لقي لجوء مؤسسات مالية إلى إطلاق صناديق تحوط انتقادات، لأن مبدأ هذه الأدوات الاستثمارية يتعارض في جوهره مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وتحرم الشريعة الإسلامية صور البيع على المكشوف لأنها تنطوي على بيع صندوق تحوط لشيء لا يملكه. كما تعتبر مسألة «البيع قبل الاستحقاق» (وهي من ابرز عمليات صناديق التحوط) من أقوى المشكلات التي يعتبرها علماء الشريعة مخالفة للدين الإسلامي. في حين اختلف خبيران في الشأن الاقتصاد الإسلامي، حول صناديق التحوط بين الحل والتحريم، واستند المؤيد لوجود صناديق التحوط الإسلامية إلى أنها قامت على عقد السلم الجائز شرعاً، بينما المخالف لهذا الرأي مبيناً أنها تنافي الشريعة الإسلامية وأن الهيئات الشرعية لا تعترف ولا تقر بشرعيتها، لما فيها من بيع على المكشوف المحرم شرعاً. وقال الدكتور محمد القري أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز والخبير في الصيرفة الإسلامية، إن صناديق التحوط فهي شيء مختلف وكثيراً ما يقع الخلط بين التحوط وصناديق التحوط، لافتا إلى أن صناديق التحوط هي صناديق استثمار تتحمل مخاطر عالية في سبيل تحقيق أرباح حتى مع انخفاض السوق. وعد القري أن بعض صناديق التحوط قامت على استخدام عقد السلم، مشيرا إلى أنه جرى استخدام عقد بيع العربون حيث يدفع المشتري جزءاً من الثمن على انه بالخيار إن شاء أمضى العقد وان شاء فسخه، مضيفاً أن مصرفيين إسلاميين وخبراء الاستثمار الإسلامي قد وجدوا أن عقد بيع العربون فيه شبه من الاختيارات المالية وان كان المعقود عليه هو سلعة أو سهم وليس الحق في الفسخ كما هو الحال في الاختيارات. وخالفه لاحم الناصر الخبير في الصيرفه الإسلامية، إلى أن صناديق التحوط الموجودة الآن في الأسواق المالية هي ليست شرعية حتى ولو لبست لباساً إسلامياً. وقال الناصر إن صناديق التحوط تعتمد في الدرجة الأولى على البيع المكشوف والاقتراض أي الرفع المالي ونحوها، وأن جميعها ليست مسموحاً بها في الشريعة الإسلامية، مبيناً أن المؤيدين لصناديق التحوط الإسلامية استبدلوا البيع على المكشوف ببيع السلم، علماً أنها لا تتماشى مع آليات الصناديق لأن بيع السلم يشترط فيه تسلم الثمن. ويرى الدكتور القري» نظراً أن حاجة الناس إلى أدوات لإدارة المخاطر فقد سعى المصرفيون الإسلاميون وخبراء الاستثمار الإسلامي إلى إيجاد بدائل يمكن أن تنهض بنفس الخدمة ولكنها مؤسسة على عقود إسلامية جائزة. فمثلاً جرى استخدام الوعد الملزم على الواعد لتحقيق بديل عن الصرف المؤجل، فيعد البنك عميله بان يصرف له عملة اليابان مثلاً بسعر محدد متفق عليه في تاريخ مستقبلي ويكون العميل بالخيار ان شاء استفاد من الوعد وإلا تركه». وأضاف القري « ويحصل البنك مقابل هذا الالتزام على رسم متفق عليه. وكذلك الحال بالنسبة للبيع القصير باستخدام عقد السلم إذ من المعلوم ان عقد السلم يمكن من بيع سلعة موصوفة في الذمة غير مملوكة للبائع وقت البيع ولذلك فهي مشابهه لما ذكر مما يسمى البيع القصير إلا في مسألة دفع كامل الثمن عند التعاقد». وذكر أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز والخبير في الصيرفه الإسلامية،أن التحوط في اللغة المالية يقصد به استخدام إجراءات معينة لتقليل المخاطر، وهي جزء مما يسمى إدارة المخاطر. وعاد لاحم الناصر ليؤكد أنها تتناقض تماماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن الكثير من الخبراء الاقتصاديون في العالم لا يعتقدون أن يكون هناك صناديق تحوط إسلامية,لأنهم يقولون أن صناديق التحوط تعمل بآلية مختلفة وتحتاج إلى أسواق متقدمة ليست موجودة في السعودية, ومن الأدوات التي تستخدمها صناديق التحوط:البيع على المكشوف يعمل كبديل البيع على المكشوف في الأسهم، وهذا غير موجود في السوق السعودي ولا