افتتحت امس أعمال مؤتمر قمة الأمن النووي في واشنطن التي يستضيفها الرئيس الأميركي باراك أوباما على مدى يومين وذلك من أجل تعزيز التعاون الدولي في مجال منع الإرهاب النووي، الذي كان الرئيس الأميركي قد وصفه بأنه يشكل التهديد "المباشر الأعظم" للأمن القومي الأميركي والعالمي بعد انتهاء الحرب الباردة. ولعل أبرز الأحداث التي ميزت الساعات الأخيرة التي سبقت انطلاق أعمال هذه القمة، التي تشارك فيها 47 دولة وعدد من المنظمات الدولية الرئيسية، هو إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذاره عن المشاركة فيها في اللحظة الأخيرة، بعد أن كان قد أكد على مدى أكثر من أسبوع أنه قادم للعاصمة الأميركية للمشاركة فيها. ونقل عن نتنياهو قوله إنه لن يشارك في قمة الأمن النووي خشية قيام دول عربية وإسلامية بحرف تركيز المؤتمر وتوجيهه إلى برنامج إسرائيل النووي غير المعلن عنه. ومن بين الدول ال 47 التي تحضر القمة ست دول عربية في مقدمتها المملكة التي تشارك في المؤتمر بوفد رفيع المستوى يترأسه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، رئيس الاستخبارات العامة، وعضوية معالي الدكتور محمد السويل، رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومعالي الأستاذ عادل بن أحمد الجبير، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولاياتالمتحدة والوزير المفوض في وزارة الخارجية نايف بن بندر السديري. والدول العربية الأخرى الحاضرة للقمة هي مصر والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة والجزائر. ويأتي عقد القمة النووية في واشنطن بعد حدثين بارزين على المسرح النووي العالمي. فيوم السادس من الشهر الجاري، أصدرت إدارة الرئيس أوباما تقريرها عن مراجعة الوضعية النووية، التي تجريها عادة الإدارات الأميركية في بداية عهودها وتقوم بإعدادها بصورة مشتركة وزارات الدفاع والخارجية والطاقة الأميركية. وقد كشف النقاب عن هذه الإستراتيجية الجديدة لإدارة الرئيس أوباما بإصدار "مراجعة الوضعية النووية" خلال مؤتمر صحفي في البنتاغون عقد يوم 6 أبريل الجاري عقده وزير الدفاع روبرت غيتس بحضور وزيرة الخارجية هيلاري رودام كلينتون، ووزير الطاقة ستيفن تشو، والأدميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة. وهذه أول مراجعة للسياسة النووية الأميركية منذ العام 2001 والثالثة منذ نهاية الحرب الباردة قبل أكثر قليلا من عشرين عاما. وتجرى مراجعة للسياسة النووية الأميركية في بداية كل ولاية رئاسية وتخلف أثرا على الإنفاق الحكومي والمعاهدات ونشر الأسلحة وسحبها من الخدمة خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة التالية من حكم الرئيس الأميركي. وتضمنت المراجعة الجديدة مواقف وصفها بعض المراقبين بأنها "شجاعة ومطمئنة" من قبل الولاياتالمتحدة. وكان البند البارز في هذه المراجعة هو تقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجية الدفاع القومية الأميركية. فقد تعهدت الإدارة في هذه المراجعة بعدم استعمال الأسلحة النووية إلا لغرض حماية نفسها وحلفائها وشركائها من هجمات نووية، كما تعهدت بعدم استعمالها ضد الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي الملتزمة ببنود هذه المعاهدة. وفضلا عن ذلك، فإن المراجعة الجديدة تعهدت بأن واشنطن لن تقوم ببناء أسلحة نووية جديدة وستواصل الالتزام بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. جدير بالذكر أن إدارة بوش السابقة لم تحاول مطلقا الحد من دور الأسلحة النووية في استراتيجية الدفاع القومي الأميركي، وهو ما يؤشر إلى اختلاف كبير بين مقاربتي إدارة أوباما وبوش في هذا المنحى. وتحدد السياسة الجديدة لإدارة أوباما إجراءات لتعزيز نظام منع الانتشار النووي العالمي مع التركيز على أهمية المعاهدات الدولية مثل معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية للعام 1970 ومعاهدة حظر التجارب النووية الشاملة للعام 1996. كما يأتي انعقاد هذا المؤتمر بعد توقيع الرئيس أوباما ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف في العاصمة التشيكية الأسبوع الماضي على معاهدة ستارت الجديدة بين الدولتين العظميين، والتي تضمنت في أبرز بنودها إجراء تخفيض نسبته 30 في المئة في عدد الرؤوس الحربية النووية الإستراتيجية الذي تسمح المعاهدة للولايات المتحدة وروسيا بمواصلة امتلاكها، كما تنص على عدم السماح لأي من الدولتين بامتلاك أكثر من 800 وسيلة إطلاق للأسلحة النووية.