سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حجم القروض المطلوبة لتمويل المشروعات المحتملة قد يتجاوز 120 مليار دولار وسيتيح للمصارف فرصاً جديدة الإقراض المصرفي على الطريق ..استمرار التمويل الرسمي للمشروعات عقبة أخرى تواجهها البنوك
تحسّنت توقّعات الاقتصاد السعودي بفضل الانفاق الحكومي الضخم، بالدرجة الأولى، ما يعني أنّ دور الاقراض المصرفي في عملية تعافي الاقتصاد السعودي ظلّ محدوداً. فبعد انقضاء جزء كبير من الربع الثاني، ظل النشاط الائتماني للبنوك السعودية الخاصّة دون التوقعات، رغم تحسُّن ثقة الشركات الخاصّة بالاقتصاد الوطني واستمرار أسعار النفط المرتفعة وبقاء الأوضاع المالية القويّة للبنوك السعودية. ويُمثّل التمويل الرسمي للمشروعات إحدى العقبات الرئيسية التي تواجهها البنوك السعودية الخاصّة. فعلى الرغم من ضخامة حجم ونطاق سوق الائتمان المحليّة، يبدو من المستبعد أنْ تتوافر الحوافز الكافية لتشجيع هذه البنوك على توسيع نشاطها الائتماني قبل نهاية العام الجاري وبداية عام 2011، لأنّ التمويل الرسمي الهائل يُقلّص فرص الاقبال على القروض المصرفية خلال العام الجاري. هنا، يتمثّل السيناريو المثير للقلق بحقيقة أنّ البنوك السعودية الخاصّة لم تبذل الجهد الكافي لاستغلال الفرص المتاحة في مجال الاقراض الاستراتيجي المحدود المخاطر. كما أنّ هذه البنوك تتردّد في تقديم قروض إلى الشركات الخاصّة الصغيرة التي لم تسجّل نجاحات باهرة، وتتعامل بحذر شديد مع طلبات الاقتراض التي تتلقاها من الشركات العائلية العريقة، بعدما عدّلت سياساتها الائتمانية بسبب تعثُّر ديون شركتين عائليّتين كبيريتين في عام 2009. لا تزال توقعات نمو التمويل المصرفي المتوسط الأجل للمشروعات إيجابيةً خلال الربع الجاري، رغم انسحاب شركة كونوكوفيليبس ConocoPhilipps من مشروع بناء مصفاة ضخمة لتكرير النفط في يُنبع بالتعاون مع شركة أرامكو السعودية؛ وذلك إثر إعلان شركة أرامكو الرسمية العملاقة وشركة داو كيميكالDow Chemical عن خطط لترميم إحدى المنشآت البتروكيماوية في رأس تنورة. فقد توقّعت البنوك السعودية أنْ تبدأ خلال الربع الجاري عملية التنافس على تمويل هذه المشروعات التي تربو تكاليفها الاجمالية على ثلاثين مليار دولار. وهناك أيضاً العديد من المشروعات الأخرى التي تحتاج إلى تمويل مصرفي في عام 2010، علماً بأنّ بنوك التصدير والاستيراد أبقت على نسبة التغطية القصوى البالغة 40% من التكاليف الاجمالية للمشروعات التي تساهم في تمويلها. لكنْ نظراً إلى عدم تأكيد انسحاب بعض الأطراف الرئيسية، فإنّ إمكانية مشاركة البنوك السعودية في تمويل هذه المشروعات قد لا تتبلور قبل مرور بضعة أشهر. نحن نتوقّع أنْ تبحث شركة أرامكو عن شريك عالمي جديد لإنجاز مشروع مصفاة ينبع لكي تتفادى تمويله بمفردها. ومع أنّ الدولة السعودية تبذل قصارى جهدها لضمان العودة إلى معدّلات النمو الاقتصادي المرتفعة، إلا أنه ينبغي عليها أنْ تعمل، في الوقت ذاته، على ضمان اضطلاع القطاع الخاصّ بدور استثماري فاعل. ما زلنا نتوقّع أنْ ينمو حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاصّ بمعدّل 8% في عام 2010، لأنّه لا يزال من الممكن إبرام عدد من الصفقات التمويلية الضخمة خلال العام الجاري. وقد بدأ بعض البنوك بتوسيع نشاطه الائتماني، لا سيما البنك الأهلي التجاري وبنك الرياض والبنك السعودي البريطاني، ما قد يشجّع البنوك الأخرى على الاقتداء بهذه