إن مما لاشك فيه أننا نعيش في زمن اختلطت فيه الأمور على كثير من الناس لدرجة أصبح فيها الحد الفاصل بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر غير واضح. وهذه بلا شك من أكبر المخاطر وأعظم الابتلاءات. و بالتالي يستوجب على كل مسلم أن يأخذ الحيطة والحذر لدينه، وخصوصاً فيما يتعلق بعقيدته التي هي أثمن ما يملك وأعز زاد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, ذلك أن غاية ما يطمح إليه الإنسان هو أن يلقى الله على الإسلام, «يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون». و لذلك فالواجب والحكمة يقتضيان أن يبتعد المسلم عن كل ما يقربه من دائرة الهلاك. وهذه لن تكون سهلة بدون عون وتوفيق من الله, حيث إننا نواجه واقعاً كثرت فيه القواصم التي تقصم إيمان الإنسان فتتركه حائراً لا يدري أين الوجهة وأين المصير، من أجل ذلك يتوجب اتخاذ جميع التدابير التي من شأنها أن تحفظ إيمان المسلم. وسوف نقوم في هذه العجالة بذكر بعض المخاطر والقواصم التي تهدد عقيدة الإنسان في هذا الزمان, مع ذكر أهم العوامل الاحترازية التي يجب الاعتصام بها لكي يحفظ الإنسان دينه, و سوف نكتفي بالإشارة إلى العناوين دون الخوض في التفاصيل, ذلك أن اللبيب من الإشارة يفهم : القاصمة الأولى: تبرير إهدار دم المسلم تحت أي عذر من الأعذار لم يأت به نص قاطع وصريح من الله ورسوله، فلا تكاد شاشات التلفاز أو صفحات الصحف تخلو من مشاهد أشلاء المسلمين المتناثرة على جوانب الطرق. ومما يأسف له الإنسان المسلم أن هذه النفوس البريئة قد أزهقت بحجج واهية لا أصل لها في شرع الله. والعاصمة من ذلك هي الاعتقاد التام بحرمة دم المسلم والبراءة إلى الله من الوقوع في أو السكوت عن إهدار الدم الذي حرمه الله بقوله:»و َمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» [النساء (93)], وكما أبلغنا الصادق المصدوق عليه صلوات الله وسلامه في حديثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك, ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً). ولعل من أوضح النصوص التي وردت في هذا الباب الحديث الذي صححه الألباني عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار). ولذلك فلا يمكن أن نتصور وبأي شكل من الأشكال التقرب إلى الله بقتل المسلم حتى ولو كان عاصيا, ويجب الاعتقاد بأن استباحة دم المسلم تحت أي مبرر لم يأت به نص قطعي من الله ورسوله، إنما هي إعلان الحرب على الله كما جاء في الحديث القدسي, «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب». وحتى في الأمور التي أباح الله فيها القصاص مثل جرائم القتل العمد أو الفساد في الأرض, فإن دم المسلم لا يباح إلا بعد صدور الحكم القضائي الصريح الذي يثبت الإدانة بما لا يقبل الشك, ولا يجوز بأي حال من الأحوال للفرد أن يقوم مقام القاضي أو ولي الأمر في هذه الأمور, حيث إن الإيمان إذا ثبت للإنسان لا يزول بالشك أو الشبهة والواجب التيقن في مثل هذه الأمور. القاصمة الثانية: أن يقتل الإنسان المسلم نفسه تحت أي مبرر من المبررات, حيث كثرت هذه الأيام الدعوات إلى ما يسمى بالعمليات الانتحارية التي يقع ضحيتها العشرات لا بل المئات من الأبرياء. إن النفس وديعة استودعنا الله إياها وهو سائلنا عنها يوم القيامة. لذلك جاء النهي عن الانتحار في قوله تعالى «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» ]النساء-29[, ولقوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» ]البقرة-195[, وقوله صلوات الله عليه وسلامه (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) وما رواه البُخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان فِيمَنْ قبلَكمْ رجلٌ بهِ جُرْحٌ فجَزِعَ فأَخذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بهَا يَدَهُ، فمَا رَقَأَ الدَّمُ حتَّى مَاتَ. قال الله تعالى : بَادَرَنِي عبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عليهِ الجَنَّةَ). ومما يدخل في باب الانتحار التهور الكبير الذي يمارسه بعض الشباب في القيادة الجنونية للسيارات على الطرق العامة التي تؤدي إلى الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات, و من أنواع الانتحار كذلك اللجوء إلى المخدرات التي هي من أكبر الأدواء التي ابتليت بها البشرية جمعاء وصارت ومع الأسف تجد طريقها إلى شبابنا الذي نعول عليه النهوض بهذه الأمة وبناء مستقبلها. ومما يزيد الطين بلة أن هذه الجريمة أصبحت من أكبر الفعاليات الاقتصادية العالمية التي تُنفق عليها من الأموال ما يفوق ما تنفقه الدول