استبعد المحللون السياسيون في الصحف الإسرائيلية أمس أن يتوصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وأجمعوا على أن خطابه كان موجها بالأساس نحو أذني الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي طالبه منذ أكثر من شهرين بالاعتراف بحل الدولتين، إلى جانب تجميد الاستيطان. وكتب كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع أن "خطاب نتنياهو موجه إلى أذنين، إنهما الأذنان الأبرز والأشهر في العالم، أذنا باراك أوباما". وأشار إلى أن "نتنياهو وصل، بذنبه، إلى طريق مسدود في علاقاته مع رئيس الولاياتالمتحدة، وقد تمت كتابة الخطاب ليشكل جهاز إنقاذ، إذ أن نتنياهو اهتم بشكل تلقي البيت الأبيض لخطابه، وقد هاتف نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، عند الساعة الخامسة من بعد ظهر الأحد وأطلعه على أسس خطابه، وقد روى لبايدن ما أخفاه عن وزرائه على أمل أنه عندما ينصتوا في البيت الأبيض للخطاب سيعرفون كيف يسمعون الأمور الصحيحة". وأضاف برنياع أن المتعصبين لما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة" سيقولون إن "نتنياهو أسس دولة فلسطين في بار إيلان"، أي الجامعة التي ألقى بها الخطاب، "وقد قالوا جملا مشابهة تجاه جميع رؤساء الحكومات منذ (رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين) وحتى الآن بمن فيهم نتنياهو، وهذه هي طبيعة الدولة الفلسطينية: رؤساء حكومات إسرائيل يؤسسونها.. وهي لم تقم". وتابع "لذلك ما كنت سأقترح على الرفاق في (مستوطنات) عوفرا والخليل وكدوميم ويتسهار أن يبدأوا برزم أمتعتهم، فالمفاوضات على إقامة دولة فلسطينية لم تبدأ بعد، وحتى لو بدأت فإن الاحتمال لأن تقود إلى اتفاق يتراوح ما بين ضئيل ومعدوم". وتابع "فإذا كان رئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت، الذي اقترح على أبو مازن انسحابا شمل 100% من المناطق (الفلسطينية)، لم يتوصل إلى اتفاق، وإذا كانت (رئيس حزب كديما ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي) ليفني التي جعلت التوصل إلى اتفاق مهمة حياتها، لم تتوصل إلى اتفاق، فكيف سيتوصل نتنياهو إلى اتفاق؟". ولفت إلى عدم تطرق نتنياهو في خطابه إلى السلام مع سورية ومدى استعداده للانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة "فالخطاب لم يتضمن ولو كلمة واحدة حول الأهمية الاستراتيجية للجولان وشروط إسرائيل المسبقة للمفاوضات مع سورية وكل ما قاله نتنياهو هو أنه مستعد للسفر إلى دمشق غدا صباحا". ورأى برنياع أن نتنياهو "لم ينس ولم يشطب الجولان من خطابه لأسباب تحريرية.. فهدف الخطاب هو التلميح للأميركيين والسوريين أن وجهة نتنياهو هي نحو المفاوضات، لكني لا أنصح الرفاق في (مستوطنات الجولان) كتسرين وماروم جولان برزم أمتعتهم". وكان نتنياهو أعلن أن لن يقبل بدولة فلسطينية لا تعترف بيهودية إسرائيل، مشترطاً حذف حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل في مقابل عرضه التطبيع مع العرب والسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين. من جانبه اعتبر المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن أن تحولا أيديولوجيا حصل لدى رئيس الوزراء في مجالين "الأول، موافقته على فكرة الدولة الفلسطينية كأساس لاتفاق سلام