يتطلب تعزيز العلاقات السعودية الأمريكية الحالية «دراسة ميدانية» تعمل على تحليل واقع ومستقبل العلاقات بين البلدين، دراسة تمثل محاولة «علمية ومنهجية» جادة لقياس آراء واتجاهات الرأي العام في كلا البلدين لواقع العلاقات بينهما، وتوقعات الرأي العام لمستقبل هذه العلاقة، دراسة نأمل أن يشارك في تنفيذها مؤسسات مهنية أمريكية مرموقة في مجال مسوحات الرأي العام، وجهات محلية أكاديمية واستشارية مهنية متخصصة مثل «معهد الدراسات الدبلوماسية» التابع لوزارة الخارجية، و«الجمعية السعودية للإعلام والاتصال» و«الجمعية السعودية للعلوم السياسية» التابعتين لجامعة الملك سعود، ودور الاستشارة المحلية المتخصصة في الدراسات والاستشارات الإعلامية، وذلك بهدف اجراء مسوحات الرأي العام والمقابلات الشخصية، وورش العمل، انتهاء باستخلاص النتائج وتحليليها، وتقديم التقارير والتوصيات حول توجهات الرأي العام في البلدين حول العلاقات بينهما. وتأكيداً لما تنطوي عليه هذه الدراسة من أهمية في تعميق العلاقات الاستراتيجية السعودية الأمريكية، من خلال فهم ما طرأ من تغيرات على النظرة الأمريكية للمجتمع السعودي عقب أحداث سبتمبر، نقوم في التالي بسرد لوجهات نظر توضح تلك الأهمية: - ظلت العلاقات السعودية الأمريكية تنمو على نحو متميز، كما شهدت تطوراً مستمراً منذ بدايتها عام 1933، ومرت بمنعطفات ومراحل ومحطات مهمة أدت إلى تقويتها حتى درجة «الشراكة» الاستراتيجية، بحيث شكلت واحداً من أبرز محاور السياسة الخارجية وأكثرها أهمية وأولوية لكلا البلدين من ناحية، وأصبحت واحدة من أبرز حقائق العلاقات الدولية والاقليمية، ومن أوضح علامات السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، من ناحية أخرى. - على الرغم من مرور تلك العلاقات بأزمات أو توترات في فترات زمنية متفاوتة، إلا أن رؤية البلدين لأهمية علاقاتهما، باعتبارها علاقة استراتيجية، كانت دائماً تحول دون تدهور «الشراكة» الاستراتيجية بينهما، كما أن الأزمات كانت أحد العوامل المهمة التي «حصنت» علاقاتهما ضد ما يهددها، إذ أدرك كلاهما، أن تحقيق مصالحهما المشتركة لا يتأتى إلا عبر رؤية متقاربة، وإن لم تكن متطابقة تجاه الأحداث الدولية، انطلاقاً من تباينات حكمها موقع كليهما - المملكة باعتبرها أبرز قوة مركزية ومحورية في اقليمها، والولايات المتحدة باعتبارها أبرز وأكثر القوى العالمية اهتماماً بالاقليم، انطلاقاً من مصالحها. وفيما عدا بعض القضايا الاقليمية، فإن السياسات الخارجية للبلدين، ظلت تتفق حول الكثير من القضايا والأحداث في العالم. - تمثل الدراسة ضرورة لاستبصار حقيقة ما حدث، وفهم الآثار الحقيقية لأحداث سبتمبر على علاقات البلدين، خاصة «الصورة الذهنية» للشعب الأمريكي حول الشعب السعودي، وما أصاب هذه الصورة نتيجة لأحداث سبتمبر التي هزت وعي المجتمع الأمريكي وأفكاره عن المجتمع السعودي. - وتمثل الدراسة أيضاً ركيزة لا بد منها، وأساساً لا غنى عنه، لفهم التغيرات الحادة في سلوك الشعب الأمريكي إزاء السعوديين، بعد أحداث سبتمبر، ومن ثم فهم أساليب وآليات معالجة هذه التغيرات، والتأسيس من جديد لعلاقات «استراتيجية» أكثر قوة وصلابة في وجه أي طارئ أو متغير، مهما كانت قوته أو شدته، بل وحماية العلاقات التاريخية بين البلدين، والعمل على تنميتها وتطويرها في اطار «رؤية مستقبلية» تضع مصالح البلدين في الاعتبار، وتسعى إلى تغليب «المشترك» على دواعي التنافر والاختلاف. - نظراً لأهمية الاقتصاد في العلاقات الدولية، فقد شكل الاقتصاد الركيزة «الأساسية» للعلاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدةالأمريكية، التي تعد الشريك الاقتصادي والتجاري الأكبر مع المملكة حتى الآن، وقد تأثرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد احداث سبتمبر، وإلى حد كبير، الأمر الذي يستدعي «رصداً حقيقياً وموضوعياً لتأثيرات سبتمبر» على العلاقات الاقتصادية للبلدين، بما تعنيه من تأثير حيوي على مجمل دوائر العلاقات المشتركة، وعلى العناصر الحيوية والفاعلة في تقوية «المشترك الاستراتيجي» بين البلدين. - إن الضرورة الوطنية والواجب الاجتماعي يفرضان على القطاع الخاص السعودي أن يمارس مسؤوليته الوطنية، وأن ينهض بدوره في تنمية العلاقات الثنائية ببين البلدين، لإفساح المجال واسعاً أمام إعادة «ترميم» وبناء ما تصدع من جسور، نتيجة للشروخ التي أحدثتها هجمات سبتمبر، التي لا تزال تاركة بصماتها على الوجدان والوعي الأمريكي. ومن هنا، فإن الدور الذي تستطيع أن تلعبه الشركات والمجموعات السعودية الكبرى - المرتبطة بعلاقات تجارية ومشاريع محلية مشتركة وناجحة مع كبرى المجموعات التجارية والصناعية الأمريكية - سيكون دوراً كبيراً ومؤثراً، فيما يتعلق بإعادة ترميم ما أحدثه الحادي عشر من سبتمبر على العلاقات بين الشعبين. وان ما جاء أعلاه يوضح أهمية الدراسة العملية المنهجية المقترحة في فهم الآثار الحقيقية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والخروج بالسياسات والآليات التي سيناط بها معالجة تلك المتغيرات، وحماية العلاقات، وتنميتها في اطار رؤية مستقبلية واضحة المعالم والتوجهات، أملاً في تصحيح الصور السلبية القائمة، والله من وراء القصد.