كثرت حالات ابتزاز الشباب للفتيات في الآونة الأخيرة بشكل يستدعى الانتباه ويثير الاهتمام، ورغم أننا لا نستطيع تحديد نسبة ظهور هذه الحالات لعدم حصولنا على إحصاءات دقيقة تساعدنا على تحديد هذه النسبة، إلا أنه يمكننا القول إنها مشكلة اجتماعية خطيرة أبرزتها وسائل الإعلام على السطح مؤخراً وطرحتها للنقاش باهتمام بالغ لفت إليها انتباه المجتمع والجهات الرسمية. فكيف نفسر أسباب انتشار هذه القضية في مجتمعنا المحافظ ؟، وهل نصنف الابتزاز باعتباره " جريمة " أم نوعا من أنواع " العنف " الموجه ؟، وهل الأحكام الصادرة على الشباب الذين يقومون بابتزاز الفتيات تعتبر رادعة وزاجرة لهم ولأمثالهم ؟، ثم ما التوصيات التي يمكن طرحها للحد من مثل هذه الممارسات اللا أخلاقية؟ الوقوع في الفخ يُفسر الدكتور سعد بن عبد القادر القويعي الباحث والكاتب في السياسة الشرعية أسباب شيوع جرائم الابتزاز في مجتمعنا بما تبثه القنوات الفضائية، فحسب رأيه أن حملات الإثارة الغرائزية التي نشاهدها كل يوم عبر بعض "القنوات العفنة" تعتبر من الأسباب المهمة في هذا الشيوع، بالإضافة إلى تقصير في أدوار المؤسسات والمحاضن التربوية. في حين يُفسر الدكتور" سعود بن سهل القوس " المتخصص في علم الاجتماع حالة وقوع الفتيات تحت وطأة الابتزاز بأنها نتاج لخلل في البناء الاجتماعي، وقصور في وظائف أنساقه المتعددة، ويُرجع أسباب قضايا الابتزاز برأيه إلى عوامل عديدة "نفسية واجتماعية واقتصادية "، فالفتاة التي وقعت في فخ الابتزاز والتهديد ربما دفعها إلى ذلك حاجتها إلى من يسمعها ويناقشها ويحاورها، أو حاجتها إلى العاطفة التي قد تكون افتقدتها في أسرتها، وربما يكون سبب وقوعها في ذلك جهلها بخطورة الموقف وعدم وعيها بتبعاته المشينة، وكذلك ضعف الوازع الديني. أما المتخصصة في علم الجريمة والانحراف الباحثة فوزة ياسين العنزي من قسم الدراسات الاجتماعية في جامعه الملك سعود فترى من أسباب الابتزاز استغلال بعض الشباب لثقافة مجتمعنا المحافظة التي تحرم أي علاقة صداقة أو علاقة جنسية بين الفتاة والشاب بدون عقد شرعي، مما يجعل أحدهم يحرص على إيقاع الفتاه بأي نوع من العلاقات المحرمة ومن ثم يبدأ بتخويفها وابتزازها لأخذ مقاصده ، سواء كانت مالية أو جنسية أو قد تكون مجرد تسلية بغرض تخويفها وصبغ حياتها بالرعب، أو قد يتخذ هذا الابتزاز كوسيلة لإثبات رجولته وشجاعته أمام أصدقائه، كما تربط أيضاً بتفشي هذه المشكلة في المجتمع بضعف الوازع الديني، أو جهل الشباب بالنتائج المترتبة على هذا الابتزاز، وكذلك الفراغ العاطفي والحرمان العاطفي وعدم إكمال التعليم والعنف الأسري الذي يجعل من هذا الشاب شخصيه مهزوزة يريد إثبات رجولته بأي شيء كان حتى لو محرم، والبطالة التي تجعل قوة الشاب وطاقته مكبوتة تتحين الفرص لظهور بأي نشاط كان، وكذلك ضعف الرقابة الأسرية على الشاب مما يجعله يتمادى بأفعاله. تصنيف الابتزاز تحت أي مسمى يمكننا تصنيف قضايا الابتزاز؟. تعتبر الباحثة فوزة العنزي حالات ابتزاز الشباب للفتيات نوعا من أنواع " الجريمة " لأنه يبث الرعب والخوف في النفوس المسلمة ، وفيه هدم لأعرا ض المسلمين، وتعدٍ على حرمات الله سبحانه حيث قال رسولنا الكريم " كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه ". في حين يعتبر د. سعود القوس هذا الابتزاز شكلاً من أشكال " العنف الموجه " ضد المرأة ، فالعنف حسب قوله ما هو إلا أسلوب يهدف إلى إلحاق الضرر بالآخرين وإيذائهم وتهديدهم واستغلالهم بالإكراه، واستخدام القوة أو الضغط استخداماً غير مشروع مما يؤدي إلى انتهاك حقوق الآخرين، أما الدكتور سعد القويعي فيعتبر الابتزاز في المحصلة النهائية " جريمة " يحاسب عليها الشرع والقانون، وتقع ضمن جرائم العرض والآداب، وتندرج في إطار انتهاكات حقوق الإنسان. أحكام رادعة هل تعتبر الأحكام الصادرة في مثل هذا النوع من قضايا الابتزاز رادعة ؟ من وجهة نظر د. سعود القوس تعتبر الأحكام الصادرة على الشباب الذين يقومون بابتزاز الفتيات رادعة وزاجرة، وقد روعي فيها الحزم مع هؤلاء الشباب، مما يؤدي إلى حفظ كرامة المرأة وحمايتها، وإشعارها بالأمان في ظل مجتمعها السعودي. ويوافقه في ذلك د. سعد القويعي من أن الأحكام الصادرة على الشباب الذين يقومون بابتزاز الفتيات تندرج تحت باب العقوبات التعزيرية ولا تخرج عنها كالإيقاف والحبس والجلد، وقد تكون العقوبة مجتمعة أو منفردة. أما الباحثة فوزية فتختلف في تقديرها للعقوبات وتصنفها بأنها غير رادعة وتطالب بإصدار العقوبة الكافية لردع هذه الجريمة البشعة بحق الإنسانية باعتبار أن الابتزاز يعتبر اعتداء على الأسرة بكاملها ، وليس على الفتاة لوحدها. توصيات طرح ضيوف التحقيق عدة توصيات في محاولة منهم للوصول إلى حلول تحد من حالات ابتزاز الشباب للفتيات في مجتمعنا، ومن ذلك ضرورة أن يكون هناك دور كبير للمجتمع والقضاة في هذه القضية حتى لا تنتشر في مجتمعنا ويكون هناك استغلال لثقافتنا ضد بناتنا وأخواتنا، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع بماهية الابتزاز ونتائجه وعواقبه، وتسهيل الأمور للفتاة لتبليغ السلطات المختصة، ووضع سلطة مختصة لقضايا الابتزاز ومتابعة قضاياه وتشجيع الفتيات لإبلاغ الجهات المختصة بسرية تامة ، كذلك وضع العقوبة الصارمة الرادعة لهؤلاء الشباب، ونشر الوعي الأسري بأهمية الضبط الاجتماعي، وتقريب وجهات النظر بين الوالدين والأبناء وأهمية الحوار والإشباع العاطفي في الأسرة، مع توضيح النتائج السلبية للعنف الأسري والتسيب الأسري وتخلي الأهل عن دورهم المجتمعي والأسري، وتوعية الفتاة بالنتائج الوخيمة من جراء العلاقات المحرمة مع الشباب حتى ولو كانت للتسلية.