يبدو أن الأطفال أول مايتعلمون (بجانب كلمتي ماما وبابا) عد الأرقام من واحد إلى عشرة .. وهذا ما لاحظته في ابني ياسر الذي يصعد الدرج هذه الأيام أثناء عد الأرقام بالعربية .. وأحيانا بالاندونيسية !! ونظريتي بهذا الخصوص تقول إن ترتيب الأرقام بطريقة منطقية ومتوالية يسهل على الدماغ حفظها وعلى اللسان سردها بطريقة التداعي الحر . أما بالنسبة للكبار فهي أسهل من "شرب الماء" لدرجة يسهل سردها ومتابعتها حتى للأميين وكبار السن ومن لم تطأ قدمه المدرسة!! والمدهش أن (تاريخ الأرقام) لم يكن سهلا أو بديهيا أو بسيطا مثل عد الأرقام ذاتها .. فهي اختراع طويل ومتشابك تعرض لتغييرات وإضافات ساهمت فيها شعوب كثيرة حتى اتفقت في النهاية على أجمل وأبسط نظام نستعمله هذه الأيام.. فالإنسان البدائي كان عاجزا بكل بساطة عن عد الأرقام ومتابعة تركيبها (بل كان سكان استراليا الأصليون لا يعرفون غير 1 و 2 و 3 و كثيير).. أما السبب فهو عدم وجود وسيلة لكتابتها وترتيبها وإظهار علاقتها ببعضها . لهذا السبب كان يصعب على الانسان البدائي تجاوز أرقام معينة أو إجراء عمليات حسابية بسيطة (ربما باستثناء إضافة وإنقاص بعض الحصى والبعرات على الأرض).. واقتضى الأمر آلاف السنين حتى اخترع السومريون أول رموز رقمية واخترع الأنكا في البيرو أول آلة حسابية بدائية (عبارة عن خيوط مشدودة وخرزات يمكن تحريكها من طرف لآخر).. وفي حين تعتمد أرقامنا الحديثة على النظام العشري (الذي يضاف ويتماثل في كل 10 أرقام تالية) اعتمد الصينيون على نظام مكون من 12 رقما ، والمايا على نظام مكون من 20 رقما ، في حين اعتمد السومريون على نظام مكون من 60 رقما ... (ولكن يبدو أننا قررنا في النهاية اختيار النظام العشري كونه يسهل علينا الحساب باستعمال أصابعنا العشرة) !! وما يثير استغرابي بحق أن الإغريق اخترعوا الفلسفة والمنطق ولكنهم عجزوا عن اختراع أرقام متوالية.. أما الرومان (الذين برعوا في التنظيم والتشييد) فلجأوا إلى مراكمة الأعداد بطريقة بدائية معقدة حتى أصبح رقم ثمانية يكتب(VIII) ورقم ثمانية وثمانين يكتب(LXXXVIII) وناتج ضربهما(VIIILXXXxVIII) يحتاج الى خبير مواريث يفك طلاسمه!! وكما هو حال الأرقام الصينية والسومرية والفرعونية استمر استعمال الأرقام الرومانية لقرون عديدة (وتحديدا حتى موعد احتكاك الرومان بالعرب) .. ففي القرن السادس الميلادي وفي وقت مقارب لميلاد نبينا محمد اخترع الهنود "الصفر" وفي عام 1202 تعرف عليه العرب ونقلوه لبقية العالم مع أرقامهم الخاصة (6,5,4,3,2,1) !! وتكمن عبقرية "الصفر" في قدرته على تغيير قيمة الأعداد بمجرد إضافته إليها (بحيث يصبح الرقم خمسة 50 و 500 و 5000) كما يسمح بتغيير الأعداد بحسب خاناتها العشرية (بحيث ندرك أن الرقم 51 أكبر من الرقم 15) والأهم أنه سمح بتوالي الأعداد دون توقف لدرجة ابتكر علماء الرياضيات رمزا للانهائية (يمكن تشبيهه برقم 8 مستلق على جنبه)!! ولكن ؛ رغم عبقرية الصفر والنظام العشري لاحظ الناس استحالة إجراء بعض عمليات الطرح البسيطة (فما هو مثلا ناتج 3-9) . وهكذا دعوها ببساطة "العمليات السخيفة" لدرجة كان المعلمون يعاقبون أي طفل يضيع وقته بطرح رقم "صغير" من "كبير" .. غير أن تقدم العلوم أثبت حاجتنا إلى وجود نظام عشري "سالب" يسبق الصفر ويقابل نظام الأرقام الموجب (وبالتالي يصبح ناتج العملية السابقة 6-)!! ...هذه أيها السادة نهاية القصة الطويلة لأرقام نعدها اليوم بديهية وبسيطة ولا نلقي لها بالا... ولكنها في الحقيقة "بديهية" و "بسيطة" بطريقة ذكية وعبقرية لدرجة نتعلمها في سن الرضاعة ويسردها ياسر أثناء صعود الدرج ...