وللحكاية فصول أخرى» في فناء المنزل الواسع.. وبعيدا عن كل شيء غير آمن خارج تلك الأسوار التي بناها الأب ليسكن فيها مع زوجته وابنائه واحفاده، جلست العائلة في اليوم الثاني من أيام «الرصاص المصبوب» تتجاذب أطراف الحديث عن حكايات اليوم الأول من الحرب ومشاهد الدمار، دون أن يعلموا أنهم بعد عدة دقائق أو ربما ثوان معدودات، سيصبحون من أركان هذه الحكايا، وستروى قصتهم مثلما رددوا قصص الآخرين. ففي حوالي الساعة السابعة مساء من يوم 28 ديسمبر 2009 ألقت طائرة إف 16 إسرائيلية قنبلة على منزل عائلة كشكو في حي الزيتون بمدينة غزة لتشتت شمل العائلة تحت الركام. كان عبدالله كشكو، البالغ من العمر (49 عاماً)، وزوجته صباح،(49 عاماً)، وأبناؤهم الأربعة محمد، (11 عاماً)، ولطيفة (15 عاماً)، وفاطمة، (18 عاماً)، وطلال، (24 عاماً) وابنته إسلام ذات العام الأول من عمرها، كان الجميع يجلسون في فناء منزلهم. ميساء زوجة طلال، البالغة من العمر (21 عاماً)، وعبد الله وابتهال، (8) سنوات كانوا داخل المنزل عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية منزلهم. مئذنة مسجد لم تسلم من العدوان تروي فاطمة الإبنة التي أصبح عمرها (19 عاماً) اليوم وبعد مضي عام على الفاجعة: «كنت اجلس مع والدي وإخوتي في قطعة ارض أمام المنزل، جلسنا حيث لا توجد كهرباء خلال العدوان كل منا يروي الحكايات التي سمعها عن الحرب في اليوم الأول» وتتابع: «كان والدي عبدالله قد أرسل لتوه أختي ابتهال لكي تخبر زوجة أخي ميساء أن تأتي وتجلس معنا في الخارج، فجأة شعرت بضغط غريب و حرارة حولي. ثم وجدت نفسي ملقاة على الأرض وبيدي ابنة أخي إسلام. لقد كان والدها طلال (أخي) يحملها بين يده قبل ثوانٍ . في البداية اعتقدت أنها دعابة من أخي طلال وانه قام بإلقائي على الأرض حيث كنت أتأرجح وأتمايل و أنا اجلس على الكرسي. ولكن بعد ذلك شممت رائحة غريبة جعلتني اشعر بالألم في معدتي. بدأ أخي طلال بالصراخ والمناداة «ماذا حدث؟ ماذا حدث؟». عندما أدرك طلال وأخته فاطمة الفاجعة؛ بدآ بالبحث عن والديهم و إخوانهم وأخواتهم وهم في حالة هياج وذعر: تتابع فاطمة الحكاية قائلة: «سمعت لطيفة تئن فتبعت الصوت ووجدتها بجوار الحائط مغطاة بالركام. واستطاعت أن تخرج من بين الركام ثم سمعنا صوت والدي من تحت الركام يطلب المساعدة. حاولنا أن نزيل بعض الحجارة المكسرة ولكننا لم نجده. ثم رأيت بعض المصابيح المضيئة في مكان ليس ببعيد فقررت الذهاب الى هناك وأطلب المساعدة. جريت أنا ولطيفة باتجاه الضوء ووجدت بعض الشباب يقفون هناك. توسلت إليهم ليأتوا ويساعدونا ولكنهم كانوا خائفين من احتمال صاروخ آخر. تركت إسلام ولطيفة معهم وعدت مسرعة لأنقذ والدي. كنت أفكر طوال الوقت بأنني سأعيش مع والدي أو أموت معهما. لا استطيع الانتظار لكي تصل سيارات الإسعاف واتركهم يموتون. مضت ساعة ونصف وطلال وفاطمة يتسلقان الركام ويحاولان إنقاذ عائلتهم من تحت الركام. وفي نهاية الأمر وصل أقاربهم الذين سمعوا عبر الراديو عن القصف الصاروخي الذي أصاب منزلهم وسارعوا لتقديم المساعدة ثم تبعتهم سيارات الإسعاف التي قامت بنقل المصابين الذين تعرضوا لإصابات خطرة. وتبعهم بقية أفراد العائلة بسيارة مدنية. أوضحت فاطمة ما حدث بعد ذلك «كنت أجلس على سرير لأتلقى العلاج في المستشفى عندما رأيت امرأة محمولة على الحمالة. كان الدم يخرج من فمها ومن إحدى عينيها ويغطي وجهها وجسمها بعض الحجارة. فجأة أدركت أنها أمي. جريت باتجاهها وكنت أقول لها أنا فاطمة أنا فاطمة ولكنها فقط كانت تحرك رأسها. ثم حاولت بعد ذلك الكلام كانت تقول «ا.. ب.. ت.. ه..ا...ل» في هذه اللحظة تذكرت أن ابتهال وميساء كانتا داخل المنزل عندما قصفتنا الطائرات الإسرائيلية. بناية في غزة حولتها الصواريخ الإسرائيلية أنقاضاً توجهت فرق الإنقاذ إلى مكان الحادث ولكن الظلام كان حالكا ولم يستطيعوا إيجاد أي من ميساء أو ابتهال، فعادوا مرة أخرى وقت الفجر ووجدوا جثثهم، بالإضافة إلى فقدانها ابنها الأصغر فقد أصيبت صباح بجراح خطرة. بعد عام من الهجوم لا تزال صباح تحاول السير. «سقط عمود من المنزل على والدتي عندما تعرض منزلنا للقصف» تقول فاطمة. « كانت إصابتها خطيرة فقد كسر وركها وساقها وأصيبت بجراح داخلية في معدتها وصدرها. وحولها الأطباء إلى مصر لتلقي العلاج حيث بقيت هناك لمدة تزيد عن شهرين ». ونظرا لصعوبة حالتها الصحية وجراحها الخطرة لم يشأ زوجها عبدالله أن يبلغها مباشرة عن استشهاد ابنتها ابتهال. تقول فاطمة «كانت أمي منهارة عندما تلقت الخبر وعندما علمت بمقتل ابنها الأصغر».