يعتبر عيد الفصح العبري، الذي يفتتح موسم الربيع عمليا في إسرائيل، أحد أهم مؤشرات القوة الشرائية لهذا العام، وأيضا يشكل مناسبة أخرى لكشف الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، مثله مثل موسم الأعياد العبرية في بداية فصل الخريف من كل عام. إلا أنه بين خريف العام 2008 وربيع العام 2009، حصل شبه انقلاب في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، ففورا بعد أعياد الخريف، رأس السنة والغفران والعرش، بدأت موجهات الفصل من العمل، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تضرب الاقتصاد الإسرائيلي بقوة، وتتصاعد من شهر إلى آخر. ويأتي عيد الفصح العبري، بعد ستة أشهر، ليكشف واقع الحال، الذي تعتبره أوساط مختلفة أنه ليس الذروة، وأن الاقتصاد لم يصل إلى الحضيض المتوقع له. لكن حتى الآن بات من الواضح أن أعداد الفقراء ازدادت أكثر، في حين أن من لم يقع بعد في الأزمة الاقتصادية فإنه يقلص مشترياته المتعددة، ويفرض قيودا على تقاليد مشترياته، تحسبا لما هو أسوأ. ومن مشاهد عيد الفصح العبري الذي يستمر أسبوعا كاملا، هو الخروج إلى نزهات إما في داخل البلاد، كسياحة داخلية، أو إلى خارج البلاد، خاصة إلى المناطق القريبة التي يكون قضاء أسبوع ترفيهي فيها أقل تكلفة بكثير من معيشة عادية في إسرائيل لمدة أسبوع. لكن هذه المظاهر شهدت تراجعا كبيرا في هذا العيد، في حين أن عدد العائلات التي تتوجه إلى جمعيات المعونات الغذائية ازداد بوتيرة لا يمكن استيعابها، بموجب ما تقوله هذه الجمعيات. تؤكد الجمعيات المتخصصة بتقديم المعونات الغذائية للفقراء أن طلب المعونات ازداد هذا العام بنسبة 40%، على الرغم من أنها تضطر لتقليص المعونات التي تقدمها أصلا للمسجلين لديها من قبل. ويقول تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه على الرغم من اقتراب عيد الفصح العبري، إلا أن الحكومة لم تقر نهائيا تقديم مساعدات مالية لهذه الجمعيات، في حين أن وزارة الرفاه وحدها، خصصت مبلغ ثلاثة ملايين شيكل (750 ألف دولار) لهذه الجمعيات، وهو ما تعتبره الجمعيات بمثابة "مسخرة". ويقول مدير عام جمعية "لتيت" (عطاء)، المحامي عيران فاينتروب، إننا في الأيام العادية نقدم المعونات الغذائية لما يقل عن 50 ألف عائلة، ولكن في عيد الفصح العبري، فإن العدد يرتفع إلى 200 ألف عائلة، وتعتبر "لتيت" من أكبر وابرز الجمعيات الناشطة في مجال المعونات الغذائية والإنسانية. ويقول فاينتروب إن وتيرة الزيادة في عدد المتوجهين إلى الجمعيات كانت ملموسة في العام 2008، ولكنها في تصاعد مستمر، في الوقت الذي تتراجع فيه التبرعات لهذه الجمعيات. وأشار إلى أن الجمعيات تتوقع ارتفاعا حادا إضافيا، في النصف الثاني من العام الجاري، بعد أن يكون عشرات آلاف العاطلين عن العمل قد تجاوزوا فترة مخصصاتهم، ولم يعودوا إلى سوق العمل. وأعلنت جمعية "لتيت" عن حملة تبرعات واسعة النطاق، ينشط فيها 6500 متطوع، ينتشرون في 200 متجر تابع لشبكة المتاجر "شوبر سال"، والهدف منها جمع ما لا يقل عن 30 مليون شيكل، خلال أيام، وهو ما يعادل 2ر7 ملايين دولار، لتغطية مصاريف المعونات الغذائية خلال أيام العيد. وقالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن مسحا أجرته الجمعيات المختصة بالمعونات الغذائية دلّ على أن أكثر من 233 ألف عائلة في إسرائيل لا تستطيع أن تؤمن وجبة ساخنة يوميا لأفراد عائلتها، وهذا من أصل 418 ألف عائلة فقيرة في إسرائيل، بموجب آخر تقرير رسمي لمؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني). وحسب هذا المسح، فإن أعلى نسبة للعائلات الفقيرة العاجزة عن تأمين الوجبة الغذائية نجدها في منطقتي الشمال والجنوب، وهذه معطيات كما يبدو تشمل العائلات اليهودية والعربية، إلا أن الشريحة الأكثر فقرا بين اليهود نجدها بين الأصوليين المتشددين (الحريديم). وأعلن وزير الرفاه، إسحاق هرتسوغ، من حزب "العمل"، الذي سيستمر في منصبه في ظل حكومة بنيامين