البنوك للحفاظ على حصصها السوقية. وفي الشهر الجاري، تتوقع مجموعة مكوّنة من بنك الرياض ومجموعة سامبا المالية والبنك العربي الوطني أنْ تبرم صفقة جماعية لإقراض مجموعة ابن لادن السعودية مبلغ 14.5 مليار ريال سعودي، من أجل تمويل بناء مركز الملك عبدالله المالي. توقعاتنا الحالية تشير إلى أنّ عودة النشاط الائتماني المصرفي إلى مستواه الطبيعي قد لا تحدث قبل عام 2011 والبنوك السعودية محصّنة من عدوى أزمة اليونان هذا، وبدأت البنوك العمل على زيادة نسب القروض الممنوحة إلى إجمالي الودائع، ما يُبشّر بتحسّن أدائها الائتماني خلال الشهور المقبلة. وقد تتسارع وتيرة نمو النشاط الائتماني المصرفي ابتداءً من أواخر العام الجاري وعلى مدى عاميّ عام 2011 و2012؛ إذ تشير تقديراتنا إلى أنّ التكلفة الاجمالية للمشروعات التي ستحتاج إلى تمويل مصرفي خلال هذه الفترة قد تزيد عن 120 مليار دولار، وأنّ أكثر من 60% من هذه المشروعات سيُطلق في عام 2011. بعيداً عن العقبات التي تعترض سبيل تعافي النشاط الائتماني المصرفي، تخطّى متوسّط سعر برميل النفط الثمانين دولاراً خلال مارس وأبريل، كما أنّ المملكة رفعت معدّل إنتاجها النفطي بصورة تدريجية لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الخام، ما عزّز وضعها المالي ومكّنها من تعزيز أصولها الخارجية حتى عادت إلى مستويات ما قبل سنة من الآن. لكنّ الشهر الجاري اتسم بالحذر نتيجةً لاحتمال تراجع أسعار النفط بسبب أزمة الديون السيادية الأوروبية. أما انخفاض مجموع المدّخرات المودعة في البنوك السعودية خلال النصف الأول من العام الجاري والبيانات التجارية الإيجابية، فإنهما يُشيران إلى عودة الشركات السعودية إلى استثمار أموالها في الاقتصاد المحلي. في هذه الأثناء، نستبعد أنْ يترك إحجام البنوك الأوروبية عن الاقراض وأزمة الديون السيادية لليونان وسواها من دول منطقة اليورو أثراً يُذكر على الاقتصاد الكلي السعودي. ونتوقّع أيضاً أنْ تتقلّص الضغوط التضّخمية بصورة تدريجية نتيجةً لانخفاض معدّلات التضخّم الأخيرة في الأسعار العالمية للسلع، بما فيها المواد الغذائية. لكنّنا نستبعد حدوث أي انخفاض ملحوظ في معدّل التضخم العامّ الحالي، بسبب نمو الطلب المحلي على السلع الاستهلاكية. توقعات التعافي الاقتصادي من الواضح أنّ البيئة الاقتصادية أصبحت أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ستّة أشهر، خصوصاً أنّ أسعار النفط تجاوزت الثمانين دولاراً للبرميل في شهري مارس وأبريل. ونظراً إلى تراجع النشاط التجاري العالمي في شهر مايو بسبب المخاوف العالمية من العدوى بأزمة الديون السيادية الأوروبية، نتوقع أنْ تتقلّب أسعار النفط في المدى المنظور لكن من دون أنْ تترك تداعيات مالية على المملكة. فأسعار النفط التي تحوم حول الستين دولاراً للبرميل تكفي لتعزيز الوضع المالي القوي للمملكة ولدعم نمو الاستيراد المحلي بمعدّلات معقولة، بالإضافة إلى تشجيع المواطن السعودي على الاستهلاك. أما أسعار النفط التي تتجاوز حدّ السبعين دولاراً للبرميل، فإنها تُمكّن المملكة من الابقاء على مستويات الإنفاق العالية مع تسجيل فائض كبير في ميزان حسابها الجاري. إنّ التوقعات المتوسطة المدى للاقتصاد السعودي مشجّعة للغاية نظراً إلى إمكانية ارتفاع أسعار النفط ونمو الطلب العالمي عليه. فقد دأبت الدول الأعضاء بمنظمة أوبك مؤخراً على رفع معدلات إنتاجها بشكل تدريجي لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الخام، مع أنّ المنظمة لم ترفع سقف إنتاجها منذ ديسمبر عام 2008. وفي مارس، مثلاً، ارتفع معدّل الانتاج النفطي في المملكة إلى 8.26 ملايين برميل يومياً بعدما بلغ 8.13 ملايين برميل يومياً في فبراير ليسجّل بذلك زيادة نسبية قدرها 2.7% بالمقارنة مع الربع الأول من العام الماضي. هنا، نشدّد أيضاً على أهمية تعافي الاقتصاديْن الأمريكي والآسيوي بالنسبة لنمو إجمالي الطلب العالمي على النفط الخام. وبفضل ارتفاع معدّلات الانتاج النفطي وبقاء متوسط أسعار النفط فوق الثمانين دولاراً للبرميل في شهريّ مارس وأبريل، تمكنّت مؤسسة النقد العربي السعودي من ترميم أصولها الخارجية بسرعة. ففي مارس، بلغت قيمة صافي الأصول الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي 1.56 تريليون ريال سعودي، ما يعني أنّ هذه المؤسسة استطاعت إعادة قيمة صافي أصولها الخارجية إلى مستويات ما قبل سنة من الآن، بعدما انخفضت بنسبة 7.5% في عام 2009؛ أيْ بواقع 122.3 مليار ريال سعودي، وذلك للمساهمة في تغطية الميزانية العامّة خلال فترة أسعار النفط المتدنية. ففي سبتمبر 2009، تراجعت قيمة صافي الأصول الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى أدنى مستوىً لها بعدما فقدت 14% من قيمتها القصوى، التي بلغتها في نوفمبر 2008 إذ سجّلت أسعار النفط رقماً قياسياً مرتفعاً في عام 2008، قدره 147 دولاراً للبرميل ثمّ تراجعت إلى ما دون الأربعين دولاراً للبرميل في غضون بضعة أشهر. نظراً إلى حقيقةِ أنّ درجة اعتماد المملكة على التصدير إلى أوروبا هي أقلّ بكثير من درجة اعتماد دول شمال إفريقيا، فإنّ الميزان التجاري السعودي قد يتحسّن نتيجةً لانخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي، مع أن الصادرات السعودية إلى منطقة اليورو (حوالي 10.6% من إجمالي صادرات المملكة) قد تتراجع. بدورها، ستواصل البنوك الأوروبية اتباع سياسة تلافي المخاطر تُجاه منطقة الخليج، مما سيُفاقم ظاهرة تردد البنوك السعودية في الإقراض. وعلى مستوى القطاع المالي، سيترك خفْض تصنيف البنوك الأوروبية أثراً سلبياً على قيمة أصول الصناديق السيادية السعودية والخليجية للثروة والمستثمرين عموماً. وفي الحقيقة، لا تعتمد المملكة كثيراً على القروض الأوروبية لتمويل مشروعاتها التوسعية المختلفة، كما أنّ انكشاف بنوكها على أوروبا يكاد لا يُذكر. لكنّ إحجام البنوك العالمية عن الإقراض قد يدفع البنوك المحليّة إلى التمسّك بسياسة تلافي المخاطر. وفي هذه الأثناء، أصبح لدى غالبية البنوك السعودية من الدولارات الأمريكية أكثر بكثير مما لديها من الأوراق النقدية الأوروبية. وعلى الرغم من هشاشة الأوضاع المالية العالمية، حافظت الاستثمارات السعودية العامة على زخمها حتى بعد ظهور مؤشّرات على تعافي النشاط الاستثماري الخاصّ، بشكل تدريجي. ففي الربع الأول من العام الجاري، منحت الدولة السعودية عقوداً لإنجاز مشروعات تنمويّة بقيمة إجمالية قدرها 20.9 مليار ريال سعودي وهو ما يمثّل انخفاضاً بنسبة 50% بالمقارنة مع الربع الأول من العام الماضي، لكننا نتوقّع أن يرتفع هذا المستوى في وقت لاحق من العام الجاري. هذا، وتبدو بيانات الحساب الجاري أقوى مما كان متوقّعاً. فقد أظهرت البيانات التي نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودي أنّ فائض الحساب الجاري الحقيقي في عام 2009، بلغ 99.4 مليار ريال سعودي، علماً بأنّ التقديرات