في عباب الأمواج المتلاطمة الزاخرة بغثاء المواثيق الجائرة التي لفظتها مؤتمرات دولية شرقية وغربية، تنادت وتداعت على الأسرة المسلمة لتهدم صرحها الأصيل وتمسخ وجهها الجميل! في ذلك اللجّ الهائج انطلقت سفينة النجاة بأمر الله تبارك وتعالى يقودها حماة أبطال، علماء أفذاذ، أداروا دفتها وأحسنوا قيادتها وانطلقوا بها عبر الخليج إلى المنامة لترسو بأمان في المؤتمر الموسوم (اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها في العالم الإسلامي). ذاك المؤتمر المبارك القائم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يذكرني ما فيه من فيض العناية بالمرأة والغيرة عليها والرحمة بها بالحديث الذي رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم وصححه الألباني عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ». إنها المعاهدة الشريفة والوثيقة المنصفة التي عقدنها بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم، على أن يلتزمن البعد عن ما حرمه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، من المحرمات والمناهي الشرعية من الشرك بالله تعالى، وهو أكبر الكبائر، وما دونه من جرائم السرقة والزنا والقتل والبهتان والعصيان. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ»! وهنا استدرك بلطفه وشفقته اشتراط الاستطاعة والإطاقة! الأمر الذي أثار دهشتهن واستغرابهن فقلن بصوت واحد! «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا»! «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا»! ما أعظمها من إشادة وامتنان، وشهادة له بالإحسان! لقد أدركن في اللحظات الأولى من عمر الإيمان، غزارة الرحمة النبوية التي تغيث القلوب الظامئة، وتروي النفوس العطشى، أدركنها قبل أن يسمعن شيئا من ما لهن من الحقوق، حين استشعرن من تلك التكاليف عظمةَ الدين ويسره وعدالته وحمايته النفوس والأعراض والأموال، وأنه انعتاق من عبودية العبيد إلى التعبد لله الواحد الرحيم المجيد، وأن هذا الدين سر السعادة للعالمين في الدارين، فلا تعجب حين أقبلن إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وقلن بسعادة غامرة واندفاع سريع: «هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ». فبايعهن صلى الله عليه وسلم من دون أن تمس يده الشريفة أيديهن، ليعلمهن بطريقة عملية في موقف حي يرين فيه كيف يكون الوقوف عند حدود الله، والائتمار بأمره، في المنشط والمكره، وكيف تخضع النفوس لما يحبه الله ويرضاه وتربّى على اجتناب ما يسخطه ويأباه. هذه البيعة النبوية الكريمة هي مضمون الوثيقة التي اتفق عليها الحضور بلا استثناء وأعلنت في مؤتمر المرأة الذي أداره بكفاءة ونجاح ودقة تنظيم كلٌ من الدكتور عادل الحمد رئيس جمعية مودة البحرينية، والدكتور فؤاد العبد الكريم رئيس مركز باحثات بالسعودية، وحضره حشد كبير من المشايخ والعلماء والمفكرين والصحفيين والباحثات الأكاديميات وذوات الخبرة في الدعوة والتعليم من بلاد عربية متعددة. سمعنا وثيقة المرأة المسلمة وفيها ما يثلج الصدر من الحماسة للدين والغيرة على الشرف والعفاف والسعي لحماية المرأة والوفاء بحقوقها وحفظ الأمة من موجة الفساد. لقد كان المؤتمر أصيلا بأهدافه، ثريا بأبحاثه، معتدلا في طرحه، دقيقا في مواعيده، غزيرا في مداخلاته، ألمعيا في سبقه، صادقا في غيرته وحماسه، متميزا في تنظيمه وإدارته ومشاركيه، آهلا بالحضور الغفير من الجنسين، صيّنا في تنظيم الرجال وجلوسهم بعزلة عن النساء، متألقا في حرية الرأي والتعبير! إنه باختصار، انطلاقة رائدة مخلصة من أجل المرأة المسلمة! فلنشدّ على أيدي قادتنا - حماهم الله - الذين يولوننا جلّ رعايتهم ويخصوننا بفيض حرصهم وصادق غيرتهم، ويوجهون أجهزة الدولة لحمايتنا من الشرور والفساد والرذيلة، وتطهير المجتمع من المنكرات الوبيلة، ولنساند علماءنا داعين للجميع بالخير والتوفيق والسداد، ولننطلق صفا واحدا ضد التيار التغريبي الجائر ووثيقته الزائفة (السيداو - منع التمييز ضد المرأة) ولننقضها بإيماننا العميق بالله تعالى والسير على صراطه المستقيم، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم والعض عليها بالنواجذ، وليكن مشروعنا الدعوي بنشر الوعي بين الشباب والفتيات والآباء والأمهات بما تحويه تلك الوثيقة من مخاطر عظيمة وآثام جسيمة، فقد آن والله أوان الجهاد بالكلمة والقلم مع التسلح بالصبر والتفاؤل، فإن النصر مع الصبر، والخير في الأمة عظيم باق إلى قيام الساعة، وفي الأبيات الآتية مسك ختام المقال كما إن مطلعها كان مسك ختام المؤتمر، فقد ولدت في المنامة وترعرعت في الرياض. أبشروا خيرا فإن النصر والتمكين قادم ولنا من غزّة في الصبر معالم ناضلت ستين عاما، سيفها الصخريُّ صارم رغم ذل وحصار أذهلت كل العوالم ترفع الحق عزيزا لم تخف لومة لائم إنها قدوة خير للتصدّي والمكارم *** من هنا نرفع كفا، أننا سوف نقاوم كل تغريب خبيث صاغه فكر الأعاجم أترى الحرة فينا ترتضي هتك المحارم! أتراها تبتغي العار وإتيان الجرائم! لا.. لن نخلّي ديننا.. لا، لن نحابي أو نساوم بحجاب وعفاف وتقى سوف نلازم دربنا قرآن ربي، آيه بالحق قائم وهدى خير نبي، نبعه بالبر دائم وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.