شهدت موريتانيا مؤخرا سلسلة عمليات متلاحقة نفذها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب ، تمثلت في عمليات خطف واغتيال وتفجير استهدفت جميعها المصالح الغربية في موريتانيا، ودفعت المراقبين إلى الحديث بقلق عن شروع القاعدة في تنفيذ قرارها بتحويل موريتانيا إلى مسرح لنشاطاتها الإرهابية، مستغلة مساحتها الشاسعة وحدوها الصحراوية الطويلة مع شمال مالي وجنوب الجزائر، حيث معاقل تنظيم القاعدة ومعسكراته، وضعف الأجهزة الأمنية التي تعاني من نقص في التكوين والإمكانيات. ويعود اهتمام القاعدة بموريتانيا إلى يونيو عام 2005 عندما قرر أمير الصحراء في تنظيم الجامعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية سابقا "مختار بلمختار" الملقب "بلعور" تنفيذ أول عمل مسلح للتنظيم على الأراضي الموريتانية، حيث هاجم مقاتلو التنظيم ثكنة تابعة للجيش الموريتاني فجر يوم الرابع من يونيو عام 2005، في أقصى الشمال الموريتاني، وقتلوا 15 عسكريا، وأصابوا آخرين بجراح، ثم تتالت بعد ذلك عمليات التنظيم التي استهدفت قوات الجيش والرعايا الغربيين على الأراضي الموريتانية، حيث قتل أربعة فرنسيين وأمريكي وعشرات الجنود في عمليات إرهابية مختلفة، وفي أواخر عام 2007 أسس تنظيم القاعدة فرعا له في موريتانيا تحت اسم "أنصار الله المرابطون في بلاد شنقيط"، واسندت قيادته إلى الناشط الموريتاني في التنظيم الخديم ولد السمان، وقد نفذ هذا التنظيم عدة عمليات على الأراضي الموريتانية من بينها هجوم استهدف السفارة الإسرائيلية في نواكشوط قبل إغلاقها، وعمليات سطو على بعض الأموال والسيارات التابعة للحكومة، وقد تمكنت قوات الأمن والاستخبارات الموريتانية في إبريل عام 2008 من تفكيك التنظيم واعتقال قادته وقتل بعضهم، في مواجهات مسلحة وسط العاصمة نواكشوط. لكن تنظيم القاعدة سرعان ما تمكن من اكتتاب عناصر موريتانية جديدة، وتخلى عن فكرة تأسيس تنظيم محلي له في موريتانيا، مكتفيا بخلايا يتم إرسالها من الصحراء في شمال مالي لتتسلل إلى الأراضي الموريتانية بغية تنفيذ عمليات محددة ومن ثم الانسحاب إلى قواعد التنظيم، وحسب معلومات حصلت عليها "الرياض" فقد كلف التنظيم أحد قادته الجزائريين في الصحراء الكبرى ويدعى "يحيى أبو الهمام" بالشأن الموريتاني ووضع تحت إمرته جميع المقاتلين الموريتانيين في التنظيم، وقد رسم هذا الأخير استرتيجية للعمل على الأراضي الموريتانية تقوم في الأساس على عمليات اختطاف الرعايا الغربيين في موريتانيا، حيث خطط لعملية اختطاف سياح فرنسيين في شمال البلاد أواخر عام 2008 وأوفد أحد عناصره إلى مدينة "أطار" الشمالية لرصد حركة السياح الذين يتوافدون إلى المنطقة لزيارة مدينتي شنقيط وودان التاريخيتين، ثم تراجع عن تلك الفكرة بسبب التواجد المكثف للجيش الموريتاني في تلك المنطقة، وكلف عناصر أخرى برصد عدد من الكنديين العاملين في إحدى شركات التنقيب عن الذهب بمدينة اكجوجت وسط البلاد، قبل أن يغير خطته ويقرر تنفيذ عملية احتجاز لرعايا فرنسيين بالمركز الثقافي الفرنسي وسط نواكشوط، وقد أوفد التنظيم لهذا الغرض ناشطا موريتانيا يدعى "أبو أنس" وكلفه بمراقبة المركز الثقافي الفرنسي، ومعرفة أوقات تواجد الفرنسيين فيه، وتقرر أن تنفذ العملية في مطعم المركز عندما يرتاده أكبر عدد من الرواد وقت الغداء، وتم إرسال أربعة انتحاريين للانضمام إلى "أبو أنس" كلفوا باقتحام المطعم واحتجاز الرهائن داخله بغية مبادلتهم بسجناء القاعدة في السجون الموريتانية، لكن الأمن الموريتاني أفشل الخطة واعتقل "أبو أنس" قبل موعد التنفيذ، كما كشفت نفس المصادر أن التنظيم خطط لاختطاف نائب السفير الألماني في نواكشوط، وقد تم رصد منزله، وأرسلت مجموعة من عناصر التنظيم إلى نواكشوط لتنفيذ العملية، إلا أن السلطات الأمنية أحبطت المحاولة واعتقلت عناصر التنظيم وصادرت الأسلحة والمتفجرات التي كانت بحوزتهم. وفي أواخر يونيو عام 2009 قام ثلاثة مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة باغتيال مواطن أمريكي يعمل في منظمة غير حكومية وسط العاصمة نواكشوط، وقد كشفت التحقيقات مع المنفذين بعد اعتقالهم أن الهدف من العملية كان اختطاف الأمريكي، لكنه حاول المقاومة فقاموا بقتله ولاذوا بالفرار. غير أن القاعدة لم تكف عن محاولاتها القيام بعمليات اختطاف لرعايا غربيين على الأراضي الموريتانية، لتتمكن من ذلك أخيرا في نهاية شهر نوفمبر الماضي حيث نجح عناصر تابعون لها في اختطاف ثلاثة رعايا إسبان على طريق ساحلي يربط بين العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو، ولم تكد الحكومة الموريتانية تفيق من صدمة الحادثة، التي كانت الأولى من نوعها على الأراضي الموريتانية، حتى جاءت عملية الاختطاف الثانية في الثامن عشر من ديسمبر واستهدفت مواطنين إيطاليين وسائقهما ، لكن هذه المرة في شرق البلاد وعلى بعد كيلومترات معدودة من الحدود مع مالي. هذه العمليات المتتالية رغم الإجراءات الأمنية والعسكرية المشددة التي اتخذتها السلطات الموريتانية، تدفع بالمراقبين إلى الحديث عن إحتمال أن يكون التنظيم الارهابي قد تمكن من اختراق الأمن الموريتاني.