الرسمية الأولية توقعت فائضاً مالياً قدره 76.7 مليار ريال سعودي. ونتجت هذه الزيادة عن ارتفاع عائدات الصادرات إلى 711 مليار ريال سعودي، أي بزيادة نسبية قدرها 3% بالمقارنة مع التقديرات الأوليّة. أما عائدات صادرات النفط، فقد ارتفعت إلى 609.7 مليار ريال سعودي أي بزيادة نسبية قدرها 6% بالمقارنة مع التقديرات الأولية. ونظراً إلى ازدياد حجم الواردات وارتفاع أسعار النفط ومعدلات إنتاجه، رفعنا توقعاتنا السابقة لحجم الفائض في الحساب الجاري السعودي في عام 2010 إلى 173 مليار ريال سعودي؛ أو ما يعادل 10.9% من إجمالي الناتج المحلي السعودي. ارتفاع معدلات التضّخم على هذه الخلفية المالية، قرّرنا رفع معدّل التضخم العام المتوقّع لعام 2010، من 4.3% إلى 4.7%، وذلك بسبب الارتفاعات الأخيرة المتواترة في الأسعار العالمية للسلع، لا سيما السلع الغذائية، فضلاً عن العوامل المحلية، كمعدّلات تضخّم الإيجارات والارتفاع العامّ في أسعار السلع والخدمات. ففي أبريل، مثلاً، ارتفع معدّل التضّخم العام إلى 4.9%، ليسجّل أعلى مستوىً له منذ يونيو 2009، ومع أننا نتوقّع حدوث بعض التراجع في أسعار السلع والطاقة خلال الشهور المقبلة، إلا أنّ زخم الأسعار سيظلّ قوياً بما فيه الكفاية لتبرير زيادتنا الطفيفة لمعدّل التضخم العام المتوقع. وبعدما انخفض مؤشّر أسعار الأغذية الذي تُعدّه منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بشكل حادّ خلال الشهور العشرة الأولى من العام 2009، عاد هذا المؤشّر إلى الارتفاع خلال العام الجاري حيث قفز بأكثر من 20% في يناير وفبراير، بالمقارنة مع نفس الشهرين من العام الماضي. ولئن تراجعت معدلات تضّخم أسعار الأغذية إلى 16.1% في مارس، إلا أنّ الأسعار العالمية للأغذية لا تزال مرتفعةً بالمقارنة مع مستويات عام 2009. ويقيس مؤشّر أسعار الأغذية الذي تُعدّه الفاو التغييرات السعريّة لسلّة من الأغذية تشتمل على الحبوب، والبذور الغنية بالزيوت ومشتقات الحليب واللحوم والسكّر. ويؤدي ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية إلى ارتفاع المؤشّر السعودي لأسعار السلع الاستهلاكية. إذ لا تزال الأغذية والمشروبات أكبر مكونات سلة المستهلك السعودي لأنها تمثّل 26% من هذه السلّة، تليها الإيجارات بفارق ضئيل ثم المحروقات والماء بنسبة 18%. وتعتمد المملكة بشكل كبير على السلع الغذائية المستوردة. ففي عام 2008، بلغت القيمة الاجمالية لواردات المملكة من الأغذية الحيوانية والنباتية الجاهزة والمشروبات والتبغ حوالي 62.2 مليار ريال سعودي، أيْ 14% من إجمالي واردات البلاد، طبقاً للبيانات الرسمية. وتتعرّض أسعار موادّ البناء أيضاً لضغوط تضخميّة متزايدة بسبب تنفيذ العديد من مشروعات البناء العملاقة في آنٍ معاً. وتتمثّل العوامل الأخرى التي تؤثّر في معدّل التضّخم العام السعودي بأسعار الأثاث المنزلي والسلع غير الغذائية والخدمات، إذ تمثّل مجتمعةً 24% من قاعدة مؤشّر التضخم العامّ السعودي. وفي مارس 2010، شهد كلّ واحد من هذه المكوّنات نمواً سعرياً قدره 4% بالمقارنة مع مارس 2009. لكنّ تكاليف الواردات السعودية ظلّت معقولة بفضل تحسّن سعر صرف الدولار ومعدلات التضّخم المعتدلة، لدى معظم الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة. نحن نتوقّع أنْ يزداد الدولار قوّةً وأنْ يزداد اليورو ضعفاً خلال العام الجاري، مع أن الأسواق قد تتفاعل مع مشكلة العجز المالي الأمريكي الهائل، في