المعاصرون لموحد البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - من المؤرخين والسياسيين والأدباء والمفكرين أشادوا بما قام به رحمه الله من جهد متميز في توحيد البلاد واستقراره ولم شتاته مع تباعد أطرافه وتنوع أطيافه وطبيعته ولا يزال الإعجاب والتقدير له مع الأجيال المتلاحقة سواء من أبناء هذه البلاد الذين يجنون ثمار ما زرع أو من الخارج. وأبناء العالم الإسلامي قبل غيرهم أشادوا بهذا الرجل العظيم ومن هؤلاء شاعر من البوسنة عاصر الملك عبدالعزيز وهو الشاعر سيد ماشيتش، الذي كان ينظم الشعر باللغة الأم واللغة العربية بين الحرب العالمية الأولى والثانية وقال قصيدة عصماء يثني فيها على جلالة الملك عبدالعزيز وينتقد مناوئيه في الخارج الذين كانوا يمررون الدعايات الكاذبة في بعض بلدان العالم الإسلامي. وكان ابن هذا الشاعر الذي توفي سنة 1978م (رحمه الله) وهو بروفيسور في كلية الطب بجامعة سراييفو أحد ضيوف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - لحج 1429ه، ومنه حصلت على نسخة من ديوان الشاعر. التعريف بالشاعر: محمد سيد ماشيتش هو العلامة والشاعر والناشر البوسنوي لم يزل غير معروف لرأينا العام بشكل كاف، في مدينة غراتشانيتسا سنة 1913م ينحدر من أسرة بارزة (الماشيج) تخرج أبوه إسماعيل سنة 1907م من المدرسة الثانوية عثمان القبطان في مدينة غراتشانيتسا حيث عمل معلماً في المدرسة الابتدائية للبنات في محمود توفاتس، ثم مدرساً في مدينة كلادان، كان يعتبر عارفاً جيداً لعلم الصيدلة من الكتب العربية الطبية. قضى محمد سيد الماشيتش طفولته الباكرة في مدينة غراتشانيتسا وكلادان حيث انتقل حول سنة 1920م. مضت العشرون سنة الأولى لمحمد سيد ماشيتش تقريباً مثل ما كانت تمضي حياة كل الشباب البوسنيين الذين نشأوا في أسرة مسلمة متعلمة مرفهة. التحق سنة 1931م في مدرسة غازي خسروبك الإسلامية بسراييفو وتخرج منها سنة 1935م ومن ثمَّ انتسب إلى المدرسة الإسلامية الدينية بسراييفو التي تركها في ما بعد. كان من أقوى الكُتَّاب في البوسنة، حيث استطاع نشر العدد الأكبر من بحوثه باللغة العربية في عدد من الصحف والمجلات العربية مثل أم القرى وبريد الشرق وغيرهما، والميزة الأساسية لنشاطه الأدبي هي أن كل إنتاجه الأدبي يظهر فيه الصدق غير المشكوك فيه للرواية ووضوح الأفكار والمنطق ويظهر ذلك من بداية حتى نهاية كل عمل من أعماله الأدبية. كان الشاعر محمد سيد ماشيتش - رحمه الله - يعتمد إظهار قدرته الكبيرة أو الإحساس الفني والموهبة الشعرية خاصة في آخر القصيدة في البيت المسمى بالبيت التاجي الذي يظهر فيه البراعة العلمية بقدرة ومنطق الغرض والدقة لكاتبه وحيث يكتب الشق الخيِِّر من البيت التاجي للقصيدة بكلمات تعبر عن موضوع القصيدة وتضمن تاريخاً (سنة) نحصل عليها إذا حولنا الحروف إلى الأرقام ثم جمعناها تعطينا سنة الحدث أو موضوع القصيدة. وفضلاً عن القدرات العديدة التي كان يمتلكها المرحوم محمد سيد ماشيتش فلابد من ذكر مستواه العالي في معرفة اللغة العربية، وإلمامه التام بها من حيث بنيتها وانتشارها وكان يتحلى بدراية كبيرة مكنته من أن يستمع إلى محطات الراديو من المغرب والجزائر وتونس وسورية والعراق بدون أي عوائق لغوية حتى أن اللهجات المحلية لأي لغة لم تمثل له أي صعوبة. عمل إماماً وموظفاً للأحوال المدنية بمدينة تاينيتش وجبتشا ثم معلماً في كرزاراتس بركا لوكافتسي وفي أماكن أخرى. عاد بعد الحرب العالمية الثانية إلى مدينة غراتسانيتسا بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم حيث عمل موظفاً