليقين في الوقت المناسب، لأن الناس لو صدقت هذا التعميم الموزع على الإنترنت سواء كان حقيقيا أو مزيفا لفقدت الثقة بعد ذلك في أي نظام يصدر، ولظهرت هناك آثار جانبية لا تخفى على كل ذي لب حصيف. والأمر الآخر هو مرونة هذا النظام في الجانب الإنساني فعلى الرغم من صرامته وضبطه إلا أنه يحرص على توصيل رسالة أن حصر المخالفات وتوقيع الغرامات هو أمر وقائي وليس انتقاما من السائق، وهذه الرسالة التي وصلت إلى الشباب ويتحدثون عنها برضا فيما بينهم بأن توقيف المخالف لايتم كما هو في السابق على طريقة المجرمين والمطلوبين بدفع السائق إلى حافلة وحشره مع الباقين في نفس اللحظة وتوقيفه ليوم أو أكثر في أماكن غير لائقة بل أصبح من حق المخالف أن يجمع أيام توقيفه ويختار الوقت الملائم له ويذهب طوعا ليقضي فترة توقيفه قبل تسديد المخالفات وبعد أن يكون قدر رتب أموره والتزاماته، وحين يتحدث الشباب برضا عن ذلك وهم بحكم طبيعة عمرهم أكثر ضيقا وتبرما من صرامة الأنظمة فمعنى هذا أن المشروع قد نجح في مراعاة الجانب الإنساني دون التنازل عن دقة التطبيق، ويقدم المشروع بذلك نموذجا مختلفا عما عهده الشباب من الدوريات في أيام ضبط جوالات الكاميرا، والشعور الكدش من سوء تعامل وعدم مراعاة أبنائنا في كل مراحل النمو النفسي بما فيها من اندفاع وتهور وحب للتجريب، ولذلك من الطبيعي أن يتبادل الشباب المعلومات عن أماكن وجود كاميرات ساهر ووسائل التحايل عليها، ولا داعي لاتهام الشباب "بسطحية التفكير" أو أنه "ليس لديهم أدنى عقل أو ثقافة". ذكر لي مرة أحد الصحفيين البريطانيين ممن قضوا وقتا في السعودية بأن لديكم أنظمة وقوانين جيدة وضعها خبراء سعوديون وأجانب على درجة عالية من الكفاءة لكن المشكلة تكمن في التطبيق بالتساهل أو عدم المتابعة أو بالاختراقات والاستثناءات، وتذكرت كلامه في ثلاثة مواقف: الأول في جملة خادم الحرمين الشريفين الشهيرة في تحقيقات كارثة سيول جدة "كائنا من كان"، والثاني في قسم العقيد، والثالث وأنا أقف أمام طاولة السفر في الصالة الشمالية في مطار الملك عبدالعزيز بجدة مسافرا على الخطوط القطرية إلى الدوحة حيث كان موظف الخطوط يشترط على المسافر حمل حقيبة واحدة لا تزيد على ثمانية كيلوغرامات والبقية تشحن ولا يمكن اختراق هذه التعليمات التي يتابعها الموظفون بدقة إلى باب الطائرة، وفي رحلة أخرى في صالة الخطوط السعودية في المطار نفسه يحمل الركاب ما يشاؤون وبعضها حقائب لا تستوعبها كبائن الأمتعة الشخصية ويضطر الركاب إلى الانتظار في ممرات الطائرة وتوزيع الحقائب على أجزاء مختلفة منها أو يقوم أحد أفراء الطاقم الملاحي بالبحث لها عن مكان هنا أو هناك. يتحدث بعض الناس عن أن المواطن لا يلتزم بالنظام وهذا اتهام سهل ومجاني، فالمطار هو المطار والمدينة هي المدينة والزمان هو الزمان والنظام هو النظام فلماذا نلتزم بالنظام أمام طاولة الخطوط القطرية ولا نلتزم بها أمام الخطوط السعودية وكلتا الشركتين منضمة إلى منظمة إياتا وتطبق التعليمات نفسها؟ لكن الاختلاف يكمن في أن هناك من يحرص على تطبيق النظام ويجبر الآخرين على احترامه وهناك من يتساهل في تطبيقه ويتيح للآخرين عدم احترامه، ولهذا السبب يقول العقيد المقبل إن 65% من المخالفين منذ تطبيق نظام ساهر هم من الأجانب، بينما نراهم أكثر احتراما للأنظمة في الإمارات وعمان مثلا دون التطرق إلى دول أوروبا وأمريكا أو الشرق والغرب البعيدين. يتندر البعض بأن النظام وضع لاختراقه لكن الصحيح أن النظام لا تكمن قيمته في تكلفته أو أسماء الخبراء الذين وضعوه فقط أو في وصفه بأفعال التفضيل كلها "أحسن وأجود وأروع وأحدث وأول" وإنما قيمته الأولى في احترامه وعدم اختراقه، واحترامه يكون بتطبيقه على الجميع دون استثناء وعدم التساهل أو التراخي فيه بعد فترة، وبدون ذلك يصبح مجموعة من الأوراق المطبوعة جيدا والمجلدة بأناقة ثم توضع في أرفف الإدارات.