النهاية. ومن المتوقع أنْ يبلغ معدّل التضّخم العام في الولاياتالمتحدة 2.2% في عام 2010 و2.1% في عام 2011. أما في منطقة اليورو، فإنّ معدّل التضّخم العام قد يظلّ دون الواحد في المائة خلال العام الجاري وقد يرتفع إلى 1.4% في عام 2011. وفي الصين، قد يظلّ معدّل التضّخم العام دون الثلاثة في المائة في عام 2010، وقد يرتفع إلى 3.1% في عام 2011. وبصفة عامّة، من المتوقع أن يبلغ متوسط معدّلات التضّخم في آسيا 3.3% في عام 2010، وأنْ يظلّ دون الأربعة في المائة في عام 2011. يُعدُّ انخفاض معدّلات تضّخم الإيجارات عاملاً إضافياً من شأنه أنْ يساهم في استقرار معدّل التضخم العام خلال العام الجاري. إذ مثّل تضخّم الإيجارات بوتيرة متسارعة العامل الرئيسي لارتفاع معدّل التضّخم العام إلى مستوى قياسي في يوليو 2008، عندما تجاوز الأحد عشر في المائة. وفي الوقت الذي انخفضت فيه معدلات تضخم الإيجارات في دول الخليج الأخرى، استمرت معدّلات تضخم الإيجارات في المملكة بالارتفاع حتى بلغت مستوىً قياسياً تاريخياً مرتفعاً قدره 23.7% في يوليو 2008. لكنْ في مارس 2009، بلغ معدّل تضّخم الإيجارات في المملكة 12% بعدما تراجع على مدى ثلاثة أشهر متتالية. وطبقاً لمسح السوق العقاري السعودي الذي أعدّه البنك السعودي الفرنسي في أبريل، فإنّ وتيرة تضخّم الإيجارات تمرّ بمرحلة من التراجع المستمر في الرياضوجدة. وقد يؤثّر هذا الاتّجاه في مستويات مؤشّر تضّخم الإيجارات، الذي يشتمل أيضاً على أسعار الوقود والماء. لذا، نتوقّع أنْ يتراجع مستوى مؤشر تضّخم الإيجارات الذي بلغ 10% في مارس إلى 7% أو 8%، في وقت لاحق من العام الجاري. ونظراً إلى التضخم المتسارع في أسعار الأغذية وانخفاض وتيرة تضّخم الإيجارات، التي لا تزال مرتفعة، نتوقّع أنْ يظل متوسط معدّلات التضّخم في المملكة مرتفعاً نسبياً خلال العام الجاري وبواقع 4.7%، بالمقارنة مع 5.1% في عام 2009. ويُعزى هذا الانخفاض النسبي في معدّل التضخّم العام السنوي إلى انخفاض معدلات تضخم الإيجارات. نستبعد أنْ يمثّل تضخم الأجور عاملاً مهماً خلال العام الجاري أو حتى خلال العام القادم، نظراً إلى توافر العمالة الاقليمية والآسيوية بأجور معقولة. وهذ ما ينطبق أيضاً على الانفاق الحكومي السخي، من وجهة نظرنا. لكنّ تركيز هذا الانفاق على بضع شركات خاصة قد يقوّض المنافسة السعرية في بعض القطاعات. تراجُع معدّلات نمو السيولة المتوافرة إلى أدنى مستوياتها منذ عقد، إثر انخفاض إجمالي المدّخرات المودَعة في البنوك يتمثّل أحد العوامل التي لا تزيد الضغوط التضخّمية في المملكة بمعدّلات نمو السيولة المالية المتوافرة. ففي مارس، انخفض المعدّل السنوي لنمو السيولة المتوافرة (M3) إلى 4.7%؛ وهذا هو أدنى مستوىً له منذ قُرابة عقد من الزمن. أما العامل الرئيسي الذي أدى إلى هذا الانخفاض الحاد من المستوى الأقصى الذي بلغ 20% في عام 2008، فقد تمثّل بقِصر فترات الإيداع وتراجع الحجم الاجمالي للمدّخرات المودعة في البنوك السعودية إلى 313.71 مليار ريال سعودي في مارس؛ أيْ بنسبة 11.9% بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. وتسارعت وتيرة التراجع السنوي لنمو هذه المدّخرات بعدما بلغت 9.6% في فبراير، ما أدى أيضاً إلى انخفاض معدّل نمو السيولة المتوافرة، رُغم تراجع الطلب على القروض المصرفية. إذ انخفض المعدّل السنوي لنمو الطلب على هذه القروض من 21.6% في فبراير إلى 20% في مارس. هذا، وانخفضت