في شركة بوسنة التجارية وتعرض للسجن عدة مرات حتى إحالته على المعاش سنة 1977م توفي رحمه الله سنة 1978م وهو ابن 65 عاماً. بدأ بنشر إنتاجه العلمي مبكراً جداً منذ فترة دراسته في الثانوية أصبح وبسرعة مجيداً للقراءة والكتابة باللغة العربية وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللغات الشرقية الأخرى أيضاً مما مكَّنه من متابعة آنذاك الصحافة العربية التي استطاع من خلالها الإطلاع والإلمام بالمجريات العالمية المعاصرة في الشرق وحتى في الغرب وهذا أثر وبشكل واضح على ما كان ينشره قبل كل شيء في الترجمة ثم في كتابة الشعر والنثر. كانت الصحافة العربية آنذاك تمثل المنهل الوحيد الآمن للتوجهات والتحركات السياسية في كلتا القارتين من أندونيسيا شرقاً إلى المغرب وإلى بريتوريا جنوباً بالتعاطف مع الشعوب المظلومة وإعجاب بحركاتهم من أجل التحرر والاستقلال وأحب الصحافة العربية التي كانت تمثل كل ذلك. نتج عن حماس واندفاع محمد سيد ماشيتش في فترة الشباب وميله الاستثنائي وموهبته الأدبية كتابة قصائد عديدة كان يترجمها وهو تلميذ من المجلات العربية الأكثر شهرة وهي أم القرى والمصور والفتح والبشير وفلسطين وغيرها ثم كان ينشرها في بعض الجرائد والمجلات المحلية وهي العالم الإسلامي وصوت الإسلام وغيرها. ولما تأهل لكتابة الشعر باللغة العربية بدأ ينشر في الصحافة العربية وننتج عن ذلك نشاطه الأدبي الوافر باللغة العربية حيث كتب النثر والشعر في سن البلوغ مفصحاً عن قدرته الفكرية والأدبية كلها خاصة في كتابته للمناسبات والقصائد الشعرية الدينية والعاطفية والوجدانية والإبداعية وتلك التي تحمل معاني فلسفية. وينتمي محمد سيد ماشيتش إلى مجموعة المثقفين الكبار الحقيقيين في البوسنة بصفته مفكراً وشاعراً وكاتباً للتواريخ حيث كان سباقاً لعصره ولكن لم يتراجع في لحظة من اللحظات عن نشاطه الفكري وببساطة كان هذا الرجل سابقاً لعصره. قصيدته في الملك عبدالعزيز رحمه: شتان بين مقلد ومجدد وأول ما نشر من شعره قصيدة في مدح الملك عبدالعزيز، نشرتها أم القرى "المكية سنة 1936م": يا قائلاً: إن الجزيرة في الظلم لا تنس إن زعيمها رفع العلم وأعاد عصر الراشدين وأمنهم بحدادة السيف الذي ذل الأمم الشرع دستورٌ له ولقومه والصدق رمزٌ والصراحة والكرم من جاء تحت لوائه وظلاله لم يدر ما مر الحياة وما الألم طوبى لسكان الجزيرة، أنهم عرفوا يقيناً ما السعادة والنعم شاء القدير وماله من معجز أن يذهب الخطر الجسيم عن الحرم فهدى له عبدالعزيز وقادة نحو المفاوز بالهداية والحكم هو ضارب أعناق أهل الشرك والإلحاد والبدعات إن وجد التهم ومجدد الدين المبين ولم يكن متفرنجاً كمقلد الأعمى الأصم شتان بين مقلد ومجدد هذا نعيمي وذلك في الحطم قالوا: الشريعة أثقلت بل أغلقت بان التقدم والحضارة للأمم دلت نتائج حكمها في مهدها أن الشريعة حضرت تلك القمم لم يستطع تأمينها سيف ولا قانون سلطان لعرب أو عجم حتى أتى عبدالعزيز بجنده والجند أخوان له ليس الخدم يا مشرق الأرض انتبه ورم العلا قد دق أن الانتباه فلا تنم لو عاش غرب الأرض عاماً واحداً متجنباً عن شرقها هل أنسلم؟ كلا وحاشا أن يعين إلهنا عباد دينار حقير أو صنم يا أمة الإسلام هبي واسمعي وخذي النصائح من إمام محترم حسنت جميع فعاله وخصاله من كان يتَّبع الإمام فلا ندم وله مآثر لو أتيت بسردها عجز اللسان بعدها وكذا القلم عبدالعزيز ملكت ما بصدورنا يفدى لكم روح وأموال ودم من بُسنة القصوى عليك سلامنا واقبل تحايانا أيا مولى النعم وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد