يقيم متحف الفنون البدائية الباريسي المعروف باسم " متحف الكي برانلي" معرضا ضخما متعدد الجوانب لشخصية " طارازان " إحدى الشخصيات الأساسية التي طبعت أدب الخيال العلمي في القرن العشرين. وتستمر التظاهرة من السادس عشر من شهر يونيو الجاري حتى السابع والعشرين من شهر سبتمبر المقبل. ويحتوي المعرض على عينات من رسوم القصص المصورة التي وضعت حول طارازان ومجسمات له ولعوالمه لاسيما في أدغال إفريقيا. وفي المعرض أيضا عروض من النتاج السينمائي الغزيز الذي أعد حول هذه الشخصية والذي تجاوز عدده خمسين شريطا من الأشرطة الطويلة. ويقول "روجيه بوليه" المشرف على هذا المعرض إن هناك أسبابا عديدة دفعت المتحف إلى إقامة معرض عن طارزان منها أن هذه الشخصية تدل على أن الإبداع الفردي يمكن أن يكون معينا لإبداع جماعي يؤدي إلى بلورة شخوص وأساطير هي ملك للإنسانية جمعاء .من هذه الأسباب أيضا ثراء أبعاد هذه الشخصية التي ولدت قبل سبع وتسعين عاما . ويمضي "روجيه بوليه" المشرف على المعرض والذي هو في الأصل متخصص في علم الأنثربولوجيا فيقول إن لشخصية طارزان آباء كثيرين من أهمهم الكاتب الأمريكي "إدغار رايس بيروغس" الذي ولد عام 1875 وتوفي عام 1950. فقد كان لهذا الكاتب المتخصص في الأدب البوليسي وأدب الخيال العلمي الدور الأهم في بلورة معالم شخصية طارازان العالمية من خلال سلسة روايات بدأها عام 1912 بواحدة عنوانها " طارازان سيد الأدغال " واحتوت السلسلة على ست وعشرين حلقة . وقد أقر هذا الكاتب بأنه استوحي شخصية رواياته من " كتاب الأدغال" الذي وضعه كاتب بريطاني هو " روديارد كيبلينغ". وكان هذا الأخير قد استوحى الكتاب من زيارة قام بها عام 1893 إلى المعرض العالمي الذي أقيم في مدينة شيكاغو الأمريكية واكتشف من خلاله ولما يزل في الثامنة عشرة من عمره أدغال إفريقيا الساحرة. وأقر بيروغس أيضا بعد إطلاق طارازان بأن هذا الأخير قد أفلت من بين يديه في إشارة للأعمال المسرحية والسينمائية والأدبية الكثيرة التي بدأت تجتاح العالم منذ ثلاثينات القرن الماضي ويلعب دور البطولة فيها طارازان. وإذا كانت شخصية البطل في روايات بيروغس تحوم حول إنسان يقيم في الأدغال بمفرده فإن الشخصية أصبحت في مابعد مقترنة بشخصيتين اثنتين أخريين تدوران في فلكها هما شخصية قردة تلازم طارازان في حله وترحاله وتسمى " تشيتا" وشخصية فتاة جميلة هي صديقته .وتسمى " دجاين". وكان للرسام الأمريكي " بورن هوغارت" دور كبير في منح طارازان شعبية عالمية عبر القصص المصورة التي رسمها بريشته وأسهم من خلالها في تحويل طارازان إلى أسطورة. وقد ولد هوغارت عام 1911 أي قبل عام على ميلاد طارازان وتوفي عام ستة وتسعين من القرن الماضي. ومن ميزات المعرض الباريسي حول شخصية طارازان أنه ينجح إلى حد كبير في إبراز أبعاد هذه الشخصية ولاسيما ثلاثة أبعاد منها تحكمت إلى حد كبير في مسار البطل . أما البعد الأول فهو ذلك الذي أراد الكاتب بيروغس التأكيد عليه وهو أن الإنسان هو في الأصل حيوان وبالتالي فإنه قادر على التأقلم مع الحيوانات إذا وجد نفسه بمفرده بينها . بل إنه قادر على التعامل مع الطبيعة ومع المشاكل التي تواجهه عبر حواسه ومنها حاسة الشم القوية التي يستشعر بواسطتها المخاطر. وفي هذا البعد تندرج الصيحة الشهيرة التي دأب على إطلاقها طارازان والشبيهة بأصوات الحيوانات . وهي تصدر عنه عادة عندما يكون منفعلا أو خائفا أو منتصرا أو سعيدا . أما البعد الآخر في هذه الشخصية والذي ركز عليه المبدعون فهو ذلك الذي يمكن تلخيصه على النحو التالي : إن حيوانية الإنسان ليست تلك التي تجسدها شخصية طارازان في الأدغال. بل هي تلك التي يجسدها الإنسان المعاصر في المدن. وقد نجح المبدعون عبر شخصية طارازان في إبراز علاقة التباين بين عفوية طارازان من جهة ومكر إنسان المدن وشراسته من جهة أخرى. وأما البعد الثالث في الشخصية فهو البعد البيئي الذي كان في الحقيقة سببا رئيسيا من الأسباب التي تقف وراء إقامة المعرض. فطارازان يظهر للعالم أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة ينبغي أن يسودها الاحترام وأن عدو البيئة ليس الإنسان البدائي بل هو الإنسان المعاصر الذي يستغل ثرواتها استغلالا مفرطا وعشوائيا ويدوس عليها بينما يتعامل معها الإنسان البدائي باعتبارها جزءا من هويته وتوازنه الداخلي.