القيمة الإجمالية للمدخرات المودعة في البنوك السعودية خلال الربع الأول من العام الجاري، بعدما تضاعفت تقريباً بين عامي 2005 و 2009. ويُعزى السبب الرئيسي لهذا الانخفاض إلى احتفاظ القطاع الخاصّ بأرباحه وسيولته النقدية في عام 2009، بدلاً من إيداعها في البنوك. ومع أن النشاط الائتماني يمثّل أحد العناصر الأساسية للنمو، لوحظ أنّ القطاع الخاصّ السعودي يحتفظ بأكبر نسبة من سيولته النقدية بالمقارنة مع باقي القطاعات الخاصّة الخليجية. ومع أنّ هذا التحوّل نحو التمويل الذاتي بدلاً من الاقتراض أدى إلى انخفاض معدلات نمو المدخرات المودعة في البنوك السعودية، إلا أنه لا يمثّل، من وجهة نظرنا، أي ظاهرة مثيرة للقلق. ويكمن أحد الأسباب الأخرى لانخفاض معدلات نمو المدخرات المودعة في البنوك السعودية خلال عام 2010، في عودة الشركات الخاصّة إلى استثمار أموالها في الاقتصاد المحلي بعد ظهور مؤشرات أوضح على تعافيه. لكنّ العامل الرئيسي لتراجع القيمة الإجمالية للمدخرات المودعة في البنوك السعودية تمثّل بانخفاض قيمة الودائع بالعملات الأجنبية، التي تراجعت بنسبة 18.5% بالمقارنة مع مستويات ديسمبر 2009. فقد انخفض مجموع ودائع الدوائر الحكومية بالعملات الأجنبية بنسبة 22.4%، وانخفض مجموع ودائع الشركات الخاصة والأفراد بهذه العملات بنسبة 14.8%. وعندما تستعيد شركات القطاع الخاصّ رغبتها في الاقتراض لتوسيع أنشطتها، قد تتبنى هذه الشركات مقاربةً تزاوج بين الاقتراض واستثمار جزء من عائداتها ومدّخراتها. لماذا تراجع النشاط الائتماني؟ لو أخذنا بعين الاعتبار الوضع القوي للعناصر الأساسية للاقتصاد السعودي، لوجدنا أنّ ضعف النشاط الائتماني المصرفي لا ينسجم مع حجم البنوك المحلية وسيولتها ودرجة تعافي الاقتصاد المحلي. وخلافاً لدول الخليج الأخرى، لم تواجه بنوك المملكة أي تصحيحات حادّة في السوق العقارية ولم تشهد أي انكشافات كبيرة بسبب تعثّر ديون الشركات. فمع أنّ السوق العقارية السعودية تعاني من نقص المعروض، إلا أنّ أسعارها لا تزال مرنة لدرجة أنّ القروض العقارية مثّلت 2.6% فقط من إجمالي القروض التي قدمتها البنوك حتى شهر مارس. ولئن دأبت الشركات الخاصّة السعودية مؤخراً على تفادي الاقتراض، إلا أنها ستتمكن حتماً من تسديد ديونها، ما لم تشهد الأوضاع العالمية تحولاً دراماتيكياً مفاجئاً. بدورها، قدّمت الدولة السعودية من خلال المؤسسات الاستثمارية الائتمانية المتخصّصة، مثل صندوق الاستثمارات العامة والصندوق السعودي للتنمية الصناعية، قدّمت دعماً مالياً ضخماً لإبقاء المشروعات الرئيسية للبنية التحتية على مسارها الصحيح. ومع نهاية شهر مارس، بلغت القيمة الاجمالية لأصول هذه المؤسسات الائتمانية المستقلة 585.29 مليار ريال سعودي، بعدما انخفضت بنسبة 7.3% بالمقارنة مع مستويات عام 2008، طبقاً لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي. ومن الناحية النظرية، ينبغي على الاستثمار العام في توسيع النشاط الاقتصادي أنْ يعزّز ثقة مستثمري القطاع الخاص بالاقتصاد وأنْ يُشجّع البنوك الخاصّة على توسيع نشاطها الائتماني. لكنْ على الرغم من توافر جميع المقوّمات اللازمة لإنعاش النشاط الائتماني المصرفي، ظلّ هذا النشاط متواضعاً. وتكرّرت الإشارة إلى السببين التاليين للمعدّلات المنخفضة لنمو الائتمان المصرفي: 1) تشديد البنوك لشروط منح القروض؛ و2) إحجام شركات القطاع الخاصّ عن الاقتراض لأنها أعطت الأولية لتسديد