منذ مطلع الخمسينيات.. نشطت "مجامع" اللغة العربية.. في البحث عن "كلمات" قابلة لأن تتحول إلى "مصطلحات" تقابل ما غزا الحياة العربية من أدوات وأجهزة ومأكولات.. وجمل "موروثة" من عهود الاستعمار.. ومصطلحات علمية وطبية وهندسية وأدبية ونقدية وغيرها ما أدى لنشر كم كبير جداً من "الكلمات" الأجنبية التي يتم تداولها بشكل يومي ضمن كثير من تفاصيل حياة العرب اليومية.. التي جاءت كفعل ضروري مصاحب لعمليات التحديث.. والزحف الحضاري العالمي الذي استقبلناه كاحتياج مهم جداً في سبيل تطوير حياة عربية خرجت من ظلمات الحكم "العثماني".. وملحقاته الاستعمارية.. وتطلعت لكسر عزلتها وتخلفها في كل مناحي الحياة. وبحكم غيرة العرب على لغتهم.. وبجهود الكثير من "مجامع اللغة".. تم "تعريب" الكثير من المصطلحات وشكل "البديل" العربي في كثير من الأحيان فاعليته التي ترسخت وأصبحت متداولة بشكل يومي في كثير من تفاصيل حياة العامة.. وعلى مستوى البحث العلمي والتنظير النقدي والثقافي. إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض الطرائف والمضحكات.. كأن يتم استبدال كلمة "سندويتش".. بجملة "دالة" لعدم وجود كلمة مناسبة.. فكان على المرء أن يسمى "السندويتش" ب "شاطر ومشطور وبينهما شيء طازج". ولأن المقهى لا يقدم "القهوة" فقط.. فيجب أن يطلق عليه اسم "القهويشة".. وإذا كانت كلمة "المذياع" قد "سلكت" مع "الراديو" فإن كلمة "المرناء" لم تستوعبها أذن المشاهد ولا شاشة "التلفزيون". فيما ظلت كثير من "المعربات" مجرد كلام "كتب" أي أنها لا تستخدم إلا في أساليب بعض أهل الأدب.. أما في القصة والرواية - مثلاً - فلا تزال الأزمة قائمة بين "حرس" اللغة العربية وبين أولئك الكُتَّاب الذين أصروا على استخدام اللهجات العامية في حوارات قصصهم ورواياتهم ومنذ وصول "حزب البعث" للسلطة في العراق تم منع نشر الشعر "الشعبي" أو "العامي" في أية صحيفة حكومية أو غير حكومية.. وسمح فقط بنشره في كتب مطبوعة أول الأمر.. ثم احكم الحصار عليها.. إلى أن ظهر على الساحة عدد من "النشطاء" المتعصبين للعرب والعروبة.. وبرز منهم في الأدب والنقد من قال إن الإنجليزي العظيم "شكسبير".. هو "مواطن" عربي أباً عن جد.. وأن اسمه هو: "الشيخ زبير" وتحول إلى الاسم الذي اشتهر به.. بعد أن وصل إلى بلاد الإنجليز.. والدليل على ذلك أن واحدة من أشهر مسرحياته "عطيل" لا تتوقف سماتها العربية عند الشخوص بل إن اسم بطلها بالأصل هو: "عطية". في حين أخذ "بامحزز" على عاتقه مهمة التأكيد على أن هناك كُتَّاباً مشاهير أصلهم "حضارم" من أمثال "باسترناك" و"دوس باسوس" وغيرهما ممن تبدأ "ألقابهم" بحرف "الباء" أسوة ب "أحمد علي باكثير".. وإذا كنا معاً حين يطلق إدعاءاته.. فإننا "ندخل في عين" أي معارض ولأن بامحرز يعرف حضرموت فإنه يتولى مهمة تنسيبهم إلى قرى وقبائل تصل إلى المقداد بن الأسود الكندي. ولم يكتف بعض العرب بإعادة تنسيب أمثال شكسبير.. بل وأكدوا أن إنجليز الحضارة الحديثة تأثروا بنا وأخذوا منا.. وخير مثال على ذلك كلمة "إنفلونزا" التي ليست سوى تحوير صريح لكلمة "أنف العنزة".. حيث إن "الخواجة" توقف أمام "عنز" يسيل "مخاطها" وسأل: "ما هذا" فقيل له أنه "أنف العنزة" فسجله في دفتر يومياته ثم عندما رأى رجلاً يسيل "مخاطه" لأنه "مفلزن" قال إنه مصاب ب "الإنفلونزا". غير أن كل هذه الخزعبلات أفرزت ردود فعل كان من أبرزها أغاني "الفرنكوآراب" أو "الفرنك - عرب" التي ظهرت في أغاني الأفلام أولاً من خلال تركيب كلمات عربية على موسيقى غربية.. وشملت محمد عبدالوهاب والأخوين رحباني.. قبل أن تتحول إلى ظاهرة غنائية "مركبة" من خلال أغنيات "جمال وطروب" في لبنان وسمير اسكندراني في مصر.. وكانت تدمج بين التركي والعربي.. والعربي والإنجليزي أو الفرنسي أو حتى الأسباني في سباق ما اسمته "الاشتراكية".. "الصداقة بين الشعوب".. إلى أن ضاعت "الطاسة" وما تحتها من بشر.. ووصلنا إلى أغاني الشاب خالد.. ومن ثمَّ "الراب" العربي.. و"هوب هاب قصى" والمجاميع السعودية التي تبنت هذا التيار وأصبحت تتداوله في تجمعاتها إذا لم تجد وسيلة لنشره عبر البر والبحر والفضاء.. وكلنا مايكل جاكسون وأنا اخوك..!!