"مروي إمبراطورية على النيل" عنوان معرض جديد يقام في متحف "اللوفر" في باريس ويضمّ آثاراً نادرة من موقع إمبراطورية مروي التي تقع في بلاد النوبة على بعد 200 كيلومتر من الخرطوم وتشتهر بأهراماتها ومعابدها وكذلك بتحفها التي تُعرَض للمرة الأولى في فرنسا. الآثار المعروضة تمّ استقدامها من متحف الخرطوم ومن متاحف أخرى كالمتحف البريطاني وميونيخ وليفيربول. أكثر من مائتي تحفة تختصر الملامح الأساسية لمروي التي اكتشفها الفرنسي فريديريك كاييو عام 1821، ثم جاءت التنقيبات التي قامت بها بعثة من متحف "اللوفر" منذ عام 2007 لتؤكّد من جديد على الحضارة المروية المميزة التي صهرت في بوتقة واحدة مؤثّرات فرعونية وإفريقية وإغريقية ورومانية. لقد عثر في قبور الملوك والملكات وفي القصور على تحف تعكس مستوى فنياً عالياً ومنها التحف المصنوعة من الزجاج والطين والمعادن الثمينة. أما الأسلوب الذي اعتمده الفنانون في إنجازها فيكشف عن انفتاح هؤلاء على الحضارات المختلفة خلال مرحلة زمنية امتدت من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث بعده، أي أنّ الحضارة المروية غطّت مرحلة زمنية امتدت ستة قرون كانت فيها على احتكاك تجاري ودبلوماسي مع مصر والدول المتوسطية، وهذا ما تشهد عليه المؤثرات اليونانية والرومانية التي تطالعنا في التحف المعروضة. وتبيّن زيارة المعرض المراحل الكثيرة التي مرّت بها الحضارة المروية منذ نشوئها وحتى أفولها، وهي لم تكن بالحضارة البسيطة بل المركَّبة والمتنوّعة. بلغت أوجها في القرن الأول الميلادي. وصنفتها منظمة اليونسكو الدولية في باريس ضمن الحضارات الإنسانية الهامة ودعت إلى الحفاظ على معالمها ودعم الدراسات حولها. يكشف المعرض أيضاً كيف أنّ الحضارة المروية كانت حاضرة في كتابات المؤرخين القدامى ومنهم هيرودوت، وكانت بالنسبة إليهم تشكّل امتداداً للبلاد الإثيوبية وثقافاتها. لقد كان للمرويين لغتهم الخاصة وكانت لغة معقدة ومختلفة عن اللغة الفرعونية التي كان العالم الفرنسي شامبليون أول من فكّ ألغازها في القرن التاسع عشر. ومنذ البدء بعمليات التنقيب حتى اليوم، عثر علماء الآثار على أكثر من ألفي نص مكتوب باللغة المروية الشبيهة بالأرقام، ولا يزال العلماء، ومنهم الفرنسيون، يعملون على فكّ رموز هذه اللغة المعقدة. عيسى مخلوف في موازاة المعرض الذي يتواصل في متحف "اللوفر"، أقيم عدد من الندوات بمشاركة علماء آثار فرنسيين وسودانيين في المتحف وفي "معهد العالم العربي" ومنظمة اليونسكو، وذلك للتعريف بالحضارة المروية التي ظلت مجهولة على الرغم من أهميتها التاريخية وإبداعاتها الفنية ومنها أهراماتها التي تختلف عن الأهرامات المصرية بأشكالها الأفقية. متحف "اللوفر" هو الذي يتولّى، كما أشرنا، أعمال التنقيب في مروي، والعديد من التحف التي نشاهدها في المعرض هي محصّلة الاكتشافات التي تبرهن من جديد على خصوصية هذه الحضارة وآثارها المدهشة. * الكتاب في مواجهة التحدّي الرقمي كان الحدث الأبرز هذا العام في معرض الكتاب في باريس هو الكتاب الرقمي والأسئلة التي يطرحها على الناشرين والكتّاب على السواء. وقد احتفل المعرض في دورته الأخيرة بميلاده الثلاثين على خلفية التحديات التي يواجهها الكتاب المطبوع على الورق اليوم. من جهة ثانية، اجتمعت مؤخراً النقابة الوطنية للنشر في فرنسا لمناقشة موضوع النشر ومستقبله ليس فقط في فرنسا بل في العالم أجمع. ولئن كانت الكتب الرقمية لا تزال تمثّل نسبة ضئيلة لا تتجاوز الواحد في المئة مما يُنشَر اليوم، فإنّ الحديث عنها وعمّا يمكن أن تجسّده في المدى القريب والبعيد أصبح الحديث الأكثر تداولاً. وكانت دار "أكت سود" نشرت عام 2008، وفي سياق الكتب الرقمية، ثلاثية تحت عنوان "ميلانيوم" لستيغ لارسون، وكذلك كتاب "الرمز الضائع" لدان براون. ومن المعروف أنّ هذا الكتاب كان في مقدمة الكتب الأكثر مبيعاً في عام 2009. في أقلّ من شهرين، باع ناشره الفرنسي "كلود لاتيس" في كلّ من فرنسا وكندا وبلجيكا وسويسرا حوالى ثمانمئة ألف نسخة. وقد صرحت مديرة الدار إيزابيل لافون قائلة: "يوم صدور الكتاب، أي في يوم واحد، طرحنا في الأسواق سبعمئة ألف نسخة من الكتاب". تجدر الإشارة إلى أنّ إيزابيل لافون كانت أول من راهن على نجاح براون حتى قبل أن ينشر كتابه "دافنشي كود" الذي صدر عام 2004 وبيع منه مليونا نسخة حتى الآن. وعلى الرغم من الغيوم السوداء التي تلوح في أفق النشر الورقي، فإنّ معدلات بيع الكتاب في فرنسا والدول الفرنكوفونية لا يزال مرتفعاً. لقد بيع العام الماضي 379 مليون كتاب، أي بزيادة 3،4 في المئة عن العام الماضي، أما نسبة المبيعات فبلغت 4،2 مليار يورو، أي بزيادة 3،9 قياساً إلى العام الماضي أيضاً. وتشير الإحصاءات التي جرت أخيراً في فرنسا إلى أنّ الكتاب الورقي ليس مهدداً بالانقراض بين ليلة وضحاها. كشفت نتيجة آخر الإحصاءات أنّ 22 في المئة فقط من القراء الفرنسيين عبّروا عن رغبتهم في قراءة كتاب على شاشة الكمبيوتر أو عبر الكتاب الرقمي. هذا وبإمكان القارئ في فرنسا اليوم الاطلاع على آلاف الكتب الرقمية التي تمّ جمعها من عدّة دور نشر فرنسية ومنها "غاليمار"، "سوي" و"فلاماريان"، وذلك على خلفية معركة تجارية كبرى بين مصنّعي الكتاب الرقمي من "سوني" و"آبل" إلى "غوغل" و"أمازون"، وهي شركات عالمية تسعى إلى غزو سوق الكتاب الرقمي اليوم بشتى الإمكانات والوسائل. في إحصاء آخر يتناول القراء الفرنسيين، تكشّف أنّ القراء الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين ال 15 والثلاثين هم الأقلّ إقبالاً على القراءة، وأنّ ثلثَي الكتب التي تباع في فرنسا إنما تقتنيها النساء.