بعد أن عارض ذلك بشدة لسنوات طويلة وانضم على الإجماع الدولي حول الدولتين للشعبين، لكنه لم يمنح موافقته هذه لتسيبي ليفني خلال المفاوضات الائتلافية ووافق عليها تحت ضغط كبير مارسه أوباما عليه". وبشأن مطالبة نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل ورفضه حق العودة للاجئين الفلسطينيين رأى بن أن "نتنياهو يطالب الفلسطينيين عمليا بالتنازل عن مبادئهم الوطنية الأساسية". والتحول الثاني لدى نتنياهو بحسب بن هو أنه "طالب الولاياتالمتحدة بضمان الترتيبات الأمنية المستقبلية في الأراضي الفلسطينية والإشراف عليها لكي لا تتحول الدولة الفلسطينية العتيدة إلى حماستان". وأضاف أن "نتنياهو ألمح بذلك إلى أنه ينبغي نشر جنود أميركيين عند المعابر الحدودية وحتى داخل الأراضي الفلسطينية من أجل حماية إسرائيل من تهديد وجودي، علما أن نتنياهو عارض في الماضي بشدة نشر جنود أميركيين على طول الحدود الإسرائيلية تحسبا من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة العلاقات مع الولاياتالمتحدة في حال لمس بهؤلاء الجنود واتهام إسرائيل بذلك". ورأى بن أن "الترتيبات الأمنية كانت الأمر الجديد الأساسي الذي تضمنه خطابه أمس، ومفاده أن إسرائيل مستعدة للتنازل عن السيطرة على المعابر الحدودية الفلسطينية إذا كانت أميركا ستفعل ذلك بدلاً منها". وأضاف أن "نتنياهو منح المستمع الأهم بالنسبة له، باراك أوباما، انجازا كلاميا من خلال الموافقة على دولة فلسطينية، لكن رسالته الأهم لأوباما هي أن مواقفي تمثل الإجماع الإسرائيلي ولن تتمكن من الضغط عليّ، وأن الجمهور اليهودي مستعد لتأييد حل الدولتين لكن فقط في حال حمايته من صواريخ حماس(!) ويتوقفوا عن التحريض ضده، وأنت يا أوباما تعهدت بأمن إسرائيل، فتفضل وأشرف على نزع سلاح الفلسطينيين". وكتب المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" بن كسبيت، متهكما أنه "مرحبا بك سيدي رئيس الحكومة في القرن العشرين لكن المشكلة هي أننا أصبحنا في القرن الواحد والعشرين". وأضاف أنه "لو أن نتنياهو كان مؤمنا بأنه يوجد بصيص أمل لأن يستجيب الفلسطينيون لجزء من شروطه لما طرحها". وتابع كسبيت أن "نتنياهو ألقى على مدار نصف ساعة أمس خطابا يمينيا بارزا من أجل تغليف وإخفاء رسالة يسارية صغيرة للغاية، وجملة واحدة ووحيدة ومكشوفة، لكنها مهمة، فقد قال 'دولة فلسطينية' وبقي على قيد الحياة". وأشار كسبيت إلى أن نتنياهو لم يأت بجديد في خطابه وأن الشروط التي طرحها تضمنتها مبادرة جنيف، التي وقع عليها ما يعرف ب "معسكر السلام" في إسرائيل وقياديون في السلطة الفلسطينية. وأضاف الكاتب أن اتفاق جنيف، الذي يكرهه نتنياهو، تضمن بنودا واضحة تمنع إسرائيل والفلسطينيين من الانضمام إلى أحلاف مع دول أو منظمات غاياتها معادية للجانب الآخر، وأن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح وتنتشر فيها قوات دولية. كما يمنح الاتفاق طائرات سلاح الجو الإسرائيلي حرية التحليق في الأجواء الفلسطينية لغرض التدريب كما أن ينص على وجود محطتي إنذار إسرائيليتين داخل الأراضي الفلسطينية، كذلك فإن اتفاق جنيف ينص على أن الجانبين يقران بأن "هذا الاتفاق يؤكد الاعتراف بحق الشعب اليهودي بدولة.. ويعترف الجانبان بفلسطين وإسرائيل على أنهما الوطنين القوميين لشعبيهما".