نتنياهو، أن لجنة خاصة برئاسة مدير عام الوزارة ناحوم ايتسكوفيتش، أنجزت تقريرا خاصا يدعو إلى ضمان الأمن الغذائي لكل عائلة، وبحسب الوزير فإن تقرير اللجنة يطلب تأمين الحد الأدنى من مدخول العائلة الذي يضمن غذاء سليما لكل عائلة. ويقول هرتسوغ إن الحكومة السابقة، ووزير المالية فيها روني بار- أون، رفضا تطبيق توصيات اللجنة، كما أن رئيس الحكومة السابق رفض التدخل وحسم القضية. وأضاف إن اتفاق الائتلاف بين حزب "العمل" و"الليكود" يقضي بتطبيق توصيات هذه اللجنة، إلا أن وزارة المالية بوزيرها الجديد يوفال شتاينيتس سارعت إلى إصدار بيان إلى وسائل الإعلام، تقول فيه إنه ليس من المضمون أن يتم تطبيق توصيات اللجنة في إطار ميزانية الدولة للعام الجاري 2009. من جانبها كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير لها أن السياحة الخارجية تراجعت ما بين 10% إلى 20% في هذا العام، كما أن السياحة الداخلية تراجعت بنسبة لا تقل عن 20%، وفق تقارير لأصحاب الفنادق ووكلاء السفر. ويقول التقرير إن نسبة اشغال الغرف في الفنادق الإسرائيلية في موسم عيد الفصح وصل في العام الماضي إلى معدل 90%، في حين أن هذه النسبة في مدينتي إيلات والقدس وصلت إلى 95%، أما اليوم فإن مدير عام اتحاد الفنادق، شموئيل تسورئيل، يقول إن النسبة هبطت في هذا العام إلى حوالي 70% بالمعدل العام، وفي القدس، مركز العيد الأساسي، إلى 75%، ونفس النسبة في مدينة إيلات. ورغم أن هذا التقرير ينشر قبل 10 أيام من اليوم الأول لعيد الفصح، فإن معديه يؤكدون أن الحجوزات في الفنادق تنتهي قبل شهرين من يوم العيد، وحتى أنه في بعض المناطق سارع وكلاء سياحة إلى شراء غرف فنادق بأكملها قبل أربعة أشهر من موعد العيد، ولهذا فإن هذه النسبة ليس من المتوقع أن تشهد انقلابا مع بدء العيد. وتقول المعطيات إن تراجع الحجوزات في الفنادق غير ناجم عن تراجع السياحة الداخلية، بل أيضا بسبب تراجع السياحة الوافدة من الخارج، نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة السائدة في الدول المتطورة، وأيضا بسبب الحرب على غزة. وكلما ابتعدت المناطق عن مركز البلاد، كانت أزمة الفنادق أكبر، ففي بلدة المطلة على الحدود مع لبنان، قالت الفنادق هناك إن نسبة الحجوزات لديها لم تتعد نسبة 45% إلى 50%، بعد أن كانت النسبة في العامين الماضيين 100% تقريبا. ويقول أحد أصحاب الفنادق " إننا نعتمد على أبناء الشرائح الوسطى من الجمهور، وهي الشرائح التي تلقت أكبر ضربة من الأزمة الاقتصادية، وهذا انعكس على وضعية الحجوزات في هذا العيد". كذلك الأمر في أقصى جنوب البلاد، في مدينة إيلات، حيث كانت نسبة الحجوزات تصل إلى اقرب شيء نحو 100%. ويقول مسؤول أحد الفنادق: إن التراجع واضح جدا، فنسبة الحجوزات هي بمعدل 70%، إذ ان نسبة الحجوزات في اليوم الأول للعيد تصل إلى 80%، ولكن في اليوم الأخير للعيد 60%، بمعنى أنه ليس فقط الحجوزات تراجعت، وإنما أيضا عدد الأيام تراجع هو أيضا. أما السياحة الخارجية فهي ليست دائما إشارة للترف وتحسن الأوضاع الاجتماعية، فمثلا قضاء أسبوع كامل في دولة مثل تركيا، أو في صحراء سيناء، أو في بعض دول أوروبا الشرقية، أقل بكثير من تكلفة نقاهة في داخل إسرائيل، ولذا فإن السياحة إلى الخارج غالبا ما تكون من باب التوفير، وأيضا الابتعاد عن الأجواء الضاغطة. ورغم ذلك فإن تقارير وكلاء السفر تشير إلى تراجع ما بين 10% إلى 20% في الحجوزات إلى الخارج، ولكن نسبة التراجع الأكبر كانت في تركيا، إذ تراجع السفر هناك بنسبة 50% ولكن هذا بسبب الأوضاع السياسية التي سادت بين البلدين حتى قبل ثلاثة أشهر. من الجدير ذكره أن هناك جانبا سياحيا ليس ملموسا كثيرا في السجلات، وهو السياحة الفردية والخاصة إلى صحراء سيناء، على الرغم من تحذيرات الأجهزة الأمنية، بزعم وجود أخطار أمنية، إذ كان عدد حملة الحجوزات الإسرائيلية الذين يمضون أسبوع الفصح في سيناء يصل إلى 50 ألف شخص وأكثر. نشرة «المشهد الإسرائيلي»