كتابٌ جميل جدا يتحدث عن تجارب علمية مختلفة، حيث اختار مؤلفه أن يوثق بعض التجارب العلمية التي قد تبدو لنا غريبة لكنها ببساطة هي مجرد محاولة للإجابة عن سؤال غريب مرّ على ذهن الباحث. أحد فصول الكتاب تم تخصيصه للحديث عن التجارب التي تهتم بعقل الإنسان والتجارب التي تهتم بتصرفات الإنسان حين يوضع في موقف ما، ونتائج هذه الدراسات الموثقة تجعلك تتأمل كثيرا وتعيد النظر في طريقة تقييمك لأمور كثيرة. يصف الكاتب على لسان أحد المشاركين في تجربة علمية، قصته حين ضاع في أحد الأسواق التجارية وهو في السابعة من العمر، حيث يصف بأدق التفاصيل ملابسه التي كان يرتديها والمشاعر التي انتابته بل إنه يصف بدقة ما شاهده في واجهة محل ما من المعروضات المختلفة و ألوانها وطريقة عرضها. قد تتوقع أن هذا الوصف الدقيق من هذا المشارك بعد مرور سنوات على الحادثة يدلك على القدرة المميزة لعقولنا على التذكر، وقد تظن أن التجربة كانت تجربة تحفيزية للذاكرة أو تجربة يتم فيها تقييم الذاكرة البشرية وقدرتها على تذكر تفاصيل دقيقة لحادثة مرت عليها عشرات السنين. قد تظنون أن التجربة تعتمد على تقنيات التنويم المغناطيسي للوصول إلى خلايا مختفية داخل عقولنا أو أحداث غيبناها لسبب ما. لكن المفاجأة هي أن الحادثة بكل تفاصيلها التي رواها كل مشارك هي حادثة وهمية لم يمر أي منهم بها. فالتجربة كانت تعتمد على الإيحاء، والسؤال الذي طرحه الباحثون وحاولوا الإجابة عنه هو؛ هل يمكن لعقولنا أن تتبنى أحداثاً لمجرد أننا طلبنا منها ذلك؟ فالتجربة صممت للحصول على معلومات خاصة بمراحل مختلفة للمشاركين عن طريق أقربائهم كل هذه الأحداث صحيحة يتم ذكرها للمشارك ثم تضاف حكاية أخرى من تأليف الباحث ليرى مدى إمكانية المشارك أن يتبناها. فبيئة التجربة كانت تعتمد في الأساس على خداع عقل المشارك من خلال ذكر أحداث حقيقية مر بها، ثم إيهامه وبدون أي ضغط أن هذه الحادثة كانت ضمن الأحداث الحقيقية. ببساطة عقول المشاركين أو ذاكرتهم تبنت الحادثة وذكرت تفاصيل لم تحدث، لكن ما السبب؟ وهنا نتحدث عن دور الإيحاء في التأثير على الذاكرة. وهذا شيء مخيف وقد يجعلنا نحن البشر العاديين الذين لا علاقة لنا بأبحاث المخ والأعصاب والأبحاث النفسية نفكر كثيرا في كثير من تصرفاتنا. ورغم أن التجربة كانت محدودة ولها جوانبها السلبية إلا أنها تجربة تستحق أن نتوقف عندها وأن نفكر فيها. صديقتي قررت أن تقوم بتجربتها الخاصة لترى مدى قدرة الإيحاء، وصديقتي هذه لديها علاقة وثيقة بالميزان والسعرات الحرارية وطيب الذكر الريجيم، فقررت أن تقول لزميلاتها في العمل ذات يوم إنها خسرت حوالي أربع كيلوغرامات، ثم تجرب بعد فترة وتخبرهم أن وزنها قد زاد عدة كيلوغرامات أخرى بينما في الحقيقة وزنها هو نفسه لم يتغير، الجميع صدقها في المرتين ومدحوها في المرة الأولى وأشاورا إلى أنهم لاحظوا الاختلاف الواضح في شكلها وسألوها عن الحمية التي استخدمتها لتنقص وزنها وتبرعوا بإخبارها في المرة الثانية عن طرق مختلفة لإنقاص الوزن الزائد في أسبوع. هل زميلتي تملك قدرة على تضليل الآخرين؟ هل عقول زميلاتها في العمل قابلة للخداع أم أنهن حاولن أن يتصرفن معها بلباقة فلا أحد يريد أن يخوض في نقاش مع امرأة حول وزنها؟ لا أعرف.... لكن هل تثقون بذاكرتكم وعقولكم أم أنها تخدعكم أحيانا وتفاجئكم في أحيان أخرى؟