حدثت خلال السنتين الأخيرتين عدة متغيرات هامة تتعلق بتصنيف المملكة، أو بعض المؤسسات العاملة فيها، في التقارير الدولية، منها الإيجابي الذي يشعر المواطن السعودي بالتفاؤل والفخر، ومنها السلبي الذي يشعرنا بالخجل والإحباط. منها ما أثر بشكل مباشر وسريع، وعند مديري الجامعات السعودية السابقين الخبر اليقين، ومنها ما وضعنا إزاءه أذن من طين وأذن من عجين، مكابرين، مع ادعاء بأن لنا خصوصيتنا، وأن تلك الخصوصية هي التي جعلتنا في تصنيف متدن في بعض التقارير الدولية، دون تفكير في تغيير الجوانب السلبية في تلك الخصوصية. وتكاد المملكة أن تكون الدولة الأولى في العالم، من حيث التباين في تصنيفها في التقارير الدولية، ما بين تقارير تضعها في المراكز الأولى عالميا، وتقارير تضعها في أسفل سلم الترتيب عالميا وأحيانا عربيا، مما يستوجب القراءة الموضوعية لكل تقرير ولكل مؤشر من مؤشراته لمعرفة نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لمعالجتها، متى ما كان التقرير قد حدد نقاط القوة أو الضعف بصورة منطقية ومحايدة، وعبر معلومات حديثة وصحيحة. وعلى كل حال فقد حدثت سلبيات وإيجابيات في تصنيف المملكة في التقارير الدولية، وفي تجربتنا في التعاطي معها، ولعل أبرز متغيرين إيجابيين هما: 1) التحسن الكبير لتصنيف المملكة في العديد من التقارير الدولية، حيث أصبحنا نحتل المركز الأول عربيا في عدة تقارير، وننافس على مراكز جيدة عالميا، وكنا قبل سنوات قليلة غالبا في مراكز متدنية. ( في أحد التقارير تم تصنيف المملكة بين أفضل دول العالم من حيث بنية الاقتصاد الكلي، ومن حيث معدلات التضخم، وفي التصنيف العالمي الأخير للجامعات العالمية أفضل خمس جامعات في العالم العربي هي جامعات سعودية، وفي تصنيف البنوك أفضل ثلاثة بنوك عربية هي بنوك سعودية، وفي تقرير أداء الأعمال المملكة هي الأولى عربيا والثالث عشر عالميا..). 2) تزايد الاهتمام الرسمي والإعلامي بهذه التصنيفات، مع تقدير المؤسسات التي تسهم في تحسين تصنيف المملكة في التقارير الدولية، كعوامل تسهم في تحسين الصورة الذهنية والإعلامية عن الدولة ومؤسساتها دوليا أو العكس، وكمؤشرات لقياس وتقييم الأداء مقارنة بالآخرين، وإن لم تكن دقيقة، أو موضوعية في كل الأحوال. أما أبرز السلبيات المتعلقة بتصنيف المملكة في التقارير الدولية فهي من وجهة نظري: 1) احتلال المملكة مراكز متدنية في جوانب، بعضها في غاية الأهمية، وإن حدث تقدم نسبي في بعضها، ومن هذه الجوانب التي تحتاج تطوير سريع الصحة والتعليم والتدريب والشفافية والحرية الإعلامية والمشاركة الشعبية ومدى قوة مؤسسات المجتمع المدني والبيئة القانونية فيما يتعلق بإنفاذ العقود وحفظ الحقوق. 2) التعاطي المتسرع أحيانا مع نتائج هذه التقارير، وفي تبني موقف معين منها سواء بالإيجاب أو السلب، حتى من قبل بعض المتخصصين، دون تفهم كاف ماذا يتناول التقرير تحديدا، وما هي المنهجية المستخدمة في التصنيف وأية معايير استخدمت، ودون تقييم للجهة التي أصدرت التقرير، رغم أن بعض التقارير الدولية تصدر من منظمات أوجهات دولية محترمة وتعمل باحترافية عالية، وتسعى إلى الموضوعية، ومنها ما يصدر عن مؤسسات إما منحازة، أو غير دقيقة ولا واقعية في تصنيفاتها. وأعتقد أنه يجب على المتخصصين التحليل الموضوعي للمعايير المستخدمة في التقارير الدولية والتعريف بالمنهجية المستخدمة قبل إصدار الأحكام حتى تتم الاستفادة من التقارير الدولية في تطوير أداء الجهات ذات العلاقة بموضوع التقرير، إذ إنه على الرغم كل الملاحظات حول التقارير الدولية فإنها تبقى من أهم الوسائل المتاحة عملياً التي يمكن الاحتكام لها لرصد مدى التطور - أو التقهقر - في الحراك المحلي مقارنة بما يحدث دوليا، وفي تقديري أن زيادة الاهتمام بنتائجها هو مؤشر صحي في المجمل، وأفضل بكثير من تجاهلها أو الاكتفاء بالتشكيك بها كما كان يحدث سابقا.