يتعامل به. وشدد لاحم الناصر على أن أحد أساسيات عمل صناديق التحوط, التي تدعي أنها إسلامية في العالم، قد أُجمع عليها كثير من علامات استفهام وأنها تنافي الشريعة الإسلامية وأن الهيئات الشرعية لا تعترف بها ولا تقر بشرعيتها. بينما يشير الدكتور القري إلى أن احتمال وقوع الخطر أمر غير مرغوب فيه يؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية لأصل من الأصول. وكل استثمار تحيط به مخاطر متعددة يسعى الإنسان إلى تبني إجراءات يحصل له بموجبها تقليل آثار المخاطر التي لا يرغب في تحملها ولكن لا سبيل لإلغاء جميع المخاطر لأن الحصول على الربح يحتاج إلى تحمل مخاطر. وضرب الدكتور القري مثالاً قائلاً: عندما استثمر في أسهم شركة سوني اليابانية طلباً للربح فهذا قرار اتخذته لاعتقادي ان سوق المنتجات الالكترونية فيه فرص للاسترباح، ولكن ما يتحقق لي من ربح ربما يتبخر بسبب تغير غير متوقع في سعر صرف الين. وهذا ليس مجال استثماري لأني مستثمر في صناعة الالكترونيات. لذلك فإن على إخراج هذا الخطر من معادلة استثماري وذلك بالتحوط. يعني مثلاً أنا أتوقع ان احصل على مبلغ مليون ين بعد سنة من اليوم وأنا مستثمر سعودي ثروتي مقومه بالريال ولو حصلت على ربح مقداره مليون ين ثم انخفض سعر صرف الين فربما انتهى إلى الخسران في حساباتي بالريال مع ان استثماري حقق الربح بالين، ولذلك أحمي استثماري بالدخول في عقد بيع عملة مؤجل أبيع فيه مليون ين بسعر صرف يتحدد اليوم والتسليم يكون بعد سنة وبهذه الطريقة لم يعد تغير سعر الين يؤثر على استثماري، وهذه أداة من أدوات التحوط، كما يمكنني شراء عقد اختيار أدفع بموجبه رسماً لجهة أخرى (بنك مثلاً) ليلتزم بشراء الين منى بسعر يتحدد اليوم وأكون أنا بالخيار فإذا وجدت ان سعر الصرف قد انخفض إلى أقل من السعر المتفق عليه مارست حقي بإلزام ذلك الطرف الملتزم بالشراء مني بالسعر المتفق عليه فتحققت لي الحماية أما ان كان السعر قد ارتفع فإني لست ملزماً بإجراء الصرف وهذه طريقة أخرى للتحوط مع ملاحظة ان كل ذلك من المعاملات التي لا تجوز ويحاول المصرفيون الإسلاميون إيجاد البدائل لها. وأوضح القري أن المستثمرين والتجار وغيرهم يحاولون الاقتصار على المخاطر التي يعرفونها ويحسنون التعامل معها وتتولد أرباحهم من خلال تحملها ويحرصون على التخلص مما عدا ذلك من المخاطر عن طريق التحوط. في حين يتساءل الخبير في الصيرفة الإسلامية لاحم الناصر، «من الذي سيعطيك الأموال يا صندوق التحوط ليأخذ الأسهم بعد فترة وفيها صعوبة كبيرة جداً؟ لافتا في الوقت ذاته إلى أن بعض الصناديق التحوط الإسلامية أداؤها كان سيء وبعضها أغلق، لأنها لم تحقق أرباحاً تتوازن مع صناديق التحوط التقليدية، خاصةً أنها لم تصل إلى الآن إلى آليات إسلامية100 % تعطي نتائج إيجابية مثل صناديق التحوط التقليدية». ويبيّن أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز والخبير في الصيرفه الإسلامية، أن صناديق التحوط تستخدم أساليب غير معتادة الغرض منها محاولة إلغاء أثر المخاطر الاستثمارية وتحييدها. ولهذه الصناديق استراتيجيات متعددة تحتاج إلى قدرات إدارية متفوقة لفهم العلاقات المختلفة بين المتغيرات في السوق والقدرة على توقع ما سوف يحدث في المستقبل ثم اتخاذ القرار الذي ربما حقق أرباحاً غير اعتيادية أو مني بخسائر غير اعتيادية. ويضيف الدكتور القري» أن من أشهر أساليب صناديق التحوط في أسواق الأسهم ما يسمى بالبيع الطويل والقصير حيث يقوم مدير صندوق التحوط وهو يتوقع انخفاض سعر سهم شركة ما باقتراض عدد من أسهم تلك الشركة (وعندهم يجوز القرض للأسهم) ودفع سعر فائدة على القرض ثم بيعها في السوق (مثلاً بمائة دولار) فإذا حصل ما توقعه وانخفضت الأسهم اشتراها من السوق (بثمانين دولار مثلاً) وسدد القرض واحتفظ بربح قدره 20%، طبعاً لو ارتفعت أسعار الأسهم المذكورة فإنه سيتحمل خسائر فادحة إذ سيشتريها بأكثر من مئة لتسديد القرض وربما يسأل سائل من يقرض الأسهم؟ فالجواب تقرضها جهات الحفظ لأن الأسهم اليوم مجرد حسابات وأرقام ولذلك فإن جهة الحفظ تعطي نفسها حق إقراض الأسهم كما تفعل البنوك بنقودك المودعة في حسابك الجاري (وكل ذلك من الأساليب التي لا تجوز من الناحية الشرعية إذ لا يجوز إقراض الأسهم ولا دفع الفوائد على القرض). وذكر الدكتور محمد القري» أن من أشهر مديري صناديق التحوط جورج سوروس الذي – في سنة 1992م – توصل إلى نتيجة مفادها ان سعر الصرف السائد للجنية الإسترليني لا يعكس الحقائق الاقتصادية للاقتصاد البريطاني وانه لا بد ان ينخفض فما كان منه إلا ان بدأ ببيع الجنيه الإسترليني بسعر صرف أقل كثيراً من السعر السائد بشرط التسليم يكون بعد ستة أشهر. مثلاً لو كان سعر صرف الإسترليني اليوم يساوي دولارين وهو يرى ان هذا السعر لا بد ان يتغير بالانخفاض ليصبح مثلاً الجنية الإسترليني يساوي دولار ونصف. إذا كان متأكداً من هذه النهاية فما عليه إلا ان يدخل في عقود يبيع فيها الجنيه الإسترليني تسليم بعد ستة أشهر بدولار و75 سنت، فإذا تحقق ما توقع فما عليه في ذلك التاريخ إلا ان يشتري من السوق الجنيه الإسترليني بدولار ونصف ويسلم لمن اشتراه منه بدولار و75 سنت ويحقق مبلغ 25 سنت في كل جنيه إسترليني. ولكن لو لم يتحقق ذلك التوقع فإنه سيخسر 25 سنت في كل جنيه إسترليني وهي قاصمة ظهر ولذلك فإن خسائر صناديق التحوط تكون دائماً خسائر فادحة وعظيمة كما تكون أرباحهم باهرة وعالية جداً. وبالفعل تحقق ما توقعه جورج سوروس وتبع ذلك اتهامه بأنه هو الذي تسبب في انخفاض سعر الجنية (الأرقام المذكورة غير حقيقية وإنما هي للتوضيح). ولكن، يعتقد لاحم الناصر أن السوق المالية السعودية مغلقة وليس كما الأسواق الأخرى، لافتا إلى أن سوق المال السعودي بسيط جداً وهو مقتصر على إدراج الشركات السعودية وما يتعلق بها من صناديق استثمارية، مؤكداً أن هذا ما يعطي الأسواق المالية يُمكن للمؤسسات المالية إدراج صناديقها، وأن هناك شركات أجنبية تدرج صناديقها، مما يساعد الأسواق المفتوحة لوضع المؤثرات لمثل هذه الصناديق. وأبان الخبير في الصيرفة الإسلامية لاحم الناصر، أن مركز دبي المالي يسعى إلى أن تكون للمالية الإسلامية، لكي ينافس أسواق ماليزيا ولندن لتصبح سوقاً للمعرفة الإسلامية، مؤكداً أن ستة صناديق تحوط لا تحتمل أن يوضع لها مؤشر خاص، منتقداً من يطلق مؤشرا لصناديق التحوط، معتبرا أنها من باب الرعاية كمركز المال بدبي. وعلى صعيد متصل، طالب لاحم الناصر الخبير في الصيرفه الإسلامية، بوجود هيئة شرعية موحدة أو عليا تكون في مؤسسة النقد العربي السعودي أو في هيئة السوق المالية، مشيرا إلى أن عمل الهيئة هو الأشراف على الهيئات الشرعية الفرعية الموجودة في المؤسسات المالية، لتوحيد الفتوى أو القرارات بحيث لا يكون هناك خلاف كبير جداً، وتكون مرجعية للمستثمرين ويكون بذلك هيئة رسمية تخرج قوائم للشركات المتوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية التي يجوز تداولها .بحيث لا يكون فيه خوف أو تضليل حتى لا يشتغل بعض ضعفاء النفوس في السوق المال. وخلص الناصر إلى القول إن من أهم العوامل المؤثرة في القرار الاستثماري في السعودية هي شرعية الأسهم بمعنى جواز تدولها من عدمه، مستدلاً ببعض الشركات الفاشلة استثمارياً أنها سعت في يوم من الأيام إلى تحويل جميع معاملاتها إلى إسلامية حتى تكسب المستثمرين والمتداولين وهي مطلب وعامل مؤثر في سوق الأسهم، كما طالب الناصر هيئة السوق المال أن تكون دقيقة جداً في مسألة الشركات التي تعلق أنها متوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية، حتى لا تخدع المستثمرين.