يتميز كتاب «الملك عبدالله القائد المؤثر» للكاتب الدكتور روب سبحاني، بأنه ليس عرضاً لحياة شخصية فذة وهي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فقط، بل انه أيضاً يحمل الكثير من المواصفات الحضارية السعودية، ومدى تفاعل خادم الحرمين الشريفين معها، وتطبيقها عملياً. فالكتاب الذي يقع في 186 صفحة من القطع الكبير على الورق المصقول، وتتخلله صور لخادم الحرمين الشريفين مع زعماء العالم، ينبه القارئ الأجنبي إلى زخم الحضارة والثقافة العربية السعودية وتاريخ المملكة الحافل. ويجسد ذلك الفصل الأول من الكتاب. فقد سخر خادم الحرمين الشريفين مقدرته الثقافية في بناء «الإصلاح الاجتماعي وجسور السلام بدأها في خطاب له ألقاه يوم السابع من كانون الأول - ديسمبر عام 2005 ووجهه للعالم الإسلامي كله» بحسب الكتاب. ويعتقد المؤلف أن الملك عبدالله وضع، في خطابه هذا، أسس فلسفته في الحياة حيث قال انه من المؤلم أن نرى أن حضارتنا العظيمة تنحدر نحو الفشل وتحدث في هذا الخطاب كيف أن «العقول المجرمة» قد أطلقت سراح الفساد والشر من عقالها. وانطلاقاً من هذا الموقف يقول الكاتب، توصل خادم الحرمين الشريفين إلى إدخال إصلاحات كثيرة من بينها تشجيع حرية الفكر، مما أدى إلى الحوار الوطني، ومنه شجع الملك عبدالله حرية الصحافة، والتي بدأت تتعامل مع مواضيع كانت في رأي المؤلف محرمة سابقاً، على غرار المخدرات ومرض الإيدز والفقر. كما بدأت تظهر مقالات في صفحات الرأي تظهر وجهات نظر مختلفة في عدد من المواضيع الهامة للشعب السعودي. كما يشير الكاتب إلى الرؤية العالمية للملك عبدالله، ومدى ربطها بمصالح المملكة. ويعطي المؤلف مثلاً على ذلك بقوله: «لقد اتخذ (الملك عبدالله) خطوات هامة بربط الكيماويات السعودية، والاستراتيجية والعلاقات السياسية مع أكبر دولتين مهمتين على الصعيد الدولي وهما الصين والهند. فقد كان الملك عبدالله أول ملك سعودي يقوم بزيارة الصين. وأول ملك سعودي قام بزيارة الهند بعد خمسة عقود». ويتحدث الكاتب بإسهاب عن دور المغفور له باذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود في بناء المملكة ويخصص الفصل الثاني من الكتاب لهذا الموضوع، ولكي يفسر للقارئ الأجنبي هذا البعد يعود الكاتب إلى وصف أحداث في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، وعن ظهور العلامة الديني محمد بن عبدالوهاب. ولكي يعطي الكتاب صورة عن التطبيق العملي لأفكار خادم الحرمين الشريفين في الأمور المحلية يخصص الكاتب فصلاً كاملاً عن «سياسة الملك عبدالله المحلية». فيتحدث عن الإصلاحات الداخلية والجهود المبذولة للحاق بمسيرة التقدم والتطور العالمي. وينقل عن الملك عبدالله قوله: «الزمن لا يرحم. نريد أن نرى تحركنا يسبق قلمنا، سنكون أسعد الناس عندما نرى أن ما وعدنا به قد تحقق اننا نحاول أن نختصر الوقت». ويتحدث مؤلف الكتاب عن النهضة الحضارية في المملكة واهتمام خادم الحرمين الشريفين بالتعليم وبناء الجامعات والمدارس، واهتمامه الخاص بتعليم البنات. كما يشير الكاتب إلى المواقف الحاسمة التي اتخذها الملك عبدالله من التطرف، خصوصاً المتعلقة بالتطور الاجتماعي في المملكة العربية السعودية. كما يسلط الكاتب الضوء على موقف المملكة من أحداث الحادي عشر من أيلول - سبتمبر 2001م والخطوات التي اتخذت ضد الذين يستغلون الدين للقيام بأعمال إرهابية، مشيراً إلى سلسلة الخطب التي ألقاها الملك عبدالله حول هذا الموضوع ووصفها بأنها كانت «قوية جداً وحاسمة». ويكرر الكاتب في أكثر من مكان كيف أن الملك عبدالله يرعى بنفسه أحياناً أمور عامة الشعب، ويكرر جملته المشهورة: «إننا نبني السعودية لكل السعوديين». كما يقول الكاتب ان وضع المرأة السعودية قد تحسن كثيراً في عهد ولاية الملك عبدالله، ويتحدث عن كيف أن سيدتين سعوديتين انتخبتا عضوين في الغرفة التجارية في مدينة جدة. كما يتحدث عن ترعرع نساء الأعمال في المملكة العربية السعودية. وخصص الكاتب فصلاً كاملاً عن «السلام والأمن والتطور في السياسة الخارجية» واصفاً خادم الحرمين الشريفين بأنه يحمل «رؤية سلام» ووصفه بأنه «الملك صانع السلام». كما يقول ان عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني يعود إلى معارضة المملكة رفع هذه الأسعار بهدف المحافظة على ضروريات الإنسان وهو موقف إنساني رائع. ولم يفت الكاتب في هذا المجال من التحدث عن تبني المملكة بقيادة الملك عبدالله «حوار الأديان» الشيء الذي أثار اعجاب العالم، خصوصاً عندما تقابل خادم الحرمين الشريفين مع بابا الفاتيكان ورؤساء كنائس مسيحية مختلفة وحاخامات يهود. الكتاب بمجمله جيد، ويعطي صورة واضحة للقراء الأجانب عن نواح عديدة من حياة المملكة العربية السعودية، والتطورات الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين. وصورة عن مستقبل العلاقات بين المملكة وبين دول العالم بما فيها روسيا والصين والهند وغيرها من الدول التي كان للمملكة في الماضي لها علاقات باردة معها. وسيقدم هذا الكتاب خدمة جليلة للقارئ الأجنبي في فهم أبعاد وحضارة ليس فقط المملكة العربية السعودية بل العالمين العربي والإسلامي.