على السلاح, و هذه بدورها أدت إلى ظهور مجاميع الجريمة المنظمة التي أخذت تنخر في بنية المجتمعات المنكوبة مثل داء السرطان الذي لا يفارق الجسم حتى يقضي عليه. والعاصمة هي الاعتقاد التام بحرمة الانتحار والمخدرات ووجوب إيجاد وسائل التثقيف والتوعية للشباب لعدم الوقوع في شراك التطرف والابتعاد كل البعد عن المخدرات والالتزام التام بالنصوص الشرعية الواضحة الصريحة وسلوك السلف الصالح. القاصمة الثالثة هي ترويع المسلمين، ففي حديث ابن أبي ليلى قال: (حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما), ولذلك حرم الرسول على المسلم الإشارةَ على أخيه المسلم بالسِّلاح ولو مازحًا، قال النبيّ : (من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم، فإذا كان ترويع مسلم في مسألة بسيطة مثل أخذ حبله منه وهو نائم ولو كانت من باب المزاح من أقرب المقربين حراماً, فماذا نقول عن أولئك الذين يروعون الملايين من المسلمين تحت شتى العناوين والمسميات ؟ ولذلك وجب على الإنسان المسلم أن يعصم نفسه بالابتعاد عن ترويع الآمنين وأن يلتزم بأمر الشرع ونهيه. القاصمة الرابعة استباحة أموال المسلمين ويدخل في ذلك استهداف مؤسسات الدولة في بلاد المسلمين من دوائر ووزارات ومنشآت عامة وجدت لخدمة الناس مثل التعليم والصحة والمحاكم والخدمات الاجتماعية والطرق والجسور والدوائر التي تقوم على حفظ حقوقهم وأمنهم, وكذلك إهدار خيراتهم و تخريب ممتلكاتهم, حيث شاعت حوادث استهداف المؤسسات العامة بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان. والعاصمة من ذلك هي العمل على إصلاح مؤسسات النفع العام وتقويتها لما في ذلك من الأجر العظيم. والأدلة الشرعية على أهمية ذلك أكثر من أن تحصى ولكن نكتفي بحديث الرسول الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له)، فإذا كان في إماطة الأذى عن الطريق هذا الأجر العظيم, عند ذلك يمكن أن تدرك وزر من يؤذي ويخرب المؤسسات العامة التي هي أكثر نفعاً من الطريق. القاصمة الخامسة هي أكل المال الحرام واستباحة المال العام, فلقد كثرت الخلطة بين الحرام والحلال في هذا الزمان, واستبيحت أموال الناس تحت العديد من المبررات, فشاعت الرشوة والسرقة والغش بين المسلمين, حتى أصبحت بعض بلاد المسلمين مضرب المثل في شيوع الفساد المالي. ولعل من أكبر الابتلاءات هذا الزمان الجرأة في أكل المال العام من قبل البعض وكأنهم لا يعلمون أن المال العام أكثر حرمة من المال الخاص و هذا لعموم البلوى من وراء إهداره ولأنه مال الأرملة واليتيم فلذلك حذرنا الرسول من استباحته ففي الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ), و أيضاً الحديث الذي رواه البخاري عن خولة الأنصارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فليس لهم يوم القيامة إلا النار). وفيه أيضا حديث زياد بن معقل بن يسار أنه سمع رسول الله يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية, يموت –يوم يموت- وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)، إذ إن العمل العام الذي يوكل إلى الإنسان إنما هو أمانة, لما ثبت عن رسول الله أنه قال لأبي ذر عندما سأله أن يوليه, قال (إنها أمانة), وقد أمر الله المؤمنين بأداء الأمانة وجعلها صفة لازمة لهم، فقال «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون». إن المال الحرام له أضرار كبيرة على إيمان الفرد وسلامته يوم القيامة منها أن الإنسان إذا خالط جسمه المال الحرام فالنار أولى به, وأن المأكل الحرام يحول دون استجابة الدعاء, وكذلك عظمة السؤال عن المال يوم القيامة, حيث يسأل الإنسان عن كل شيء سؤالا واحداً, إلا المال فإنه يسأل عنه سؤالين, من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وأما العاصمة, فهي الابتعاد التام عن المال الحرام, حتى لو رأى المسلم الناس تتكالب وتتقاتل عليه, ذلك أن المؤمن مأمور بالتنزه عن منازعة الناس الحرام, وإنما غايته هي الكسب الحلال, ولا بأس بالمال والإثراء من الحلال إذا ما أقترن بفعل الخير والتزكية والرغبة بما عند الله. إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى ميثاق شرف وحلف فضول يتعاهد عليه علماء الأمة وقادتها من أجل العمل بكل الوسائل على المحافظة على أرواح المسلمين وممتلكاتهم التي أمر الله بحفظها وعدم التفريط بها والتنازل عنها تحت أي مسمى كان. في الختام أسأل المولى أن يحفظ للمسلمين دينهم وعقيدتهم وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن يرزقنا المزيد من الأمن والأمان. * سفير جمهورية العراق في الرياض