ديونها على حساب توسيع أنشطتها. ولا يعكس هذان السببان إلا جزءاً من الحقيقة لأنهما يُغفلان عاملين حاسمين آخريْن خارجين عن سيطرة البنوك. أولاً: تدخّل الدولة السعودية عبر تقديم قروض تمويلية معفية من الفوائد. فمع أنّ هذه السياسة تساعد في تحقيق الطموحات التنموية الرسمية، إلا أنها لا تشجّع البنوك على توسيع نشاطها الائتماني، خصوصاً أنّ الدولة السعودية لم تفسح المجال الكافي أمام البنوك الخاصة لكي تشارك في تمويل المشروعات الاستراتيجية في عدد من القطاعات، مثل قطاعيّ المرافق والنقل. لذا، ينبغي أنْ يُعاد النظر في هذه السياسة التمويلية الرسمية للموازنة بين التدخّل الحكومي وإشتراك القطاع المصرفي الخاصّ، من ناحية، وبين القروض الرسمية المعفية من الفوائد والقروض المصرفية ذات التكاليف المرتفعة نسبياً، من الناحية الأخرى. ففي المدى المتوسط، ستكون التكاليف الاقتصادية لعدم إشراك البنوك في النشاط الائتماني أكبر بكثير من تكاليف تمويل القروض التي سيتم توفيرها، عبر تلافي القروض المصرفية. لذا، ينبغي على الحكومة السعودية أنْ تتجنّب خلق أي سيناريو يرغمها على تحمل كامل أعباء التنمية الاقتصادية، لأنها في مثل هذه الحالة قد تضطر إلى دعم بضع شركات خاصة منتقاة على حساب معظم شركات القطاع الخاصّ. بالتالي، ينبغي التركيز على توسيع مشاركة الشركات المحلية المتوسطة الحجم في المشروعات الضخمة، بما فيها شركات المقاولات، بالتزامن مع بذل الجهود الكفيلة بتوزيع العقود على أكبر عدد ممكن من مختلف الشركات الخاصّة المحلية. هنا، تستطيع الحكومة، مثلاً، منح العقود بصورة مباشرة إلى شركات المقاولات المتوسطة الحجم، بدلاً من أنْ تسعى للحصول عليها من شركات الباطن فقط؛ كما جرت العادة حتى الآن. لذا، قد تحتاج الحكومة لإعادة تنظيم عملية تنفيذ المشروعات الضخمة بحيث يتسنى إشراك أكبر عدد ممكن، من الشركات الخاصّة المحلية فيها. ثانياً: تُراجع الدولة حالياً المشروعات التوسيعية الضخمة والمحدودة المخاطر (خصوصاً في مجال الطاقة)، الأمر الذي سبّب تأخيرات كبيرة في إطلاق مثل هذه المشروعات الجديدة المحتملة، ما أجل إمكانية بدء البنوك بالتنافس على تمويلها إلى عام 2011. وفي عام 2009، أدى تأخير مواعيد إطلاق مثل هذه المشروعات إلى تقليص رغبة القطاع الخاص في الاستثمار، بالتالي، ظلّ مستوى مشاركة البنوك الخاصّة في تمويل المشروعات متواضعاً. معدّلات النمو المنخفضة للنشاط الائتماني المصرفي شهد عام 2010، تحولاً طفيفاً في النشاط الائتماني المصرفي إثر إحجام البنوك عن إقراض القطاع الخاصّ في عام 2009، وبعد النمو التراكمي الكبير الذي سجّله حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاص بين عامي 2005 و 2008، والذي بلغ نحو70%. كما انخفض حجم القروض الممنوحة إلى القطاع العام في عام 2009، بعدما سجّل نمواً تراكمياً فاق الخمسين في المائة بين عامي 2005 و 2008. وتشير تقديراتنا إلى إمكانية استمرار هذا النمو المتواضع في مجمل النشاط الائتماني المصرفي خلال الشهور القادمة، إذ نعتقد أنّ انتعاش الائتمان المصرفي سيحتاج إلى فترة أطول من تلك التي توقعتها البنوك أصلاً. وعلى الرغم من المؤشرات الأولية لإمكانية حدوث تحوّل كبير في معدّلات نمو النشاط الائتماني، إلا أننا لا نرى في الأفق ما يكفي من العوامل القادرة على زيادة زخم الائتمان المصرفي بشكل كبير. وتلعب سياسة الإقراض التي تتبعها البنوك دوراً حاسماً في معدّلات النمو