وارت قرغيزستان أمس السبت التراب جثامين العديد من ابنائها ممن قتلوا خلال محاولة الاطاحة بالحكم فيما دفعت مخاوف امنية الجيش الامريكي الى الغاء قرار باستئناف العمليات العادية في قاعدته الجوية في البلاد محولا كل الرحلات العسكرية الى مناطق اخرى. وتجمع نحو عشرة آلاف من المشيعين على مشارف العاصمة القرغيزية المحترقة في جنازة جماعية لتشييع جثامين 78 شخصا على الاقل قتلوا خلال الاحتجاجات التي تفجرت يوم الاربعاء الماضي عندما فتحت القوات الحكومية نيرانها باتجاه المتظاهرين الذين كانوا يحاصرون قصر الرئاسة. وقالت روزا أوتونباييفا التي ترأس حكومة انتقالية في البلاد -لم تعترف بها حتى الان سوى روسيا- امام حشود "اولئك الذين قتلوا في السابع من ابريل هم ابطال قرغيزستان". واضافت "من واجبنا اقامة العدل. اولئك الذين دفنوا هنا اليوم هم جميع ابنائنا.. ابناء قرغيزستان". وحمل المشيعون النعوش الملفوفة في علم البلاد ذي اللونين الاحمر والاصفر فيما رفعوا صورا للقتلى في مجمع تذكاري كان قد شيد تكريما لارواح ضحايا عمليات الاعدام الجماعي التي امر بها الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في ثلاثينيات القرن الماضي. وقام اقارب الضحايا بمواراة الجثامين التراب في 16 قبرا رصت في صفوف ثم ادوا الصلاة على ارواحهم. وقال عمربك تيكيباييف -وهو زعيم سابق في المعارضة انضم الان الى الحكومة الانتقالية- امام حشود "لقد دحر شعبنا الدكتاتور". ولم يظهر المشيعون تعاطفا يذكر مع رئيس البلاد كرمان بك باقييف وقال كوات نيازبكوف الذي حضر الجنازة اليوم إن شقيقه قتل في الانتفاضة. وقال "لا ندري في واقع الامر ما حدث في الميدان". واضاف "ليس بمقدورنا ان نصفح عن رئيس كهذا". وكانت الانتفاضة في قرغيزستان قد اجبرت الرئيس باقييف على الفرار الى معقله في جنوب البلاد فيما اثارت الشكوك بشأن مستقبل القاعدة الجوية الامريكية قرب بشكك. ويعيش ثلث سكان قرغيزستان البالغ 5.3 ملايين نسمة تحت خط الفقر. ولايزال رفض باقاييف التنحي عن الحكم هو حجر العثرة الرئيسي فيما بدأ الهدوء المشوب بالتوتر يعود الى شوارع العاصمة بشكك وقد تناثرت الانقاض والزجاج المهشم على ارضيات الشوراع بعد ايام من المصادمات الضارية. وقالت أوتونباييفا للصحفيين "باقييف لديه فرصة لمغادرة البلاد.. سنضمن سلامته.. فقط سلامته الشخصية اذا استقال." ولم يتضح على وجه الدقة الملاذ الذي لجأ اليه باقاييف. وقال كينيشبك دوشاباييف رئيس خدمة امن الدولة الجديدة للصحفيين "نود في حقيقة الامر الشروع في مفاوضات. سنحل كل شيء بسلام". وقال متحدث باسم القاعدة الجوية الامريكية - وهي همزة وصل حيوية لامداد عمليات حلف شمال الاطلسي في افغانستان- ان جميع الرحلات التي تنقل القوات من قاعدة ماناس قد اوقفت مساء امس. وتستخدم القوات مسارات بديلة لدخول افغانستان والخروج منها. وقال الميجر ريكاردو بودين المتحدث باسم قاعدة ماناس الجوية لرويترز بالهاتف "على الرغم من ان الرحلات العادية استؤنفت في ماناس بعد ظهر الجمعة فقد اتخذ قرارا مساء الجمعة بتحويل رحلات نقل الركاب العسكرية بشكل مؤقت. قرارات تسيير رحلات اخرى ليس لها صلة بالركاب من القاعدة سيتخذ على اساس كل حالة على حدة". ولكن القيادة المركزية للجيش الامريكي التي تشرف على القاعدة قالت فيما بعد ان كل رحلات الركاب العسكرية علقت. وقال مسؤول امريكي طلب عدم نشر اسمه انه قرار له صلة بالامن اتخذه قائد القاعدة في ماناس. ويقول مسؤولو وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون إن ماناس تلعب دورا جوهريا في المجهود الحربي ضد حركة طالبان اذ تسمح بتنظيم رحلات جوية على مدار اليوم الى افغانستان ومنها. وقد مر نحو خمسين الف عسكري امريكي بالقاعدة خلال الشهر الماضي وحده. وقالت القيادة الجديدة في قرغيزستان انها قد تختصر مدة استئجار الولاياتالمتحدة للقاعدة. ولروسيا -التي ترى ان قرغيزستان الجمهورية السوفيتية السابقة جزء من نطاق اهتمامها التقليدي- قاعدة جوية في البلاد. واصبح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين اول زعماء العالم الذي يعترف بالحكومة التي نصبت نفسها في قرغيزستان بعد ساعات فقط من توليها مقاليد السلطة مما يثير شكوكا في ان موسكو ربما تكون قد لعبت دورا في تلك الاحداث. ووصفت أوتونباييفا روسيا بانها حليف مهم ووجهت الشكر لبوتين علانية لدعمه الحكومة الجديدة. والتقى المظ بك اتامباييف نائب رئيس الحكومة الجديدة مع بوتين في موسكو اليوم الا انه لم ترد اي تفاصيل بشأن المحادثات. واتهمت انصار باقاييف بتأجيج رد فعل عنيف. ففي مدينة جلال اباد الجنوبية تجمع 200 من انصار الرئيس المخلوع قرب ملصق يحمل صورة باقاييف وهو يضحك مصافحا الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف. وتجمع حشد من خمسة آلاف من الاوزبك العرقيين الذين يمثلون قطاعا عريضا من السكان في جنوب غرب قرغيزستان قائلين انهم يؤيدون وحدة البلاد ويعارضون اي محاولة للفصل بين شمال قرغيزستان وجنوبها. ورفض باقاييف التنحي وظل في جنوب البلاد حيث يتمتع بدعم تقليدي. وقادت أوتونباييفا المعارضة ضد باقاييف في انتفاضة الاربعاء. وقالت أوتونباييفا ان القيادة الجديدة تسيطر على القوات المسلحة وستفعل كل ما هو ممكن لمنع اندلاع حرب اهلية في بلد يستضيف قاعدة عسكرية أمريكية واخرى روسية. واندلعت الانتفاضة في قرغيزستان بسبب السخط من الفساد ومحاباة الاقارب وارتفاع اسعار الخدمات العامة. قرغيزستانيون يدفنون آخر قتلاهم في العاصمة بشكك أمس (رويترز)