إلى وقت كتابة هذه الأسطر أعلن رسميًا عن وفاة 21 حالة بسبب تفشّي وباء إنفلونزا الخنازير في المملكة العربية السعودية. ونظرًا لكثرة الإصابات التي أعلن عنها في العالم، وكثرة عدد الوفيّات التي وصلت في زمن وجيز إلى أرقام تزداد يومًا إثر يوم. لذلك كله، ظهرت الدعوات لتأجيل بدء الدراسة عندنا عن موعدها المحدد في 14 شوال القادم إلى شهر محرم من العام الهجري الجديد. والدعوة لتأجيل الدراسة تعتمد على منطلقات صحيّة وأخرى وطنية. فالمنطلق الصحي تشترك فيه المملكة مع بقية دول العالم، وهو حماية الأطفال والطلاب من الإصابة بهذا المرض، لحين توفّر اللقاحات التي تعكف شركات الأدوية على إنتاجها. وهذه اللقاحات لن تكون متوفرة للجميع إلا بعد فترة زمنية تصل إلى أشهر. وحسب الإعلانات فأول دفعة من اللقاحات لن تصل قبل منتصف شهر أكتوبر، أي بعد بدء الدراسة بأسبوعين تقريبًا. ولأن مناعة الأطفال أضعف من البالغين فإن لقاح الإنفلونزا يعطى لهم بشكل سنوي. ومع وجود هذه الجائحة التي تعارف الناس على تسميتها بإنفلونزا الخنازير (مع أن العلماء يتحفّظون على هذه التسمية باعتبارها غير دقيقة)، فإن حاجة الأطفال لهذه اللقاحات المناعية تصبح أكثر إلحاحًا. وتأجيل الدراسة إلى حين توفر اللقاحات يعد أمرًا منطقيًا، لأن هذا النوع من المرض ينتقل بسرعة عن طريق التجمّعات التي يكون الطفل في المدرسة عرضة لها بشكل مباشر. وتبرز صعوبة الوقاية العادية من المرض إذا علمنا أنه يجب على المرء الابتعاد عن الشخص المصاب مسافة تصل إلى مترين تقريبًا، أو لبس الكمّامة لفترة قصيرة (التي يبطل مفعولها بعد مرور ربع ساعة تقريبًا)، إلى جانب أن هناك أنواعًا معينة من هذه الكمامات يمكن الاستعانة بها لرد الشوائب من الجو وبعضها الآخر ليس لديه هذه الخاصة، ولهذا فإن جدوى استخدام هذا النوع من الكمّامات رغم أهميته إلا أنه يظل محدودًا. ويزداد الخطر حينما نعرف أن العدوى تنتقل من الشخص في فترة حضانة الفيروس التي تستمر ما بين يومين إلى ثلاثة أيام قبل أن تظهر أعراض المرض على ذلك الشخص. وإذا كان عزل المرضى بالفيروس ضروريًا، فإنه لا سبيل إلى معرفة حاملي الفيروس في فترة حضانته، وهؤلاء يعتبرون ناقلين للعدوى ممن لا يمكن تجنّبهم أو أخذ الحيطة من التعامل معهم. أما المنطلق الوطني الخاص ببلادنا، فهو وجود أكبر تجمّع بشري في العالم في موسم الحج والعمرة، وهو ما يجعل انتقال هذا المرض ميسّرًا بين الناس. ومن الصعب السيطرة على الوضع بشكل دقيق مع كل الجهود التي ستبذل للحماية. ولهذا، فإن تأخير الدراسة إلى ما بعد الحج، يعطي الجهات المعنية كوزارة الصحة والمستشفيات المختلفة فرصة لتركيز اهتمامها في أمكنة محدّدة باعتبارها تواجه وباءً خطيرًا يتطلب إمكانات مادية وبشرية هائلة من أجل السيطرة عليه والمساهمة في التخفيف من تفشّيه إلى رقعة أوسع. وإذا كانت بعض الدول قد أجّلت بدء الدراسة للعام الجديد للأسباب الصحية، فإن تأجيل الدراسة في بلادنا يصبح أكثر ضرورة لارتباطنا بمواسم التجمّعات السنوية التي تتطلب لوحدها عملا جبّارًا في مختلف المجالات ومنها الجانب الصحي. وثمة من يجادل بأن تأجيل الدراسة يعني مصادفتها لموسم البرد الذي تزداد فيه الإصابة بالزكام والإنفلونزا العادية ومعه تتضاعف فرص الإصابة بإنفلونزا الخنازير، ولكن، لابد من ملاحظة أن التهرب من البرد غير ممكن ذلك أن الدراسة ستصادف البرد لا محالة سواء في بدايتها أم في منتصفها، وهذا مايضعف مثل هذه الحجّة في رفض التأجيل. ولو حسبنا الضرر من التأجيل لوجدناه أقل بكثير من ضرر تفشي الإصابة بهذا المرض وحصده للكثير من الأرواح، فهناك ثمانية أشهر صافية من شهر محرم إلى شعبان، يمكنها أن تفي بالفصلين الدراسيين والإجازة الفاصلة بينهما دون خلل. والمؤمل من اللجنة المشكلة من وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم لدراسة موضوع تأجيل الدراسة من عدمه أن تنظر إلى الموضوع من جميع الزوايا لتقديم ما فيه المصلحة الوطنية. ومن المتوقع أن لديها رؤية شاملة لحالة هذا الوباء وللسبل المبذولة عالميًا لإنتاج اللقاحات الوقائية الجديدة والمضاعفات المتوقعة لها، ومدى ارتباط ذلك كله بالزمن وبالكثافة البشرية في العالم وبالحالات التي لها الأولوية في أخذ اللقاح، وعلاقة ذلك كله بالأطفال والمدارس وانعكاسه على الصحة العامة.