انتقد الزميل علي سعيد غياب الاهتمام بقضايا الفن في خطاب المثقفين السعوديين؛ مشيراً إلى أن أدبيات المثقفين المحليين تتحدث عن النهوض الاجتماعي والبناء الحضاري، في حين أنها تتجاهل أحد أهم مقومات بناء الحضارات وهي الفنون. مؤكدا "أننا لا يمكن أن نتحدث عن تاريخ الحضارات دون التطرق لتاريخ الفنون الملازم لها من السومريين وملحمة جلجامش (فن القصة) في الألف الرابع قبل الميلاد، مرورا بالفراعنة (فن العمارة) والاغريق (فن الشعر والخطابة والمسرح) وصولا للعصر الحديث و (فن الرواية والموسيقى والسينما). وأوضح علي سعيد في محاضرة بعنوان (الفنان والوعي الفني) أقيمت في نادي الخليج بمدينة سيهات (الشرقية) مساء السبت؛ أنه حتى تجربة الحداثة الأوربية لم تقم إلا بعد استلهام فنون عصر النهضة الأوربية في العصور الوسطى، في حين أن مثقفينا "يتشدقون" بالجانب الفكري والتنظري في بناء الحضارة ويتجاهلون جانب الفنون، كمحرض حضاري لرقي المجتمع ونهضته. وأشار الزميل إلى أننا نعيش أزمة فن هي في الأساس انعكاس وامتداد للانحطاط الحضاري على المستوى العربي، كما هو حاصل مع تزايد صعود الأغنية الهابطة على سبيل المثال وهبوط الذوق العام على المستوى الجمالي وتجاهل المؤسسات لمسألة تطوير الجانب الفني بين الأفراد الموهوبين في المجتمع عبر بناء معاهد الفنون المختلفة؛ مؤكدا أن الفن هو ليس ترفا وان اشتمل على المتعة، مضيفا أن الفن مؤشر أساس في رقي المجتمعات وهو يحتاج إلى دعم جاد من قبل المؤسسات. كما انتقد سعيد التناقض الاجتماعي إزاء الفن، حيث أشار أن ثمة من يهوى الفنون ولكنه يرفض الافصاح عن ذلك، وكأن الفن عيب أو ادنى مرتبة في سلم الحضارة. مرجعا ذلك إلى هيمنة الفكر التقليدي رغم انفتاح المجتمع. وتطرق سعيد في المحاضرة التي جاءت بدعوة من فرقة (أمواج) المسرحية إلى أهم النظريات الكبرى التي تحدثت عن الفن، مشيرا إلى نظرية (الفن للفن) للمنظر الفرنسي فيكتور كوزان (1818) والتي جاءت امتدادا لأفكار الفيلسوف الألماني امانويل كانط؛ حيث رأى الأخير: أن الفن ليس هو إظهار الشيء الجميل وإنما الطريقة الجمالية في إظهار الشيء والتي ترفض أن يحمل الفن أي رسالة خارجة عليه. كما عرج الصحفي السعودي إلى النظرية الأخرى في الفن والتي ترى أن الفن هو تعبير عن زمانه ومكانه وهو يحمل رسالة اجتماعية، مشيرا إلى أثر الفيلسوف الألماني هيغل على هذه النظرية التي طورتها بشكل كبير النظرية الماركسية في الفن. وانتقد سعيد في المحاضرة كثيرا من الفنانين الذين لا يملكون أدنى مستوى من الثقافة الفنية، مشيرا إلى هنالك مسلسلات تنتج وتسيء للمجتمع بحجة أنها فن يحمل رسالة اجتماعية، في حين نجد بعض الاعمال الفنية تغرق في "الهلوسة" والغموض بحجة أن "الفن للفن" وليس للناس، مطالبا الفنان أن يكون تعبيرا صادقا عن الذات الانسانية، وأن يعي الفنان أن الفن هو مسلك وطريق لكمال الذات وتهذيب النفس وبناء العالم الجمالي. مخاطبا الفنانين الحاضرين إلى أن الفن له كيانه الخاص الذي يجب أن لا يكون تابعا لأحد، وهو ميدان محترم مثلما تحترم الميادين الأخرى في المجتمع.