في عداد «صورة الآخر في شعر المتنبي» يدرس الدكتور محمد الخباز (باحث من السعودية) صورة المرأة في شعر المتنبي. يلاحظ بدايةً أن المرأة في التراث العربي ليست بأحسن حال منها في تراث الحضارات السابقة. فالنساء ناقصات عقل، والنساء أوثق سلاح إبليس، وهنّ حبائله التي يصطاد بها الرجال. ولذلك فعلى الرجال الحذر منهن، وعليهم عدم مشاورتهن، وعدم إطاعتهن على حال، أو ائتمانهن على مال، وهن شرّ كلهن وشر ما فيهن أنه لا بد منهن، وهنّ ضلوع عوجاء.. وقد كان العرب إذا أرادوا ضرب المثل بضعف رأي وخطله قالوا عنه رأي نساء. صورة الغلاف كما يلاحظ أن المتنبي هو الأكثر كفاءة على التعبير عن النظرة أو الصورة التي كانت للمرأة في عين الذكر، أو الثقافة الذكرورية. ولأن المجتمع العربي القديم شهد امرأتين الأولى حرة يندر أن تخطو خطوة واحدة خارج البيت، والثانية جارية أجنبية لا قيود عليها، فإن بامكاننا أن نستكشف ملامح المرأة العربية، أو الحرّة في قصيدة المتنبي، ولتكن قصيدته في رثاء خولة أخت سيف الدولة، خولة هي المرأة التي سكنت قلب أبي الطيب، كما يقول محمود محمد شاكر، فأحبّها ومن الطبيعي أن يخلع عليها أحسن الصفات التي يمكن لامرأة أن تنالها من فحل. سيضعها في أعلى مرتبة يمكن لامرأة أن تصلها في ظل ثقافة ذكورية. ولكن واحّر قلباه! فمن أبرز ملامح صورة المرأة الحرة الشريفة من خلال قراءتنا لقصيدة المتنبي في خولة هي التبعية للرجل. فالمتنبي يبدأ قصيدته مخاطباً حبيبته خولة بقوله: يا أخت خير أخ يا بنت خير أب كناية بهما عن أشرف النسب يلاحظ على المستوى النحوي أنه جعل موقع المرثية مضافاً في الحالتين: فهي (أخت) خير أخ، و(بنت) خير أب، أى أنها مضافة لأخيها ولأبيها. وفي هذا على المستوى الدلالي إشارة إلى تبعية المرأة، وأنها لا يتصوّر أن تكون مستقلة بنفسها. والقاعدة في الثقافة الذكورية هي أن الرجال أفضل من النساء، ولكن لهذه القاعدة شواذ كما يشير إلى ذلك المتنبي في قصيدته التي يرثي بها أم سيف الدولة: ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال ويشير إلى هذا المعنى أيضاً في نفس قصيدة خوله، حيث يتحدث عن (البيض واليلب) وهما ما يلبسه الرجال فوق رؤوسهم، فيقول انهما - أي البيض واليلب - حينما يرون خولة لابسة مقنعها يرون أن المقانع أعلى منهم في الرتبة. مسرّة في قلوب الطيب مفرقها إذا رأى وحسرة في قلوب البيض واليلب إذا رأى ورآها رأس لابسه رأى المقانع أعلى منه في الرتب فالبيض واليلب رمز للرجولة التي هي أفضل من المقانع رمز الأنوثة، ولكن قد يحدث لهذه القاعدة شواذ كما في حالة خولة. والمرأة في الثقافة الفحولية لا تملك من صفاتها الأنثوية الخاصة بها ما يفضلها على الرجل، إنما عليها بما أنها رجل ناقص - كما يشير فرويد - أن تتحلى بصفات الرجال. تلك الصفات التي يجري التفاضل بموجبها، لتكون مثل خولة المتنبي التي أصبحت تتحلّى بصفات الرجال. فهي تخلع وتهب وتغيث وترعى حرمة المجد والقصّاد والأدب. يقول المتنبي في خولة: كأن خولة لم تملأ مواكبها ديار بكرٍ ولم تخلغ ولم تهب ولم ترد حياة بعد تولية ولم تغث داعيا بالويل والحرب بلى وحرمة من كانت مراعية لحرمة المجد والقصاد والأدب فالمتنبي لا يجد في خولة وصفاته الانثوية التي تكوّن شخصيتها كأنثى مختلفة عن الرجل ومستقلة عنه، ما يجعله يحترمها، ويحبّها هو (ترجّلها) بتحليها بصفات الفحول الرجال: ولا ذكرت جميلاً من صنائعها إلا بكيت ولا ود بلا سبب والمتنبي يرى أن المرأة أفضل من الرجل إذا كانت أكثر رجولة منه، وهي لا تستحق الثناء إلا إذا اتصفت بصفات الرجال. وهو لا يكتفي بالثناء على صفات الرجولة في الأنثى التي يرثيها، بل إنه يتكلم عنها أحياناً بضمير المذكور من فرط احساسه برجولتها، كقوله في عمة عضد الدولة: استغفر الله لشخصي مضى كان نداه منتهى ذنبه وكان من عدد احسانه كأنه أفرط في سبه يحسبه دافنه وحده ومجده في القبر من صحبه ويظهر التذكير في ذكره ويستر التأنيث في حجبه فالمرثية يجب أن تنزه عن كونها أنثى. فالأنوثة مرتبطة بالدونية، والرجولة مرتبطة بالفوقية. ولذلك علينا أن نستر أنوثة المرثية، ونظهر رجولتها التي هي مصدر شرفها وفخرها وبلوغها المعالي. يقول المتنبي في خولة: وإن تكن خُلقت أنثى فقد خُلقت كريمة غير أنثى العقل والحسب وهذا تصريح واضح بالنظرة الدونية لعقل الأنثى. فهو يُنزه خولة أن يكون لها عقل أنثى. فالعقل رجل والعقل للرجل، أما المرأة فعقلها ناقص. وكذلك فهو ينزه حسبها أن يكون حسبا أنثى، لأن الأنوثة مرتبطة بالدونية. ولذلك فيجب أن يكون حسب خولة ذكراً كناية عن علوه وشرفه، ذاك أن الذكورة مرتبطة بكل ما هو فوقي في الثقافة العربية، كما يقول الباحث. على أن المرأة تملك المبادرة أحياناً، فلا تخضع لسلطة القبيلة، ولكن كيف؟ ليس الرجل وحده من يزور في الليل خوفاً من سلطة القبيلة: كم ذورة لك في الأعراب خافية أدهى وقد رقدوا من ذورة الذيب أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثى وبياض الصبح يٌغري بي فالمرأة أيضاً تزور وتتمرد على سلطة القبيلة: أتت زائراً ما خامر الطيب ثوبها وكالمسك من أردانها يتضوّعُ فما جلست حتى انثنت توسع الخطا كفاطمة عن درها قبل ترضع فشرّد إعظامي لها ما أتى بها من النوم والتاع الفؤاد المفجع فيا ليلة ما كان أطول بثها وسمّ الأفاعي عذب ما اتجرّع وليس الرجل وحده من يقوم بنزع ثياب المرأة في تلك الخلوة، بل المرأة هي التي تبادر لذلك أحياناً فتنضو ثيابها وتتعرّى: بالواخدات وحاديها وبي قمر يظل من وخدها في الخدر حشيانا أما الثياب فتعرى من محاسنه إذا نضاها ويكسى الحسن عريانا يضمّه المسك ضمّ المستهام به حتى يصير على الأعكان أعكانا وليس الرجل من يبادر إلى التقبيل، فالمرأة كذلك: قبّلتها ودموعي مزج أدمعها وقبلتني على خوف فما لفم والمرأة عند المتنبي هي مصدر الفتنة والإغواء: بأبي الشموس الجانحات غوايا اللابسات من الحرير جلاببا المنهبات قلوبنا وعقولنا وجناتهن الناهبات الناهبا ولكن المرأة - ويا للأسف! - جسد فقط. يحصر المتنبي كينونة المرأة في جسدها البضّ والجميل. ولأن المرأة هنا هي حسناء وليست شيئاً آخر، فلا كلام هنا إلا عن ذلك الجسد وعن أجزائه: من وجه وقدّ ونهد وردف. ويختار الدكتور محمد الخباز الأبيات التالية من شعر المتنبي ليبرهن على صحة ما ذهب إليه: رأت وجه من أهوى بليل عواذلي فقلن نرى شمسا وما طلع الفجرُ فذقتُ ماءَ حياةٍ من مُقَبّلها لو صاب ثرباً لأحيا سالف الأمم قلق المليحة وهي مسك هتكها ومسيرها في الليل وهي ذكاء ويبسمن عن در تقلدن مثله كأن التراقي وشحت بالمباسم بفرع يعيد الليل والصبح نير ووجه يعيد الصبح والليل مظلم وقابلني رمانتا غصن بانة يميل به بدر ويمسكه حقف