** ربما بحكم «غلاستي» و«ثقل دمي».. من النادر أن أجد نفسي في موقف «طريف» يتم كنوع من «المقالب» أو نتيجة «التباس» ما.. أو لإشكالية طارئة أو سوء فهم وعدم حسن تقدير. كل ما في الأمر أنني كنت اخرج من منزل أخي حسن الذي كنت أسكن معه.. واذهب قبيل صلاة المغرب لشارع «قابل» وأتجه مباشرة لمكتبة «باريان» ولابد أن أجد أحداً من: «بامحرز - الخليوي - الفايدي» أو أجدهم جميعاً.. وبعد الصلاة هناك من يذهب للمقهى «يشيش» وهناك من يفضل التسكع في أروقة السوق الذي يبدأ زحام الفتيات فيه... وكنت أحدهم. أتسكع لقرب أذان العشاء ثم أواصل السير إلى مطابع «الأصفهاني» للانخراط في الدوام المسائي لجريدة «عكاظ» التي أعمل بها.. والمعروف في ذلك الوقت أن دوام الصباح في مكاتب الجريدة.. أما في كل مساء.. فهناك فريق تحرير يداوم في مكاتب المطبعة. المهم أن التسكع في سوق وسط البلد.. لابد أن يثمر أحياناً.. ففي ذلك اليوم وجدت «موديلاً» جديداً من «المداس» أو «الصنادل» أو «النعل».. ولشدة اعجابي به اشتريت «طقمين» واحد أسود.. اسود.. والثاني أبيض.. أبيض أي أنهما بلونين نقيضين لا يقبلان اللبس.. وأخذت انتعلهما بالتناوب.. لكن.. وهذه ال«لكن» على طريقة تشيخوف.. ذات يوم استيقظت متأخراً عن موعدي فأرتديت ملابسي على عجل واتجهت لشارع قابل كالعادة. خلال فترة تسكع ما بين الصلاتين.. تنبهت إلى أن كل من يمر بي ينظر إليّ شبان.. بنات.. نساء.. رجال.. باعة.. عمال. وفي البدء قدرت أن من نظر إليّ عرفني بحكم أن «صورتي» تنشر في الجريدة مع ما اكتب أحياناً.. وبعد قليل قلت لنفسي: - ليس من المعقول أن كل هؤلاء يعرفونني.. أيش أنا طلال مداح..!! ثم أنني أتسكع في هذه المنطقة كل يوم دون أن الفت انتباه أحد.. وقدرت أنه لابد أن يكون في هندامي ما يلفت النظر.. وقفت أمام الواجهات الزجاجية ونظرت لنفسي من الأمام فلم أر أي شيء غير طبيعي التفت للخلق ونظرت لظهر ثوبي فلم أجد ما يريب.. عندها تجاهلت أمر نظرات الآخرين واكملت فترة التسكع وأتجهت للمطبعة.. وهناك سار كل شيء على نحو طبيعي.. في مشاوير بين غرف «الصف».. وغرف «الكليشيهات».. وغرف «الخطاطين».. وغرفة «التصحيح». في نحو الساعة العاشرة.. جاء أخي حسن يسأل عني.. وسط دهشتي حيث إنه من النادر أن يأتي لمكان عملي.. كان يحمل في يده كيس «ورق» بداخله شيء ما.. قادني بعيداً عن الزملاء وقال وهو يضحك: - طالع في رجلك شوف أش لابس..!! وطبعاً لم يخني النظر.. فمن «موديل» ذاك «المداس».. كنت انتعل «فردة» بيضاء.. وأخرى سوداء.. كدت اسقط من شدة هول المفاجأة.. غير أني تمالكت نفسي وقلت: - لا.. وأبشرك كنت أتمشى في شارع قابل..!! و.... - لا يا شيخ.. أف السوق زحمة.. ما أحد شافك..!! قلت: - كل اللي في السوق..!! و... - ما أحد نبهك ولا قالك شوف نفسك اش لابس..!! قلت: - مين يقدر يتكلم.. واحد ماشي متهندم وسط السوق.. ولابس في رجله فردة سوداء وفردة بيضاء.. يعني إذا ما كانت موضة.. لازم يكون مجنون.. ومن في بلدنا اللي يقدر يكلم مجنون!! و... - طيب وأنت ما حسيت بنفسك..؟! قلت بدهشة: - كيف أحس.. كلها حقي.. ورجلي متعودة عليها.. وموديلها واحد.. وماركة واحدة.. ونوع واحد.. و... أخذت أضحك بمزاج غريب.. ثم قلت: - الغريب أن كل اللي يمر من جنبي يطالع في وجهي.. وربك ستر ولا واحد طالع في رجولي كنت طالعت زيهم وعرفت..!! و... - طيب لو عرفت في السوق أش كنت حتسوي..؟! مططت شفتي بحيرة.. وقلت بعد تفكير: - والله ما أدري.. لكن أكيد كنت رايح أضحك!! قادتني الذكرى لموقف أحد الأصدقاء.. فقد روى لي قصة زواج ابنه قائلاً: - بنات عمه أكثر من الهم على القلب.. قلت له.. يا واد روح بيت عمك.. بناته ما يغطوا عليك.. حط عينك على وحدة وتعال قل لي عشان أخطبلك هيا وازوجك..!! راح وجاء - يكمل - قال أبغى «فلانة».. كيف يا واد.. وفنجلت عيوني فيه وصرخت.. أنت شفتها زي الناس.. قال أيوه شفتها وأبغاها.. قلت.. يا عديم النظر هذي أوحش وحدة في البنات قال بعزم.. عارف وأبغاها.. قلت باستغراب.. يا واد أش عاجبك فيها. تصدق ان جواب الواد سكتني.. قال.. أبغاها.. عشان لما كنا صغار وكنا نلعب سوا.. كانت هي الوحيدة اللي تحن عليا وتعطيني اللي في يدها..!! و... لكن ما علاقة هذا الاستطراد بحكاية «الفردة فريدة».. والله ما أدري.. لكن أنت إذا عرفت كلمني ومنك أستفيد..؟!