اكتشف الجيش الأميركي بعد احتلال العراق أن إعادة أعمار البلاد ومواجهة التمرد تحتاج إلى سلاح لا يتوفر في خزانتها : آلاف المترجمين الفوريين. ولملء هذا الفراغ ، استعانت وزارة الدفاع بخدمات شركة تيتان من سان دييغو لتأمين احتياجاتها من المترجمين الفوريين. وبالفعل قامت الشركة في نهاية المطاف بتوظيف أكثر من ثمانية آلاف مترجم غالبيتهم من العراقيين مقابل 12,000 دولار في السنة. مقابل هذا المبلغ الزهيد كان هؤلاء المدنيون بمثابة صوت أميركا العسكرية. قد تحدى هؤلاء المترجمون نيران القناصة والقنابل المزروعة على الطرق كما كانوا أهدافاً مشروعة للمسلحين وتعرضوا للتعذيب والاغتيال بتهم التعاون مع العدو. غير أن العديد منهم تلقوا أوسمة عسكرية على تفانيهم وبطولاتهم. وقد قتل ما لا يقل عن 360 مترجمازمن الذين وظفتهم تيتان والشركات التي خلفتها ما بين مارس 2003 ومارس 2008 وأصيب أكثر من 1,200 منهم بجراح. وكان عدد القتلى وسط المترجمين أكبر بكثير من عدد قتلى القوات المسلحة في أي بلد مشارك في قوات التحالف الذي تقوده أميركا باستثناء أميركا نفسها . وقد قتل وجرح العشرات من المترجمين العاملين مع القوات الأميركية في أفغانستان. وكان من المفترض أن يوفر برنامج التأمين الذي يموله دافعو الضرائب الأميركيون شبكة أمان للمترجمين الفوريين وأسرهم في حالة حدوث الإصابة أو الوفاة. ولكن بالنسبة للكثيرين كانت هذه الفوائد دون المأمول وقد قصرت شركات التأمين وماطلت في تحقيق ما وعدت به. وقد تبين لتايمز من التحقيق الذي أجرته ومن واقع المقابلات ووثائق وبيانات الشركات بشأن مطالبات التأمين أن الأخيرة أخرت أو حتى رفضت المطالبات بدفع استحقاق العجز أو الوفاة بدعوى عدم وجود تقارير من الشرطة أو غيرها من الأدلة الوثائقية التي تثبت أن وفيات أو إصابات المترجمين الفوريين مرتبطة بعملهم مع الجيش الأميركي. ويقول النقاد بما في ذلك بعض ضباط الجيش الأميركي إنه من غير المعقول أن يتوقع من العراقيين والأفغان توثيق أسباب الإصابات التي لحقت بهم في ميادين القتال. ويقول المترجمون العراقيون الذين أرسلوا للأردن لتلقي العلاج إنهم تعرضوا لضغوط لقبول مبلغ مقطوع كتسوية من شركات التأمين بدلاً عن تلقي فوائد مدى الحياة ربما تصل قيمتها إلى أكثر من ذلك وقيل لهم إن من لا يوقع سوف يعاد إلى العراق مما يعني احتمال مواجهة عقوبة الإعدام لارتباطهم بالجهود الحربية الأميركية. وقد انتهى الحال بالمترجمين الذين هاجروا إلى الولاياتالمتحدة كلاجئين مفلسين يعيشون على الصدقات أو يعملون في وظائف وضيعة لأن فوائد التأمين التي يحصلون عليها تم حسابها على أساس الأجور وتكاليف المعيشة في بلدانهم الأصلية. ومن بين هؤلاء يبرز اسم مالك هادي الذي كان يعمل مع الشرطة العسكرية الأمريكية خارج بغداد عندما انفجرت قنبلة محلية الصنع تحت سيارة همفي كان يستقلها في سبتمبر 2006. وقد تسبب الانفجار في تمزيق ساقه اليمنى وإصابة اليسرى وبتر عدد من أصابعها. ويعيش هادي-25 عاماً- اليوم لوحده في حي تتفشى فيه الجريمة في مدينة أرلنغتون بولاية تكساس ويجاهد ليتسلق الدرج على عكازين ليصل إلى شقته بالطابق الثاني. وقد تم تشخيص حالته بصدمة ما بعد الإصابة ولكنه لم يتلق العلاج لرفض شركة التأمين دفع التكاليف. ويقتصد هادي للعيش على 612 دولاراً في الشهر وهو الحد الأقصى المتاح في إطار نظام التأمين الخاص بإصابات القتال. وقال هادي "عندما كنا في العراق كنا نعامل مثل الجنود تماماً ولكن لماذا نلقى معاملة مختلفة الآن ؟". وقد رفضت شركة أمريكان انترناشيونال غروب (أيه أي جيه) التي تؤمن على المترجمين الفوريين في العراق الإجابة عن أسئلة مفصلة عن سياساتها التأمينية أو التعليق على حالات تأمين محددة. وقالت ماري علي المتحدثة باسم الوحدة التي تقوم بإصدار بوالص التأمين، إن شركتها ملتزمة بالتعامل مع كل مطالبة مهنياً وأخلاقياً وفي جميع الأحوال من سياساتها احترام خصوصية عملائها وليس مناقشة خصوصية المطالبات الفردية. وبموجب قانون يعود لحقبة الحرب العالمية الثانية معروف باسم قانون قاعدة الدفاع، تلتزم الشركات المتعاقدة مع الجيش الأميركي في الخارج بالتأمين على موظفيها الأميركيين والأجانب وصرف مبالغ التأمين لهم في حالات الإصابات والوفاة. ويعتبر هذا القانون من صلب عقود وزارة الدفاع الأميركية. وكانت شركة تيتان كورب قد قامت بالتأمين على كافة المترجمين الفوريين العاملين في العراق وفي وقت لاحق تولت شركة أل-3 للاتصالات المهمة بعد استحواذها على تيتان في عام 2005. وقد دفعت أل-3 أكثر من 20 مليون دولار سنوياً في شكل أقساط تأمين لشركة أمريكان انترناشيونال غروب وفقاً لسجلات أل-3 للاتصالات. ووفقاً لشروط التأمين تلتزم الجهة المؤمنة بدفع مبلغ التأمين عند المطالبة في غضون أسبوعين أو تتقدم بمذكرة اعتراض على المطالبة. ويحصل المترجمون الذين يتعرضون لإصابات قاسية مثل فقدان أحد الأطراف أو النزيف الحاد في الدماغ على التعويض بشكل سريع نسبياً وذلك لأنهم يتلقون العلاج في المنشآت العسكرية الأميركية في العراق حيث يتولى العاملون بها مهمة توثيق حالات الإصابات. في الحالات الأخرى ، واجهت شركة أية آي غروب صعوبات في كثير من الأحيان في الاقتناع بان الإصابة أو حالة الوفاة لها علاقة بالعمل. وفي مثل هذه الحالات تعمد الشركة في إصدار إشعارات اعتراض على المطالبة في حين تقوم بالتحقيق فيها. * (لوس انجلوس تايمز)