قبل بضعة أسابيع جاءتني أختي مستعجبة تروي مشهداً بدا لها في البداية غريباً بل ومضحكاً أيضاً، عندما رأت رجلين يبدو عليهما الوقار في سوق العويس الشعبي وتحديداً في أحد محلات الخياطة يمرران أجهزة هواتفهما الجوالة على ماكينة سوداء ويسألان البائع الهندي إن كان أكيدا من أنها ماكينة ( سنجر) والبائع الهندي يهز رأسه بحبور مؤكدا المعلومة. في ذلك الوقت لم تكن إشاعة الزئبق الأحمر الذي تحتويه مكائن الخياطة من ماركة سنجر قد اكتسحت المجتمع وأيقظت الحلم السعودي المزمن بالثراء السريع ومن صفقة واحدة حتى انتشر كالوباء. انتشار الإشاعة وتسرب السر وراءها قد فضح كثيراً من التصرفات التي بدت لأصحابها أو مشاهديها مستغربة، وخصوصاً لدى النساء الكبيرات في السن اللاتي عرف عنهن امتلاك مثل هذا النوع من الماكينات القديمة والتي تحولت بين يوم وليلة إلى كنز ينشده كله حالم، طامع، أو مغفل! وبالرغم من أن هذه الإشاعة قد أشعلت جذوة الطمع في نفوس كثير من الناس إلا أنها قد ذكرتهم بقرابة وصلة رحم كثير من النساء الكبيرات. فبعد أن كان يوم الواحدة منهن رتيبا لا يغيره سوى صوت المذياع وأخباره المختلفة أو مكالمات الأبناء وزيارتهم تحول إلى برنامج حافل بزيارات الجيران والأقرباء ومكالماتهم المتكررة و التي غالبا ما تتخللها أحاديث مصطنعة عن الذكريات الجميلة وُتقحم فيها ماكينة سنجر العزيزة لجس النبض أو حتى للشراء!! قصص طريفة تناقلتها الجدات بينهن عن طمع من حولهن في مكائنهن القديمة والطرق التي اتخذوها للتحايل عليهن والظفر بها والذي ساهم وبشكل مباشر أو غير مباشر في إحياء دوامة من المشاعر المتناقضة منها ما هو حميم ومنها ما هو مستهجن ومؤلم. وكأي إشاعة تبدأ صغيرة ثم تتنامى وتتعاظم بعد أن يغذيها الناس بخيالاتهم وتجاربهم وربما أكاذيبهم ثم تصغر مرة أخرى حتى تموت. عمر أي إشاعة يحدده عدد المتفاعلين معها والمصدقين بها لكنه مهما امتد فإنه سينتهي. تجربة هذه الإشاعة التي تعاطاها بعض من المجتمع السعودي بإيجابية شديدة وترك لها المجال لتتقمص مشاريعه وخططه المستقبلية وسواء حقق منها مكاسب أو خسائر فإنها بالتأكيد قد تركت أثرا ما وأظهرت جانبا آخر . فهل نحن بحاجة لوجود هيئة أو مؤسسة حكومية وكراسي بحث خاصة بدراسة الإشاعة في المجتمع السعودي أسباب انتشارها والفئات التي تصاب بها وتتغذى على أحلامها ومكافحتها أيضا؟! فإشاعة مغرية بزئبق أحمر قد تمهد لإشاعات أخرى بمواد أخرى أكثر خطورة في مجتمع أبدى بعض منه استعدادا لاتباعها والتكسب من ورائها واستغفال الآخرين بها والتحايل عليهم. فالأحلام بالكنوز المدفونة في أعماق البحار أو في الكهوف المهجورة أو تلك التي يحرسها ملوك الجان لا تزال قابلة للتصديق ما دام الإنسان محتاجاً وطماعاً.