يقدم كتاب "الفنون البصرية وعبقرية الإدراك" من تأليف الدكتور شاكر عبد الحميد، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب أطروحة جديدة حول جماليات التلقي في الفنون البصرية، تقوم على دراسة علاقة الإبداع بالإدراك في ضوء جدلية الإبداع في الفنون البصرية ومستويات التلقي المستندة على مخزون من الخبرات البصرية. ويحاول المؤلف أن يقدم بعض الأفكار القديمة والحديثة الخاصة بالفنون البصرية ومكوناتها وتفاعلاتها، وكيف يتفاعل المخ البشري معها ؟ وكيف تطورت فكرة المكان والمنظور عبر تاريخ الإنسان ؟ وما عناصر الخيال البصري ومكوناته ؟ وكيف يرتقي ويتطور خلال الإبداع للأعمال البصرية وخلال التذوق لها؟ ويبدأ المؤلف بتعريف الفنون البصرية وأنواعها، فيتلخص تعريف الفنون البصرية لديه في أنها تلك الفنون التي تعتمد في إنتاجها على فعل الرؤية، بشقيها الفيزيقي والوجداني، أي تلك الفنون التي تعتمد في إنتاجها وإبداعها وفي تذوقها وتلقيها على حاسة الإبصار، أو على فعل الرؤية كي يتسع المعنى المقصود بالإبصار ليشمل الرؤية البصرية الخارجية والرؤية العقلية والخيالية والوجدانية الداخلية ، وبالتالي فالإبصار والمظهر الخارجي المرئي من الأمور الحاسمة في تصنيف الفنون البصرية التي تشتمل على الرسم والتصوير والنحت والعمارة وغيرها، ومن هذا المنطلق يفرق المؤلف بين الفنون البصرية وفنون الأداء، حيث ان كثيرا من فنون الأداء تشتمل على جانب بصري كالمسرح ، والغناء والرقص، لكن العنصر البصري في هذه الفنون ليس بالضرورة العنصر الرئيسي أو الأهم. ويواصل الدكتور عبد الحميد المسيرة في بحث مستويات التلقي والإدراك سيكولوجيا وفسيولوجيا وجماليا ، فمن خلال دراسة الجانب السيكولوجي في عملية الإبداع والتلقي يستعرض الدكتور عبد الحميد المكونات البصرية كالنقطة والخط والكتلة والضوء واللون وغيرها، شارحا الجانب الرمزي في هذه المكونات وأسس الطرح الجمالي فيها كالنسبة والتناسب والإيقاع والاتزان والتضاد. ثم يدلف إلى دراسة هذه المكونات والأسس من الجانب الفسيولوجي، من خلال عمليات التلقي البصري في المخ ، وسبل التفكير البصري التي تؤدي إلى الإدراك ، وذلك من خلال نظريات الفن عبر التاريخ منتهيا إلى ما تم الاصطلاح عليه في نظرية ما بعد الحداثة ب"الثقافة البصرية" التي أفرزتها النظريات الثقافية السالفة. ثم ينتقل للحديث عن عبقرية الإدراك مؤكدا أن الإدراك - في جوهره – عملية يقوم العقل الإنساني من خلالها بإضفاء المعنى أو خلعه على المدركات الحسية التي يتلقاها أيا كانت . ويرى الدكتور عبد الحميد أن التصور العلمي الحديث للعبقرية يختلف عن ذلك التصوير الفعلي القديم الذي كان يربط بين العبقرية والدرجة المرتفعة جداً من الذكاء، ويؤكد أن الذكاء أصبح الآن مجرد مكون واحد من مكونات العبقرية أما المكون الآخر المهم فهو الإبداع الذي هو القدرة على الإتيان أو إنتاج كل ما هو جديد ومفيد، فالمبدع هو من يأتي بالجديد المفيد، وانه إذا اجتمعت مستويات مرتفعة من الذكاء (العام) والإبداع معاً، مهدت الطريق لظهور العبقرية في المجالات المختلفة، فإذا حدث ذلك في مجال التفكير البصري ، أي مجال فهم العالم وإبداعه من خلال لغة الشكل والصورة وظهرت لنا عبقريات مثل ليوناردو دافنشي أو بيكاسو أو غيرهم، وقد يحدث الأمر نفسه فيما يتعلق باجتماع مستويات الذكاء والإبداع في الحقول المعرفية المختلفة الاخرى ، مثلما ميز توماس كون في كتابه " بنية الثورات العلمية" بين نوعين من العلماء الثوريين الذين يقدمون الإنجازات الكبرى والمطورين الذين يمتدون بأفكار الثوريين إلى مسافة أبعد، فكذلك يمكن التمييز في مجال الفنون البصرية بين فنانين مجددين وفنانين مجودين، حيث يقدم النوع المجود من الفنانين الأفكار الأساسية والأساليب بالنسبة إلى المدارس والاتجاهات الفنية الجديدة ثم يهتم المجودون بهذه الأفكار والأساليب وينشغلون.