الضئيلة لمجمل نشاطها الائتماني. فالشركات المتوسطة الحجم تذمّرت علناً من شروط الاقراض التي تفرضها البنوك، بينما أكّدت الأخيرة على أنّ شركات الباطن لم تقدّم الضمانات الكافية لإقراض الشركات المتوسطة الحجم. إذاً، في ظل هذه البيئة، لن تقدّم البنوك أي قروض إلى مثل هذه الشركات ما لم تحصل على الضمانات التي نبعت من تشديد شروط الإقراض. وعملت البنوك السعودية مؤخراً على مراجعة علاقاتها مع الشركات العائلية، ما يعني أنّ عودة البنوك مجدّداً إلى استهداف مثل هذه الشركات قد تستغرق سنوات عديدة. في المقابل، يتعين على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أنْ تُصلح هياكلها بحيث تضمن، مثلاً، المزيد من الشفافيّة في ميزانياتها. علاوة على ذلك، ركّزت البنوك مؤخراً على القروض القصيرة الأجل. فمع نهاية شهر مارس، مثّلت القروض الممنوحة لمدة ثلاث سنوات أو أكثر 23.8% فقط من إجمالي القروض المصرفية. كما يعكس هذا الرقم نزوع الشركات إلى القروض القصيرة الأجل لتلبية احتياجاتها المالية مع تفادي تقلبات أسعار الفائدة. وتُتيح القروض القصيرة الأمد فرصة استغلال التراجع الحادّ للنشاط الائتماني، الذي انخفض إلى أدنى مستوياته خلال السنة الماضية. مع ذلك، نما إجمالي القروض المصرفية في شهر مارس بفضل ازدياد القروض الآجلة، بالدرجة الأولى، ما يشير إلى أنّ عدداً من المشروعات الكبيرة حصلت على قروض طويلة الأجل. أثبتت سياسة الإقراض التقليدية التي كانت تتبعها البنوك السعودية فشلها في العام الماضي إثر تعثُّر ديون شركتين عائليتين كبيرتين، ما ولّد صدمة كبيرة للنظام المصرفي السعودي الذي كانت قد جرفته الموجة العالمية لتفادي المخاطر. بالتالي، اضطرت البنوك إلى مراجعة سياستها الائتمانية التقليدية وفرضت شروطاً مشدّدة على إقراض الشركات الخاصّة. وهكذا، تخلّت البنوك ببساطة عن تحديد مدى أهليّة العائلات للحصول على قروض على أساس فترة العلاقة معها أو مكانتها الاجتماعية أو حجم ثروتها. ويتمثّل أحد الحوافز الكبيرة لنمو حجم القروض المصرفية خلال العام الجاري باستهداف البنوك لقطاع البيع بالتجزئة، الذي وصفته البنوك السعودية التي تكافح من أجل الحفاظ على استمراريتها بأنه استراتيجية نمو رئيسية غايتها استغلال معدّلات النمو السكاني المرتفعة، ومعالجة اختراق البنوك المحدود لقطاع البيع بالتجزئة. ففي السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، ارتبط معظم نمو النشاط الائتماني بتمويل المشروعات وإقراض الشركات، لكنّ البنوك عزّزت دورها في القطاع الاستهلاكي منذ اندلاع هذه الأزمة. ففي عام 2009، عندما انحسر إقراض القطاع الخاصّ، نما حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الاستهلاكي إلى 179.9 مليار ريال سعودي، أيْ بزيادة نسبية قدرها 3.4% بالمقارنة مع مستويات عام 2008، أو ما يعادل سبعة أضعاف مستويات عام 2000. لكنْ بين عاميّ 2006 و 2008، تقلّص الحجم الاجمالي للقروض الممنوحة إلى القطاع الاستهلاكي، ما يبرهن على أنّ سياسة إقراض القطاع الاستهلاكي شهدت تحولاً كبيراً منذ عام 2009، على الرغم من الركود العامّ في النشاط الائتماني. لكنّ حجم الاحتياجات الائتمانية لقطاع البيع بالتجزئة سيظلّ صغيراً نسبياً. لذا، نرى أنّ إقراض قطاع البيع بالتجزئة لا يكفي بمفرده لتوليد أي نمو قوي في النشاط الائتماني، رغم تخلي البنوك تدريجياً عن سياسة تلافي المخاطر ورغم عودة شركات القطاع الخاصّ إلى الاقتراض.