في زمن سابق، كانت صلاة العيد تقام في أطراف القرى والمدن الصغيرة، قبل إنشاء المساجد والمصليات الكبيرة. ويعد المكان المخصص لصلاة العيد مكانًا مفتوحًا للرجال وللنساء والأطفال، وكان الخطيب يلقي خطبته بصوته مباشرة دون استخدام لمكبرات الصوت (التي لم تكن متداولة في كثير من الأماكن حينها)، وبعد انتهاء الصلاة تتحول الساحة إلى مكان للمعايدة وتبادل التهاني بالعيد السعيد بين الكبار والصغار، وبين الرجال والنساء. وكانوا يشعرون بفرح بهذه المناسبة التي هيأت لهم الفرصة لرؤية بعضهم هذا العيد وهم بصحة وعافية، ولهذا فإن كثيرًا من الخلافات بين الأشخاص تنتهي في هذا اليوم، وكأنها لم تكن. عبارات التهاني السائدة آنذاك يغلب عليها أنها تستخدم لوازم من نوع: "العيد سعيد"، و"من العايدين"، و"عاد عيدكم"، و"من الفائزين"، و"كل عام وأنتم طيبين"، و"يعود عليكم العيد وأنتم بصحة وعافية"..إلخ. وكانت هذه العبارات متداولة أكثر من عبارات أخرى أخذت مكانها بمرور الزمن من مثل: "عيدكم مبارك"، و"مأجورين"، و"أثابكم الله"، و"تقبل الله منكم صالح الأعمال"، و"عساكم من المقبولين"..إلخ، إلى أن تكثف هذا النوع من العبارات مؤخرًا وأضيفت إليه أدعية وصارت التهاني ذات أسلوب لغوي مطوّل، بعضه على شكل قصائد أو جمل مسجوعة مع المحافظة على المضمون الذي يذكّر بمصير الإنسان يوم القيامة ويربطه بما نحن عليه في الحياة الدنيا. وإذا لوحظ أن عبارات التهاني تغيّرت من مفهوم التهنئة بالفرح والصحة والسعادة وحب الحياة والابتهاج بجمالها إلى عبارات لاتغفل مناسبة الفرح بقدر ما تستغلها للإشارة إلى ماذا قدّم المرء في هذه الدنيا لآخرته، فإن الأمر لم يكن مقصورًا على هذه العبارات فحسب، بل إن سلوك الناس وعاداتهم في المعايدة كذلك قد طالها بعض التغيير. ويمكن الإشارة إلى أبرز مظاهر التغير التي تلاحظ بسهولة في خطبة يوم العيد التي صارت تخضع للإعداد الخاص دون أن تعتمد على محفوظات الخطيب ولا قراءته من كتب الخطب، وأصبح كل خطيب يعدّ خطبة خاصة به يتناول فيها بعض الموضوعات التي يراها مناسبة لكي يلقيها على الناس بما يتلاءم- من وجهة نظره - مع الأوضاع والمتغيرات. وإذا كان المتلقي في السابق، يكاد يتّفق مع مايقوله الخطيب من أفكار تدور حول مسائل دينية عامة تذكّر الناس في الغالب بما يعرفونه، فإن الوضع اليوم اختلف، فبعض المصلين يصابون بتوتّر شديد إثر سماع الخطبة، وبعضهم ينفعل ويخرج متكدر المزاج، لأن الخطبة تضمّنت أفكارًا يراها إما خاطئة أو غير مناسبة أو أنها وضعت في غير موضعها الصحيح. وهناك عدد منهم يرتاح للخطبة بسبب اتفاقها مع أفكارهم أو لاعتقادهم بأن الخطيب مصيب في أي شيء يختاره. إن خطبة العيد اليوم تخوض في موضوعات متنوعة: سياسية، وصحية، وتعليمية، وعن تقنية النانو، وعن المجرات..إلخ، وصار المتلقي جاهزًا لسماع شيء مختلف في كل خطبة، بل وفي كل مصلى أو مسجد يذهب إليه. وحينما كانت الخطب في عهد مضى، تذكّر الناس بعمل الخير في الدنيا لصالح البشرية، وبالحرص على العلاقات الإنسانية فيما بين الأفراد وأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، وبالرفق بالحيوان والطير، فإن بعض الخطب في الوقت الراهن صارت تركز على التحريض على الانتقام من الأعداء والبطش بهم وتصوّر الحياة على أنها مسرحية للمؤامرات والحروب الطاحنة، وتحذّر الناس من الثقة ببعضهم ذلك أن فيهم منافقين وعلمانيين ومنهم "من يتكلم بلساننا ولكنه ليس منّا"، وتحرّض بشكل عام على العنف مع الإنسان. ففي خطبة هذا العام، كان خطيب جامع في شمال الرياض حريصًا على تذكير الرجال والنساء بأن المرأة هي من "حبائل الشيطان"، وأن النساء هن أكثر أهل جهنم، وأنها "مخلوقة من ضلع أعوج" ولا سبيل لتقويمها إلا بكسرها، وأن شهوة المرأة هي السائدة والمسيطرة على عقلها، ولهذا فإنه يصعب عليها أن تثق بنفسها فضلا أن يثق بها الآخرون. وانتقل من ذلك لبيان الشر المستطير الذي ينتظرها الآن ويوم القيامة. وذكر أمثلة من الحياة المعاصرة تثبت تلك الفكرة، أشار فيها إلى مخاطر تحيق بالمرأة من كل جانب كالإنترنت والهاتف والأسواق والعمل والفضائيات..إلخ، منتهيًا إلى أن هذه المرأة ليست سوى كائن جاهز للاستغلال الجنسي من جميع الجوانب وفي أي لحظة، لدرجة جعلت المستمع يشعر أنه يعيش في ورطة كبيرة ومصيبة لافكاك منها إن كانت لديه بنت أو زوجة أو أم أو كانت له صلة بأي امرأة. وفي جامع آخر في شرق الرياض، وزّعت على المصلين والمصليات منشورات على شكل كتيبات مطبوعة بأناقة فائقة وبورق صقيل ملوّن، فيه صور دمى فوقها أردية وملابس نسائية، وهناك ثعابين تغشى المرأة بسبب أنواع معينة من اللباس، وثمة لهيب من النيران تحيط بها وتلتهما بسبب ارتدائها بعض أنواع العبايات أو الملابس الغربية. ويبدو أن الخطبة كان لها علاقة بالمرأة من هذا الجانب. ومن المؤكد أن خطب العيد ليست كلها على هذا النمط، وهذا لايمنع أن نتساءل عن هذا النوع من الخطب: هل يمكن أن تقوّي علاقات الناس ببعضهم، وتؤكد على أواصر القرابة والمحبة والثقة، وتشيع الخير والفرح والسعادة في نفوس الناس في يوم العيد؟