من أسوأ الإفرازات الإعلامية على مستوى الفضائيات العربية التي أوجدها برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة، أنه كرّس لدى المشاهد "ثقافة صراع الضيوف"، فأصبح تقابل ضيفين أمام بعضهما البعض هو مصارعة حوارية بكل تفاصيلها، فيصبح المشاهد مع أو ضد احد الضيفين، مما حدا بالكثير من البرامج للاستفادة من هذه الإثارة وتطبيقها في مواضيعها مع عدم إجادة الحركات البهلوانية التي لا يجيدها بطبيعة الحال سوى فيصل القاسم!. الأسبوع الماضي مررت بتجربة تلفزيونية غريبة في أهدافها وإثارتها، كان الزميل المذيع رياض الودعان في برنامجه "قانون المجتمع" يحاول أن يتحدث عن موضوع شبابي وترفيهي خاص بالأندية الصيفية، إلى قضية أكبر من الموضوع، كنت حذراً بدرجة كبيرة وأنا أجد أن "التفاصيل الخلفية" لموضوع الحلقة يحاول إثارة المشاهدين وتقسيمهم، اتصالات مشاهدين "منتقاة" هدفها ومشاركتها موحدة، ما عدا اتصالاً واحداً سقط سهواً من متصل استغرب الحديث عن هذا الموضوع والصيف يقترب من شد رحاله!. شخصياً من منظور إعلامي لا ألوم الزميل الودعان في البحث عن الإثارة، ولكن ليس على اعتبار أنني سوف أكون الطرف المعاكس ضد الضيف الشيخ بدر العامر والمتعاطفين معه من مقدم البرنامج والمتصلين، واعتبار أن الحوار بين "فكرين متناقضين"، وليس مجرد مناقشة هم شبابي وترفيهي، ولكن إيماني العميق وعدم اعترافي بهذه التقسيمات "المنفرة" جعلني في البرنامج أتحدث بهدوء وعقلانية وعدم الانجرار حول تناول أمور لها سلبياتها الكبيرة. على الهواء أكدت أن على المشاهد أن يكون واعياً ولا يغرر به، وأن لا يعتمد على الشكل الخارجي للضيوف وإنما يعتمد بالمقام الأول على عقله، ومداركه، وما يسمعه من حوار أمامه وإيجابيات وسلبيات هذا الحوار عليه، لأنه ليس من المعقول أن نساهم بتقسيمات اجتماعية حسب الشكل الخارجي لنا، لأن تأليب أبناء المجتمع واستغلال هذا الأمر إعلامياً، يعتبر أمراً خطيراً جداً من الناحية الفكرية، ولا يساهم في تصحيح واقعنا وإنما يكرس لدى الكثيرين نواحي عدوانية غير محمودة مطلقاً. ومع إيماننا الكامل أن هناك مشاهدين عقلاء كما وجدت من البعض من المتصلين والذين اندهشت أنهم يشيدون بهدوئي وكأنهم متوقعين أننا في حلبة مصارعة، إلا أن هناك مشاهدين مندفعين، يشاهدون فقط وآذانهم صماء ويحكمون على ما يشاهدونه حسب الشكل للضيوف، وهذه نوعية خطيرة من المشاهدين، لا تقل خطورة عن أصحاب التعليقات المريبة عبر الإنترنت والتي تتسبب في أحيان كثيرة في إيذاء الآخرين. "قانون المجتمع" برنامج جميل ومقدمه متميز ولكن قد تكون إثارته في أحيان كثيرة غير مطلوبة، وقد يستغلها الآخرون في الاصطياد بالماء العكر، فينعكس الهدف الأسمى لبعض الحلقات لمناقشات خارجة عن الموضوع كما حدث في حلقة النوادي الصيفية والتي استغلت لتمرير رسائل معينة بعيدة عن الحلقة وموضوعها، فنحن مجتمع إسلامي لا تقسيمات "مصطنعة" فيه!.