أزم الإضراب الذي تخوضه منذ أيام قطاعات النقل في المغرب وضعية الحكومة وأربك حساباتها في التحضير للانتخابات البلدية المزمع عقدها شهر يونيو المقبل. وخلق الإضراب تصدعا كبيرا في مكونات الحكومة وأظهر على السطح صراعات كانت تعتمل في الخفاء بين أهم حزبين فيها (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي). ويتهم حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة الحالية حليفه الاتحاد الاشتراكي بطعنه من الخلف بتحريك الإضراب ضد مشروع مدونة السير التي طرحها وزير النقل والتجهيز (من حزب الاستقلال) في الوقت الذي كان وزراؤه في الحكومة وافقوا على طرحها للمناقشة والتصويت في البرلمان. وتخوض منذ أربعة أيام هيئات نقابية إضرابا مفتوحا احتجاجا على مشروع مدونة السير الحكومية أدى إلى شل الحركة الاقتصادية في أهم المدن المغربية ومنها الدارالبيضاء عاصمة البلاد الاقتصادية وقلبها النابض. ويتوقع أن يتكبد الاقتصاد الوطني بسبب إضراب قطاعات النقل خسائر اقتصادية ثقيلة، وتحاول الحكومة التكتم على حجم هذه الخسائر للتقليل من قيمة الإضراب، بينما تشير المعطيات أن الوضع الاجتماعي بدأ يتجه نحو مزيد من الاحتقان بسبب غياب النقل والصعود الصاروخي للأسعار والخوف من فقدان مواد حيوية من السوق من بينها الوقود، وذلك بعد رفض هيئات نقابية يسارية توقيف الإضراب استجابة لطلب الوزير الأول الاستقلالي عباس الفاسي. وفي اجتماع عقده مساء الاثنين مع ممثلي الهيئات النقابية طالب الوزير الأول النقابات بوقف الإضراب مقابل تجميد مناقشة مشروع مدونة السير في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، غير أن بعض هذه الهيئات النقابية المحسوبة على اليسار خصوصا رفضت الاستجابة للوزير الأول وهددت بإدخال الإضراب إلى كتاب غينيس ما لم تتراجع الحكومة عن مشروع مدونة السير وتعلن سحبها بشكل نهائي، بينما سارعت النقابات المحسوبة عن اليمين إلى الإعلان عن تعليق الإضراب بعد لقاء الوزير الأول. ويقابل هذا التصدع في النقابات اختلاف كبير طفح على السطح بين أهم حزبين مشكلين للحكومة الحالية الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. وانعكس هذا الخلاف على صحافة الحزبين التي لا تتردد في كيل الاتهامات إلى بعضها البعض. وبات هذا التصدع الحكومي مرشحا إلى مزيد من التصعيد بعد تصريحات نارية في حق الاتحاد الاشتراكي أطلقها حميد شباط أحد قادة حزب الاستقلال والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، حيث وصف القائد التاريخي لحزب الاستقلال المهدي بن بركة ب"القاتل". وقال الاستقلالي شباط في ندوة صحافية أول أمس إن المهدي بن بركة الذي كان قائدا في حزب الاستقلال قبل أن ينشق عنه ويؤسس الاتحاد الاشتراكي قتل العديد من المقاومين الذين كان يضمهم حزب الشورى والاستقلال بعد زوال الاستعمار عن البلاد. وحمل الاستقلالي شباط مؤسس الاتحاد الاشتراكي المهدي بن بركة مسؤولية الإعدامات والأحداث الدامية التي عرفها المغرب بعيد الاستقلال. وذهب شباط أبعد من ذلك حينما قال للصحافيين إنه لو لم يكن هناك دستور وملكية في المغرب وحكم الاشتراكيون البلاد لقادوه إلى الكارثة. ولا يتوقع أن يترك الاتحاد الاشتراكي هذه التصريحات النارية في حقه تمر دون أن يرد عليها، مما ينتظر معه أن يعرف الخلاف بين الحزبين (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) تصعيدا أخطر. من جهة أخرى وارتباطا بالموضوع، من غير المستبعد أن يقود الصراع بين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى المبادرة بإجراء تعديل حكومي. فمع غياب الانسجام بين مكونات الحكومة بسبب هذا الصراع، يتوقع المحللون السياسيون أن تبادر أعلى سلطة في البلاد إلى إجراء تعديل من شأنه أن يعيد الانسجام إلى الحكومة ويساهم في تحسين أدائها خاصة مع الانتقادات التي وجهت إليها من طرف المعارضة بالفشل في تدبير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها إضراب قطاعات النقل.