على الرغم من أن آلام الرقبة والظهر تصيب الغالبية العظمى من الناس في مرحلة ما خلال حياتهم، إلا أن معظم هذه الآلام قد تكون حميدة وليست ناتجة عن أمراض شديدة، ولكن في جزء غير بسيط من المرض تكون هذه الآلام نتيجة ما يعرف بالانزلاق الغضروفي في الفقرات العنقية واسمه العلمي هو (Cervical Disk Herniattai) وهو مرض قد يستدعي التدخل الجراحي. وقد ظهرت خلال الأعوام الثلاثة الماضية الكثير من الدراسات والأبحاث من عدة مراكز طبية في مختلف أنحاء العالم توضح نتائج استخدام الغضروف الصناعي المعروف علمياً باسم (Cervical Artificial Disk) في علاج حالات الانزلاق الغضروفي. وكانت هذه الدراسات تبين نتيجة هذه الجراحة في المرضى الذين تمت متابعتهم لبضع سنوات فقط بعد الجراحة. وفي مجمل النتائج فإن الغضروف الصناعي أظهر تفوقاً في غالبية المرضى على الطرق التقليدية التي يتم فيها دمج الفقرات العنقية عندما يتم استخدامه في المريض المناسب وبالطريقة الصحيحة. ولكن ما هو الانزلاق الغضروفي في الرقبة وما هي طرق تشخصه وعلاجه؟ الانزلاق الغضروفي العنقي الغضروف العنقي (Cervical Disk) يوجد بين الفقرات العنقية ليمتص الصدمات ويضمن المرونة والحركة في العنق وهو يتكون من حلقة خارجية من الألياف بداخلها مادة جيلاتينية. وعندما ينزلق الجزء الجيلاتيني ويخرج عبر فتق في الألياف فإنه يتجه خلفاً ليضغط على النخاع الشوكي أو الأعصاب التي تغذي اليدين والذراعين بالإحساس والحركة وهو ما يعرف بالانزلاق الغضروفي. وعادة ما يشتكي المريض أو المريضة من آلام في الرقبة والكتف والذراع تمتد للأصابع ويصاحبها شعور بخدر في الأصابع وتغير في الاحساس فيها وضعف في عضلات الذراع. هذه الآلام قد تكون شديدة ومبرحة وقد لا تستجيب للأدوية المسكنة. أما التشخيص فهو عادة ما يتم بأشعة الرنين المغناطيسي التي تبين مكان الغضروف المنزلق وحجمه ومدى الضغط الناتج على الأعصاب. وعلى الرغم من أن الكثير من المرضى يستجيبون للعلاج التحفظي غير الجراحي، إلا أن هناك نسبة غير بسيطة تفشل الأدوية والمسكنات والعلاج الطبيعي في علاجها وهنا يأتي دور التدخل الجراحي. التدخل الجراحي تقليدياً يتكون من عملية ازالة الغضروف المريض وأجزائه التي تضغط على الأعصاب وبعد ذلك يتم وضع طعم عظمي مكان الغضروف ليتم دمج الفقرتين المجاورتين له وبذلك تختفي الحركة التي كان يوفرها الغضروف بين هاتين الفقرتين. وهذه العملية لا تزال تجري بكثرة كل يوم ونتائجها ممتازة في إزالة الألم وإعادة المرضى للحياة بشكل طبيعي. إلا أن المأخذ عليها هو عملية الدمج التي تلغي الحركة بين الفقرات وبالتالي فإنها قد تؤدي إلى توزيع هذه الحركة على الغضاريف المجاورة لتلك التي تم دمجها. وفي حالة كانت هذه الغضاريف المجاورة مريضة أصلاً أو في حالة تم دمج أكثر من فقرتين فإن ذلك سوف يؤدي إلى توليد ضغوط إضافية وأعباء شديدة على بقية الغضاريف مما قد يؤدي إلى تسارع المرض فيها مع الزمن. كذلك فإن الدمج قد يؤدي إلى فقدان نسبة من حركة الفقرات العنقية. هذه النسبة قد تكون ضئيلة ولكنها مهمة عند بعض الناس. الغضروف الصناعي في الرقبة (Cervical Artifical Disk) من أجل المحافظة على الحركة في الفقرات العنقية بعد استئصال الإنزلاق الغضروفي فيها وكذلك لتفادي الآثار السلبية طويلة المدى التي يمكن أن تنتج عن عملية الدمج، فقد تم اختراع وتطوير الغضروف الصناعي للفقرات العنقية والذي هو عبارة عن جهاز طبي مصنوع من معادن طبية فائقة الجودة بحجم صغير لا يتجاوز سمكه بضعة ملليمترات وطوله حوالي 16 ملليمتراً ليضاهي حجم الغضروف الطبيعي. هذا الجهاز المعدني يتم زرعه مكان الغضروف الذي يتم استئصاله بدقة متناهية وهو يتكون من جزء علوي وجزء سفلي يرتبطان ببعضهما ليكونا مفصلاً كاملاً مكان الغضروف الذي تمت إزالته. هذا المفصل الجديد يقوم بتوفير حركة دقيقة ومدروسة بين الفقرات عند ثني العنق للأمام والخلف وهو بذلك يضاهي ويحاكي ويشبه الحركة الطبيعية التي يوفرها الغضروف الطبيعي وبذلك فهو يحافظ على حركة الفقرات العنقية ويمنع بإذن الله تركيز الإجهاد على الغضاريف المجاورة. وهذه الجراحة عادة ما تستغرق حوالي الساعتين ويستطيع المريض القيام والمشي بإذن الله في نفس يوم العملية ويُسمح له بثني الرقبة بشكل طبيعي خلال أيام بإذن الله. وبصفة عامة فإنها ذات نسبة نجاح عالية تفوق التسعين في المائة وتعتبر أحدث وأفضل تقنية متوفرة الآن لعلاج مثل هذه الحالات. وعلى الرغم من التكلفة المرتفعة نسبياً لهذه الأجهزة (حوالي الخمسة آلاف دولار) إلا أن الفائدة المرجوة منها تفوق ذلك بكثير وخصوصاً عند المرضى الذين لديهم أكثر من غضروف مريض والذين هم صغار في السن نسبياً والذين يحتاجون لكل درجة من درجات الثني والفرد في الفقرات العنقية. وهذه التقنية والحمد لله أصبحت متوفرة في الكثير من المستشفيات داخل المملكة ويتم إجراؤها للعديد من المرضى.